الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

العقوبات الاقتصادية.. سلاح الردع الأمريكي لإخضاع الدول

الرئيس الأميركي دونالد
الرئيس الأميركي دونالد ترامب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سياسات «ترامب» تهدد بحرب عالمية جديدة وتمهد لظهور الأفكار المتطرفة
«واشنطن» تمارس الضغط بالحصار الاقتصادى وتنهى الأمر بالمعركة المباشرة

تتبنى الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، العقوبات كإحدى أدوات سياساتها الاقتصادية الردعية، والهادفة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية محددة، من خلال ممارسة الضغط على الدول المستهدفة بالعقوبات، بهدف تغيير مواقفها فى الاتجاه الذى تريده الدولة التى تفرضها؛ حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على العديد من الدول مثل روسيا، الصين، كوريا الشمالية، إيران وتركيا وقديمًا ليبيا وكوبا.
وتأتى العقوبات الأمريكية كآلية توليها واشنطن أهمية كبرى فى استراتيجيتها الخارجية، ليس فقط ملمحا فى سياستها الخارجية، بل أيضًا يشمل ملمحا آخر داخلى متعلق بسياسة «الحمائية التجارية» التى أعلن عنها «ترامب» فى سياساته الداخلية، ومن بين التهديدات وربما كان أهم تلك التهديدات، من حيث الجوهر وخطة العمل شبه المعلنة، هو ما تمثله نيات، وخطط، وسياسات الرئيس الأمريكى حول النظام التجارى الدولى القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد عبر «ترامب» فى العديد من خطاباته، فى أثناء حملته الانتخابية، عن عدم رضاه عن الاتفاقات التجارية الدولية التى تشارك فيها بلاده، بعدها اتفاقات مجحفة بحق الولايات المتحدة؛ حيث تتسم المنافسة التجارية بعدم العدالة، وتلجأ الكثير من الدول إلى التحايل لتحقق فائضًا تجاريًا مع بلاده، لتضر بالاقتصاد الأمريكي، وتعيق نموه وازدهاره. علاوة على معاناة الولايات المتحدة عجزًا ضخمًا فى ميزانها التجاري، فإن هذه التجارة غير العادلة تسلب أيضًا الملايين من فرص العمل التى كان ينبغى توفيرها للأمريكيين.
إن الإجراءات الأمريكية المتعلقة بالعقوبات كانت ولا تزال محدد أساسى سواء فى علاقاتها السياسية أو فى مواجهة الضغوط الاقتصادية الداخلية، هذا يمكن تفسيره من خلال أن الرجل الأول فى الإدارة الأمريكية فى الأساس رجل أعمال وملياردير أمريكي، ومن خلال استراتيجية الصفقة يحاول ترامب إدارة ملفاته الداخلية والخارجية، وعلى الرغم من نجاح بعض من هذه السياسات، إلا أنها تهدد بتفجير نظام التجارة الدولية، الذى تم تدشينه عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، والواقع أنه فى الظروف الراهنة، هناك ما قد يشبه الظروف الاقتصادية والتجارية، التى شهدها العالم خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، والتى يرى البعض أنها كانت من الدوافع الرئيسية وراء ظهور الفاشية والنازية، وانتصارهما فى أوروبا، وكانت من ثم من أكبر الدوافع وراء اندلاع الحرب العالمية الثانية، حيث جرت تسوية الصراعات والخلافات الكبرى بالنار والدم. 
أهداف العقوبات 
لا يمكن تصور أهداف العقوبات الأمريكية دون تشريح مفهوم تلك العقوبات من وجهة نظر الإدارة الأمريكية وحدودها وآلياتها، التى قد تتراوح بين نموذجين، أحدهما قائم على الأدوات الاقتصادية الخالصة وبين الحرب الاقتصادية التى قد يصاحبها أعمال عسكرية تهدف لتدمير البنية التحتية والقدرات الإنتاجية للدول المستهدفة.
فى الحالة الأمريكية، يمكن القول إن العقوبات الاقتصادية لم تكن مقرونة بالضرورة بالحروب العسكرية والحصار العسكرى، بل فى مجملها تسير فى اتجاهين: الأول فى العقوبات الاقتصادية المباشرة بمفردها، أو الاتجاه التصعيدى المتمثل فى فرض العقوبات كمرحلة أولية تمهيدًا للدخول العسكرى كما هو فى حالة العراق، إلا أن هذا السلوك لم يكن مشاعا فى استراتيجية الولايات المتحدة على مرور الزمن.
كما أن هناك العديد من الدلالات التى تدفع الولايات المتحدة لتبنى خيار العقوبات الاقتصادية بخياريها وفق مدى تأثر اقتصاد الدول المفروض عليها العقوبة سلبًا، ويتفاوت التأثير حسب طبيعة العقوبة، على سبيل المثال تأثرت إيران بالعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من جانب واشنطن عقب الانسحاب من الاتفاق النووى، وكذلك قبل توقيعه، وفى نفس السياق تأثرت تركيا بالعقوبات الأمريكية المفروضة عليها ما أدى إلى تراجع قيمة العملة التركية (الليرة)، أمام الدولار.
وتتلخص أهم أهداف الولايات المتحدة من العقوبات الاقتصادية فى:
١- الضغط على الدول المستهدفة وزيادة الاحتجاجات المحلية لتغيير النظام، عن طريق زعزعة الاستقرار المحلي، كما فعلت مع ليبيا فى عام ١٩٧٨، ونظام كوبا بقيادة فيدل كاسترو، ونظام إيران الإسلامى منذ عام ١٩٧٩.
٢- قد تكون العقوبات الاقتصادية كإجراء احترازى لمنع استخدام القوة العسكرية، والتى قد تنجح أحيانًا، عوضًا عن منع الدول المستهدفة من تطوير قدرتها العسكرية التقليدية أو غير التقليدية، مثل العراق وإيران وليبيا وكوريا الشمالية.
٣- العمل على تغيير سياسة الدولة المستهدفة سواء على المستوى القريب أو المتوسط، والذى يستوجب استراتيجية مكثفة للحيلولة دون تطور الموقف لأعمال عدائية.
وفق تلك الأهداف، برز سلاح العقوبات الاقتصادية فى السياسة الخارجية الأمريكية بعد نجاح دونالد ترامب فى الفوز بالانتخابات الأمريكية الأخيرة، ووفق تلك الأهداف فإن الولايات المتحدة تستخدم فى توجهاتها الخارجية سلاح العقوبات الاقتصادية كبديل عن التدخل العسكرى المباشر، أو الدخول فى صدامات عسكرية مع العديد من دول العالم، خاصة وأن هناك الكثير يمتلك قوة عسكرية تقليدية وغير تقليدية متطورة.
استراتيجية العقوبات
إن استخدام الولايات المتحدة لسلاح العقوبات الاقتصادية يكون وفق العديد من الآليات مثل المقاطعة الاقتصادية، التى تُستخدم من قبل واشنطن، فخلال الفترة من ١٩٧٩ – ١٩٨٠، طبقت الولايات المتحدة المقاطعة الاقتصادية ضد طهران، على إثر احتجاز عدد من الموظفين الدبلوماسيين والقنصليين فى السفارة الأمريكية فى طهران.
فى حين منعت واشنطن تحويل الأموال من وإلى إيران واستهدف القانون الأمريكى عام ٢٠١٠ وقف إمداد الوقود الإيرانى، ونص على اتخاذ إجراءات ردع على المجموعات الأجنبية التى تستثمر فى قطاع النفط الإيراني، وتبنى قانون جديد للكونجرس الأمريكى فرض عقوبات جديدة ضد إيران وشدد ترامب العقوبات ضدها لاستمرار جهودها فى توسيع برنامجها الصاروخي.
كما تستخدم الولايات المتحدة سياسة الحظر الاقتصادى كما تفعل مع الصين، فيما يتعلق ببعض المنتجات الصناعية والتكنولوجية؛ حيث حظرت الولايات المتحدة على الشركات الأمريكية بيع معدات اتصالات إلى شركة «زد تى إي»، بعدما وردت الشركة الصينية معدات بشكل غير مشروع إلى إيران وكوريا الشمالية، كما فرضت رسوم جمركية على مئات المنتجات القادمة من الصين، ووضع قيود على استثمارات الشركات الصينية بالولايات المتحدة. 
فيما فرضت أيضًا حظرًا اقتصاديًا على كوبا بدأ عام ١٩٥٩ عقب الثورة الكوبية، حتى عام ٢٠١٦، على خلفية اتهامات بدعم الجماعات الإرهابية.
فى نفس السياق، بدأت أولى عقوبات الولايات المتحدة ضد روسيا إبان عصر الاتحاد السوفيتى، وتلا ذلك عقوبات عام ٢٠١٢ ضد مسئولين روس اتهمتهم بممارسة انتهاكات لحقوق الإنسان، ثم تبع ذلك فرض عقوبات جديدة على ما يخص الاقتصاد الروسى إبان الأزمة الأوكرانية؛ حيث اتهمت واشنطن موسكو بدعم الانفصاليين فى شرق أوكرانيا ونشر جنود لها فى داخل البلاد، والتدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، وانتهاكات حقوق الإنسان، إن الولايات المتحدة بدأت فرض العقوبات على روسيا فى إطار قانون «مواجهة أعداء أمريكا»، وصعدت الولايات المتحدة من ضغوطاتها على روسيا من خلال فرض أشد حزمة عقوبات عليها فى خطوة ترمى إلى إضعافها داخليًا وخارجيًا، وكذلك دعم مصالح الشركات الأمريكية فى الأسواق العالمية، خاصة الطاقة والأسلحة.