الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل يخطئ المرء فى سماع قلبه؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربما كانت الكتابة لعبًا فى عصور أخرى، أيام التوازن والانسجام، لكنها اليوم مهمة جسيمة لم يعد الغرض منها تسلية العقول بالقصص الخرافية أو مساعدة هذه العقول على النسيان، بل الغرض منها تحقيق حالة من التوحّد بين جميع القوى الوضاءة التى لا تزال قادرة على الحياة حتى أيامنا الانتقالية هذه، والغرض أيضًا، تحريض الإنسان على بذل قصارى جهوده لتجاوز الوحش الكامن فى أعماقه.
نعم يا «نيكوس»، لم تعد الكتابة ترفًا فى هذا الزمن، بل وسيلة للعيش بعقل لا تراوده الأفكار الحمقاء، ومحاولة ضرورية للنجاة من الوحدة وعقاقير الاكتئاب. 
مارست الكتابة يا نيكوس لكى تخلص روحك من الوحش الذى يسكنها، وبنبل يليق بك تركت لنا «زوربا»، ليعلمنا الغناء والرقص رغم الفقر والمرض والوحدة، تركته يرقص رقصته الشهيرة لتنتفض أرواحنا ضد الوحش الكامن داخلها، وتنتفض عقولنا ضد كل قوى التخلف التى تتربص بنا خلف كل رقصة، أو مشهد من فيلم، أو صفحة من كتاب.
أكتب لأن تلك رغبتي، أكتب لأننى لا أقدر على القيام بشيء آخر غير الكتابة، أكتب كى أناقش بعض الآراء التى وردت فى كتبي، أكتب لأننى غاضب منكم جميعًا، من العالم كله، أكتب لأنه يروق لى أن أنزوى فى غرفتى اليوم كله، أكتب لأننى لا أستطيع تحمل الحقيقة إلا وأنا أغيّرها، أكتب حتى يعرف العالم أجمع أى حياة عشنا، وأى حياة نعيش، أكتب لأننى أحب رائحة الورق والحبر.
عندما تكون غاضبًا من العالم لا تمسك ببندقية، ولكن اكتب واستمر بالكتابة، ربما يستحيل ما كان مصدر غضبك إلى مصدر بهجتك، وإن لم يكن فيكفيك أنك لم تسمح لطاقاتك السلبية أن تلتهم إنسانيتك، وتستحيل تحت وطأتها إلى وحش يفتك بنفسه فى نهاية الأمر؛ سيد «باموق» معك كل الحق، لا بد من أن نمارس الكتابة لنقف على كل الحقائق المؤسفة، أن نكتب عن واقعنا التعس، ربما نعثر على طريقة ما لتغييره، وإن لم نستطع فيكفينا الهوس برائحة الورق والحبر فبهما، ودون غيرهما انصلح الكون.
الكتابة هى انفتاح جرح ما، أن تكتب يعنى أن تهجر معسكر القتلة، يجب أن يكون الكتاب فأسًا للبحر المتجمد فينا، معسكر القتلة تتسع رقعته يومًا بعد يوم حتى ضاقت بنا الحياة يا سيد كافكا.. المعسكر ما زال يستقبل عميانا جددًا، لكن هذا لا يعنى أن نتجاهل نصيحتك بل على العكس تمامًا، علينا أن نكتب كى تنهار كل جبال الثلج التى تحاوطنا.. كى ننأى بأنفسنا من معسكر القتلة. 
إن كل فردٍ يعانى فكرة الزوال، ويخال نفسه غير مسموع ولا ملاحظ، فى عالمٍ لا مبالٍ، ومن جرّاء ذلك يريد- ما دام الوقت سانحًا - أن يتحول هو نفسه إلى عالم من الكلمات خاصٍ به.
اكتب لا ليلاحظك العالم، اكتب لتتحول أنت إلى عالم أنت كل من فيه، وكل ما فيه يخصك، كل ما فيه هو لك وحدك، حينها سيلاحظك العالم، اكتب وضع ما قاله كونديرا صوب عينيك.
كنت، وما زلت أعتبر مهنة الكتابة من أنبل وأنفع المهن، وإننى لمقتنع تمامًا من نفعى فى هذا المجال، فلربما استطعت أن ألفت الانتباه مجددًا والحصول على اسم جديد لامع يضمن وجودي، كما اعتبرها دوستوفيسكى اعتبرها أنت أيضًا فهى حقًا من أنبل المهن.
اكتب ولا تنتظر عيد القطاف، قد تكون الطريق بعيدة جدا ولكنها آمنة. اكتب لتتغلب على التعب.. التعب يعنى الموت، دع كل ما يحدث يزيد من قناعتك بأن كل شئ لا يعدو عن مزحة. اكتب وتحسب للوقت فمراعاة الأوقات من علامات التيقظ. اكتب وإن بدا الأمر على نحو غير متوقع فجميعنا نواجه لحظات من المصاعب. ولكى نتجاوز الصعوبات علينا أن نُخرج موهبتنا ولكى نُخرج موهبتنا يجب أن نُحطم القاعدة والروتين.. لحظة الابتكار جنون والله يحمى المجانين.
اكتب وحسب فلا شيء بوسعه أن ينقذ الاستطيقا من بؤسها.. لا تخشى الفشل بل كرر المحاولة وارهف السمع إلى قلبك، فهل يخطئ المرء فى سماع قلبه؟!