الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أحمد حسن الزيات يصف أجواء القرية في عيد الأضحى

الأديب الكبير الأستاذ
الأديب الكبير الأستاذ أحمد حسن الزيات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كتب الأديب الكبير الأستاذ أحمد حسن الزيات، صاحب مجلة الرسالة، مقالا بعنوان «عيد الأضحى» فى عدد مارس من العام ١٩٣٤، يصف فيه أجواء العيد فى القرية المصرية آنذاك، رافضا ما قد يحدث من تجاوزات بين أبناء المدينة مادحا ما كانت تداوم عليه القرية من أعمال طيبة يوم وليلة العيد.
وعن العيد يقول «الزيات»: أقبل عيد الأضحى أو يوم الله، والإيمان بالله والإيمان بالوطن أسمى شواعر النفس، والتضحية لله والوطن أصدق شعائر الإيمان، والاحتفال بيوم الله أو يوم الوطن أقدس مظاهر الإنسان، وعيد الأضحى أجل أعياد المسلمين وأبلغها فى حياتهم أثرا وأبلجهم فى نفوسهم دلالة».
وفى كلامه يربط الزيات بين الاحتفالات الدينية والاحتفالات الوطنية، فهما سواء وحب الوطن من الدين والاحتفال به والخوف عليه والتضحية من أجله أسمى مظاهر الصدق والوطنية.
ووصف الزيات الأعياد ومظاهر البهجة فى نفوس الناس بالواحات فى صحراء الحياة القاسية، يستريح إليها الشارد والبائس والمعذب، وعيد الأضحى يسهم فى تعارف الوجوه يوم عرفة، ويعطى للنفس فرصة للتطهر، ويجمع شمل الأسرة فى يوم يجتمعون فيه على البهجة والسعادة.
ويذكر أن القرية تتحول لمدينة مضيئة مع مجيء العيد، فعند صلاة المغرب فى ليلة العيد تتزين القرية وتضيء المقابر بالفوانيس والمشاعل حيث يقضون الليل فى الاستذكار والعبادة والمغفرة، ويسمعون القرآن من الفقهاء وقد تذكروا الأحباب فى فراقهم وطلبوا لهم الرحمة والمغفرة، ومع إشراقة يوم العيد، وطلوع الشمس كأنها تطلع أول مرة على البشر، تتبدل الأحوال فلا الوجوه هى الوجوه ولا الضحك هو الضحك، ويتبدل الحال إلى الأحسن، فتجد الجلاليب فى أنصع ما تكون، والعمائم مزهرة، والدروب مزينة ومبتهجة كأنها فى الربيع.
ويذكر أن الصلاة تجمع الكل من الرجال والنساء والأطفال فيصلون صفوفا خلف الإمام، والأطفال يقفون بالمصلى يشاهدون الحدث، وبعد الصلاة يتبادلون القبل والتهانى ثم يزورون المقابر فيطلبون الرحمة لذويهم وأقاربهم مرة أخرى، ويعودون فيجتمعون جميعا لا فرق بين الغنى والفقير، فكل مائدة عليها مكان للفقير محفوظ، ويأتى دور العمدة فيقوم بزيارة أهل حارته ويجلس معهم على المصاطب ويدخن السجائر، ويتناول معهم بعض الأطعمة، ويهنئهم ثم ينتقل من حارة إلى أخرى حتى يجالس أهل القرية، وكلما مر قوم بحارة أخذوا أهلها إلى الأخرى حتى تجتمع القرية كلها آخر المطاف لدى العمدة فيقضون فى مجلسه أغلب اليوم.
وعندما ينتهى من أمر حال الكبار من الرجال والنساء، يتطرق لذكر الأطفال واليافعين فيقول: «ذلك أمر الكهول والشيوخ أما الشباب والأيفاع فيطيفون زمرا بالبيوت يهنئون الصبايا ويحملون بأيديهم الطعام فتتسبب أيدى الأطفال منهم فى طبع الخدود البرنزية للفتيات بخاتم رقيق من «الدمعة» ويخضبون الثياب بأيديهم الممتلئة بالدسم، وينصرف الشباب إلى لعب الكرة فى ساحة البيدر والأطفال إلى الأراجيح على أشجار الترعة.
ويختتم الزيات ذلك الوصف بقوله: «تلك صورة العيد فى القرية رسمتها بغير ألوانها الزاهية وجلوتها فى غير إطارها المذهب، فبالله ربك أهى على علاتها أخلق بالإنسان وأقرب إلى الدين وأشبه بالخلق، أم هذه الصورة التى نراها اليوم فى شوارع المدينة جوامع المدينة وقصور المدينة؟ 
إن الزيات يختم كلامه عن العيد بسؤال يعقد بالضرورة لدى المتلقى مقارنة بين الحال القرية وهم يتزاورون ويمضون فى جماعات إلى الصلاة ويعودون من شوارع لم يمشوا فيها كى يجدوا فرصة لمقابلة باقى الأهل والأحباب، فالقرية مجتمع واحد وصغير، وهو فى مقارنته تلك يستنكر حال شباب أهل المدن من الخروج عن المألوف، وكان ذلك فى عام ١٩٣٤، فما باله بشباب القرى والمدن اليوم؟!