الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القمص بنيامين المحرقي: الإيمان في حياة العذراء

القمص بنيامين المحرقي
القمص بنيامين المحرقي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن كلمة إيمان في اللغة العبرية nāma تعني "أن يكون أمينًا"، كما جاء في سفر التثنية: «فَاعْلمْ أَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ هُوَ اللهُ الإِلهُ الأَمِينُ الحَافِظُ العَهْدَ وَالإِحْسَانَ لِلذِينَ يُحِبُّونَهُ وَيَحْفَظُونَ وَصَايَاهُ إِلى أَلفِ جِيلٍ» (تث7: 9). وكذلك: يؤتمن على. واُختُصَّ بها الله الذي هو الأساس والمصدر الحقيقيّ للأمن.وفي اللغة اليونانيّة ίστιϛπ تعني الثقة التي لدى الشخص في الله، أو في آخرين. وكان الإيمان في العهد الجديد يتضمن إدماج الإيمان بابن الله، والتوبة عن الأعمال التي تؤدي للموت، والمعمودية: «لِذَلِكَ وَنَحْنُ تَارِكُونَ كَلاَمَ بَدَاءَةِ الْمَسِيحِ لِنَتَقَدَّمْ إِلَى الْكَمَالِ، غَيْرَ وَاضِعِينَ أَيْضًا أَسَاسَ التَّوْبَةِ مِنَ الأَعْمَالِ الْمَيِّتَةِ، وَالإِيمَانِ بِاللهِ» (عب6: 1). هكذا كانت العذراء القديسة مريم تحيا حياة الإيمان، الذي ظهر جليًا، إذ كانت تحيا حياة التسليم الكامل. لمشيئة الله، في هدوء، بدون جدال.السيدة العذراء آمنت وصدقت لكنها كانت تستوضح: «كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟» (لو1: 34)، إنها طاعة واعية واثقة، في كل ما احتملته لم تتذمر اطلاقا. بالرغم من ذلك قالت للملاك: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ» (لو1: 38). يقول القديس أمبروسيوس: [لم ترفض مريم الإيمان بكلام الملاك، ولا اعتذرت عن قبوله، بل أبدت استعدادها له، أما عبارة: "كيف يكون هذا؟ فلا تنم عن الشك في الأمر قط، إنما هو تساؤل عن كيفيّة إتمام الأمر... إنها تحاول أن تجد حلًا للقضيّة... فمن حقِّها أن تعرف كيف تتم الولادة الإعجازيّة العجيبة]. أمام هذا الإعلان أعلنت العذراء خضوعها بالطاعة. إن طاعة العذراء مريم قد حلت محل عصيان حواء أمها. ونلاحظ أن العذراء كانت إجابتها كلها اتضاع، فهي قد علمت أن من في بطنها هو الله، لكنها ها هي تقول هوذا أنا أمة الرب. إنه في اللحظة التي قبلت فيها العذراء كلام الملاك وقدمت الطاعة لله، قبلت سرّ التجسد، فالله يقدس الحرية الإنسانيّة، وكان غير ممكنًا أن يتجسد المسيح منها وهي لا تقبل هذا.ففى قولها «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ» (أى عبدة أو جارية)؛ يعنى استسلام والتزام تام لمشيئة الله وحضوره غير المفحوص. هو في نفس الوقت تجاوب مع النعمة، واستسلام لعطية الله. فهى لم تسعَ لفحص كلام الله، ولم تضعه تحت مجهر العقل، بل كان كلامها وتجاوبها إعلان للإيمان والتسليم الكامل. فلم تطلب أن ترى دليلًا ماديًّا، بل ولم تسعَ لحظة بالشك، كما فعل بعض الأنبياء من العهد القديم، مثل موسى النبي، وجدعون (قض6)، وأيضًا حزقيا الملك (2مل20: 9). وكذلك هنا ظَهر الفرق بينها وبين زكريا الكاهن، العالم بالشريعة، والذي من المفترض أن يكون على علاقة شخصية حياتية مع الله، ولكن نجده يضع كلام الله تحت المجهر العقلي، فأجاب الملاك: «كَيْفَ أَعْلَمُ هَذَا لأَنِّي أَنَا شَيْخٌ وَامْرَأَتِي مُتَقَدِّمَةٌ فِي أَيَّامِهَا؟». (لو1: 18). ألم تعرف يا زكريا أنه «غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ» (لو18: 27)، ألم تقرأ يا زكريا كيف أعطى الله إبراهيم نسل، وغيره مما كتب في التوراة، وأنت العالم بالناموس والأنبياء؟عاشت العذراء حياة الإيمان والتسليم، رغم رحلة الصليب التي عانتها في الألم والمتاعبِ المتنوعة: شك يوسف.. الولادة في مذود حيوانات.. الهروب من وجه هيرودس إلى أرض مصر.. كما احتملت أن ترى آلام السيد المسيح وصلبه. في كل هذا عاشت «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ». وبذلك استمرت القديسة مريم العذراء في كل حين، تعيش بالإيمان والطاعة والتسليم المطلق، من يوم البشارة ليوم انتقالها.