الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المشوار من الميلاد.. إلى الموت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يقطع الإنسان مشوار حياته من الميلاد إلى الموت، دون أن يتوقف ليتساءل عن مغزى الحياة ومعناها: لماذا خلقنا؟.. ولماذا نموت؟.. وما جدوى الحياة؟.. وما هدفها؟.. وماذا لو لم نخلق أصلًا؟.. هل لو لم نخرج إلى الدنيا كان سيطرأ أى تغير على الحياة والكون؟.. وما هى التغيرات الخطيرة أو حتى الطفيفة التى ستجعل البشرية؛ بل والكون كله، يستشعر غيابنا بعد موتنا؟.. ما الذى كان سوف يحدث لو أنه لسبب ما اختلف أو تشاجر «الرجل» الذى أصبح أبى مع «المرأة» التى صارت أمي؛ قبل ليلة زفافهما مباشرةً، وبسبب هذا الخلاف والتشاجر لم يتم زواجهما وانتهت علاقتهما إلى الأبد؟ هل لو كان هذا قد حدث؛ كنت جئت «أنا» إلى الدنيا؟.. حتى وإن تزوجت «هى» رجلًا آخر وأنجبت أطفالًا، وتزوج «هو» امرأةً أخرى وأنجب أطفالًا، هل كنت «أنا» بما عليه من سمات وخصائص، واحدًا من هؤلاء الأطفال أو أولئك!!.. هل لو حال أمرٌ ما بين زواج «الرجل» الذى أصبح أبى و«المرأة» التى صارت أمي، هل لو حدث ذلك كنت أتيت أنا إلى هذا العالم؟.. لماذا نذهب بعيدًا: هل لو تأخر الجماع بين أبى وأمى والذى كان من نتيجته إخصاب البويضة التي احتوتني كجنين، لو أن هذا اللقاء الجنسي بينهما تأخر ليلة واحدة أو أكثر؛ هل كنت خرجت أنا إلى هذا العالم؟ قد يخرج طفل آخر، لكن فرصة أن أخرج «أنا» تكون قد ذهبت بلا عودة!!..

أسئلة تتسم بالعبثية كما هى الحياة.. الحياة أيضًا تبدو عبثية. 

انتبه الكاتب الفرنسى ألبير كامو إلى هذه العبثية التى تعتري حياتنا، واستعان بأسطورة إغريقية قديمة هى «أسطورة سيزيف» التى تحكى عن رجل يونانى أغضب الآلهة بسبب ارتكابه معصية، فأصدر «زيوس» كبير الآلهة ضده حكمًا بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا ما اقترب من القمة ازداد ثقل الصخرة، فتفلت من بين يديه وتسقط إلى أسفل، فيعود سيزيف إلى رفعها ثانية إلى القمة، لتفلت من بين يديه من جديد حين يقترب من قمة الجبل، ويظل يقوم بهذه المهمة إلى ما لا نهاية. منتهى العبثية!!.. هكذا حياتنا!!.

من المهد إلى اللحد، مثلنا مثل «سيزيف» نواصل مشوار حياتنا، مشوار مليء بالعثرات والعقبات، نسعى للتغلب عليها واجتيازها، ننجح مرة ونفشل مرات، ومع هذا نواصل المسير، نقضى أحلى سنوات عمرنا وأجملها استعدادًا للحياة، نقضيها على مقاعد الدرس فى ظل نظم تعليم فاشلة، تؤهل للتقاعد لا للعمل والحياة، وحتى حين انتهاء مراحل التعليم لا نجد عملًا أصلًا، مناسبًا أو غير مناسب!!. 

لماذا شاء القدر أن نُولَد هنا وليس هناك؟ لهذا الأب وهذه الأم، وليس ذلك الأب وتلك الأم؟. 

المشوار من الميلاد إلى الموت تتخلله بلا شك لحظات بهجة وسعادة، ولكنها ليست كثيرة أو غالبة، لأنه بحكم قوانين الطبيعة التى تجعل ثقل صخرة «سيزيف» يزداد كلما ارتفع بها إلى أعلى الجبل، مما يزيد من احتمال سقوطها، بل يجعل سقوطها حتميًا فى النهاية؛ فإن الشيء نفسه يحدث فى مشوار حياتنا، إذ كلما كبرنا فى السن، حل بنا المرض والعجز والوهن. وكلما بلغنا من العمر عتيًا، اقتربنا من الموت أكثر.

كلها حقائق نعلمها سواء كنا شيوخًا أو شبابًا، لكننا لا نحاول أن نقف أمامها نتأملها، لأننا نشأنا فى ظل بيئة ثقافية تنظر إلى مثل هذه المسائل بوصفها أمورًا دينية مقدسة، لا يجوز تناولها بالبحث والفحص فى حين أنها أمور تتعلق بحياتنا الاجتماعية والسياسية استثمرها تجار الدين ورجال السياسة لترسيخ أوضاع قائمة بوصفها أقدارًا محتومة.

منذ نعومة أظافرنا ونحن ننظر إلى مثل هذه المسائل على أنها غيبيات تنطوي على أنواع شتى من الترهيب والترغيب المغلفة بالمحظورات، في حين أننى أرى أن حياتنا لو تأملناها جيدًا سنجدها مشروعًا نحن نملك معظم عناصر نجاحه، فقط إذا تمكننا من تحديد أهداف هذا المشروع بدقة، وتخلصنا من مخاوفنا وأوهامنا، وأدركنا عناصر قوتنا، وأبرزها أن حياتنا ملكنا نحن، وأن نحذف «اليأس» من قاموس حياتنا، وأن ندرك أهمية عنصر «الوقت» فى إنجاح هذا المشروع، وقبل هذا وبعده: صياغة طريقة جديدة فى التفكير تسمح لنا بإعادة فحص ما لدينا من أفكار، وفحص الأفكار السائدة في المجتمع، ولتوضيح ما أعنيه بــ «إعادة فحص الأفكار» سوف أستعين بـ«تشبيه الكهف عند أفلاطون»، لقد عرض أفلاطون فى مطلع الكتاب السابع من «محاورة الجمهورية» تشبيهًا مشهورًا، يمكن تلخيصه في السطور الآتية:

مجموعة من الناس منذ أن وُلِـدوا عاشوا فى كهف مظلم مقيدين بسلاسل بحيث تكون وجوههم مثبتة نحو جدار الكهف، أما باب الكهف فهم لا يرون منه شيئًا، ولا يعرفون موضعه، لأن رؤوسهم مثبتة نحو جدار الكهف المقابل للباب، خارج الكهف تدب الحياة وتغمر أشعة الشمس الدنيا، وتنعكس ظلال حركة الحياة الحقيقية على جدار الكهف، أهل الكهف لا يدركون من الحياة الحقيقية المفعمة بالصدق والحيوية سوى الظلال الباهتة الباردة الرطبة المنعكسة على جدار الكهف، هم لا يستطيعون النظر خلفهم، لأنهم مقيدون بسلاسل، منذ أن وُلِـدوا بحيث تكون وجوههم مثبتة نحو جدار الكهف، أما باب الكهف فهم لا يعرفون أنه موجود أصلًا- كما سبق أن ذكرنا.

إنهم يعتقدون أن ما يرونه منعكس على جدار الكهف هو الحق المطلق، وأن من يزعم غير ذلك هو ضال ومضلل، وأن كل من يروج للقول بأن ما يشاهدونه داخل الكهف هو مجرد ظلال وأوهام إنما يسعى إلى إحداث فتنة واضطرابات وقلاقل داخل «مجتمع الكهف»، والأغرب من ذلك والأنكى أن أغلب «أفراد مجتمع الكهف» أنفسهم سوف يهاجمون ذلك الإنسان الذى يسعى للأخذ بيدهم للخروج من ظلمات الكهف إلى نور الحياة الحقيقية، وقد يصفونه بأنه مجنون أو معتوه، أو قد يتطوع أحدهم لقتله، أو ينبرى آخر ويرفع عليه قضية حسبة، خطورة الأمر أن من تدافع عن قضيتهم هم أنفسهم من يناصبونك العداء.. لماذا؟ لأنهم كما أهل كهف أفلاطون، عاشوا منذ أن وُلِـدوا مقيدين بسلاسل بحيث كانت وجوههم مثبتة نحو وجهة نظر واحدة لا يرون سواها، واعتقدوا أنها الحق المطلق.