الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

هل تنجح "المراجعات الفكرية للإخوان" كما أحدثت صداها مع الجماعة الإسلامية؟.. وخبراء: أصحاب الدم لا عهد لهم

 الإخوان
الإخوان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع تعرض التنظيمات الإرهابية لضربات موجعة، والزج بأعضائها وقياداتها فى السجون، تظهر على الفور دعوات من داخلها، أو على لسان منشقين عنها أو متعاطفين معها، لإجراء مراجعات لأفكارها المتطرفة، وهو ما يفسره البعض بأنه رضوخ للأمر الواقع، أو تكتيك مؤقت لالتقاط الأنفاس، ومعاودة الكرة مرة أخرى.
ولا تزال تجربة المراجعات، التى أجرتها الجماعة الإسلامية عام 1997، ماثلة فى الأذهان، ويتردد صداها حتى الآن، خاصة أنها بدت حينها ناجحة ونموذجا يحتذي، إلا أنه سرعان ما ثارت الشكوك حول هذه التجربة، بعد ارتداد القياديين بالجماعة عاصم عبدالماجد وطارق الزمر عن المراجعات، وارتمائهما فى أحضان الإخوان عقب ثورة 30 يونيو.


وسرعان ما طفت على السطح مجددا التساؤلات حول حقيقة هذه المراجعات بشكل آخر مع «الاخوان»، فى الذكرى الحادية والعشرين لإطلاقها، وهل التزام الجماعة الإسلامية بها لحوالى عقدين من الزمن يشفع لها، رغم ارتداد البعض؟ أم أنها كانت من البداية مجرد مناورة؟ وهل تقوم جماعة الإخوان الإرهابية بتجربة مماثلة بعد إفلاسها وخروجها من المشهد، وتأكيد القيادى المنشق، كمال الهلباوي، أن المراجعات واجبة للعودة إلى أحضان الوطن؟
يرى خبراء أن سياق المراجعات الفكرية، الذى يجرى الحديث عنه الآن، مختلف عن مناخ مراجعات الجماعة الإسلامية فى التسعينيات، بسبب اختلاف فكر الجماعتين، إذ تمتعت الجماعة الإسلامية حينها بشجاعة الاعتراف بالخطأ، فيما ترفض الإخوان هذا الأمر، وتسعى للسلطة بأى ثمن، رغم لفظ الشعب لها فى ثورة ٣٠ يونيو.

دروس مستفادة
قال هشام النجار، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية بجريدة «الأهرام»، إن المرحلة الحالية تمثل ذروة وخلاصة تجربة الدولة مع الجماعات المتشددة، وقد خرجت بدروس ومحددات ضامنة لعدم تكرار بعض الأخطاء التى وقعت فيها الدولة فى السابق، ومن الممكن الخروج ببعض النقاط الرئيسة فى هذا الملف: الأولى: أنه لا مجال للتعامل مع تنظيم ولا جماعات، فهذا الشكل من الكيانات غير الشرعية غير مسموح بالتعامل معه، بما يعنى إضفاء مشروعية على وجوده. 
ثانيا: لا مجال لإجراء مراجعات برعاية من قادة تنظيمات، بحيث تروج تلك التنظيمات أن ما جرى كان صفقة، وقد حصلت على امتيازات ومكاسب، ثالثا: ينبغى أن تتم هذه المراجعات بشكل حصرى من قبل الدولة بالتعاون بين مؤسساتها الدينية والأمنية والثقافية والتربوية، مستهدفة بها الأفراد الراغبين فى التوبة والخروج من أسر التنظيمات المتشددة والعودة للصف الوطني، ويطلبون من الدولة مساعدتهم فى تأهيلهم فكريا وعلميا لعبور هذه المرحلة. 
رابعا: لم تعد هناك ثقة فى أية جماعة أو تنظيم يزعم أنه يحمل لواء الشريعة، ويسعى لتطبيقها وإقامة الخلافة، فجميعها ثبت أنها مخترقة مخابراتيًا، وممولة من دول خارجية، والتعامل مع تلك التنظيمات والكيانات يتم من خلال قانون الدولة ودستورها وقضائها. خامسا: هذه التنظيمات تستخدم ورقة المراجعات للمناورة والخدع التكتيكية حال شعورها بالانهزام وعدم المقدرة التنظيمية والمالية والحركية على مواصلة مواجهة الدولة ومؤسساتها، وهى فى كل مرة تزعم أنها تتراجع لالتقاط الأنفاس وترتيب الأوراق، ومن ثم العودة من جديد بعد استعادة التنظيم لقوته على الأرض. 
سادسا: المراجعات الفكرية والفقهية متاحة الآن، ومن السهل على كل أحد خارج التنظيم وداخله الإطلاع على إنتاج المفكرين والكتاب والباحثين الذين عالجوا بالفكر والدراسة مجمل أفكار وأطروحات هذه التنظيمات وأطروحات منظريها التكفيرية، ولم تعد هناك حجة لدى أحد أنه لا توجد مصادر لمعرفة الخير من الشر والصواب من الخطأ.
وتابع، أما ارتباط بعض أعضاء تلك التنظيمات بقادتهم، فهذا ارتباط وراءه المصلحة والمادة والمكانة داخل التنظيم فقط، وإذا ادعى أحد أنه ينتظر مراجعات من قادة جماعة الإخوان، فهو مخادع ماكر لأن من المستحيل أن تقدم القيادات على القيام بمراجعات وكتابتها، إلا إذا كانت عازمة على طرد نفسها من التنظيم، وتكرار تجربة اثنين من قيادات الجماعة الإسلامية هما كرم زهدى وناجح إبراهيم، اللذين تم طردهما على أيدى مجموعة عبود وطارق الزمر وعاصم عبدالماجد وصفوت عبدالغني.
وأكد «النجار» تراجع الإخوان دائما عن تعهداتهم، مشيرا إلى التعهد الذى أخذه عليهم الرئيس الراحل أنور السادات مقابل إخراجهم من السجون، إذ أخلوا به وتعاونوا على قتله وشحنوا القوى الحليفة لهم ضده، وتعاونوا مع خصومه السياسيين، وحرضوا على الدولة فى المجلة التى فتحها لهم، حتى أنه فى النهاية ندم على فعله معهم، قائلا: «أنا كنت غلطان»، وأيضا موقفهم من حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فقد كانت هناك اتفاقات ضمنية مكنتهم من خوض الانتخابات رغم كونهم جماعة محظورة غير شرعية، ورغم ذلك تآمروا ضد نظام الحكم القائم مع قوى خارجية، مستغلين ثورة يناير ٢٠١١. وخلص النجار إلى القول: «إن التصدى للأفكار المتطرفة يكون عبر تكثيف العمل الفكرى والتربوى والثقافى والفنى الحامل للرؤى التنويرية».

ملف مربك
وبدوره، قال طارق أبوالسعد، الإخوانى المنشق: «إن ملف المراجعات مربك ومرتبك، فضبابية المقصود بالمراجعات تجعل الحديث عنه متشعبا ولا نصل إلى بر فيه، فإذا كان المقصود بالمراجعات أن تقوم حماعة الإخوان ( كجماعة) بمراجعة أفكارها، خاصة أفكار المؤسس حسن البنا، فهذا وهم كبير ولن تقوم الجماعة بهذه الخطوة أبدا». وإذا كان المقصود بالمراجعات قيام الجماعة بتخطئة القادة فهذا لن يحدث، وإذا كان المقصود أن تعيد الجماعة النظر فى علاقتها ببعض الشخصيات التى وسمت بالعنف فهذا لن يحدث، الجماعة تريد هدنة مع النظام، وتريد اعتراف من الدولة بشرعية وجودها، والذى لا تعترف به الجماعة أن الشعب هو من لفظها، لذا لو أرادت الجماعة إجراء مراجعات، فيجب أن يغفر لها الشعب أولا. وتابع «أبوالسعد»، «لا خير يرتجى من أى مراجعة فى السجون، ولا يمكن اعتبارها حقيقية، إلا إذا غفر الشعب للإخوان»، موضحا أن التصدى للتطرف يبدأ بتغيير بنية الخطاب الديني.

داخل السجون
ومن جانبه، قال عبدالشكور عامر، القيادى السابق فى الجماعة الإسلامية، والباحث فى شئون الحركات الإسلامية، إنه بخصوص فتح الطريق أمام المراجعات الفكرية داخل السجون فهذا أمر جيد، حتى يتمكن من يريد التخلى عن أفكار العنف ويرغب فى الاندماج مرة أخرى فى النسيج الوطنى، أن يصبح مواطنا صالحا.
وأضاف «يجب وضع كل من يخرج من السجون تحت المراقبة الأمنية والمجتمعية حتى يتسنى للأجهزة المعنية تقييم عملية المراجعات لللمفرج عنهم من عناصر الإخوان وغيرهم». 
أما عن كيفية التصدى لأفكار العنف والتكفير، قال: «إن للأزهر دورا أساسيا فى تصحيح المفاهيم الخاطئة عند الشباب، خاصة الذين ينتمون لتلك الجماعات المتطرفة، وكذلك لمؤسسات الدولة الأمنية والسياسية والثقافية دور مهم لا يقل أهمية عن دور الأزهر الشريف». 
وبالنسبة لاحتمال المصالحة بين الدولة والجماعة، قال «عامر»: «الحوار أمر ضرورى وطبيعى بين الدولة والمعارضة السياسية المعتدلة، والتى تعترف بمؤسسات الدولة، أما فى حالة جماعة الإخوان، فأعتقد أن الحوار معها تحصيل حاصل ولن يصل لنتيجة مرضية للدولة، لأن هذه الجماعة لا تعترف بشرعية النظام، فكيف ستجرى حوارا معه؟ وتابع: «إضافة إلى أن الحوار لن يكون مع الإخوان، لكن سيكون مع قوى خارجية هى التى تحرك التنظيم فى عكس اتجاه الرياح الوطنية، لأن هذه القوى المعادية لا تريد الاستقرار لمصر وشعبها».
واستطرد، المصالحة لا تجدى نفعا مع من ارتكب أعمال عنف أضرت بالدولة أو تلطخت يده بدماء رجال الجيش والشرطة، أو تخابر مع جهات أجنبية للإضرار بأمن مصر وشعبها، كما أن لأولياء الدم حق أصيل فى القصاص، ولا يمكن للدولة أن تقفز على حقوق أسر الشهداء والضحايا، أو تتجاهل مطالبهم المشروعة بالقصاص لذويهم من القتلة والإرهابيين.
شروط المصالحة
وأضاف، أما عن شروط المصالحة أو الحوار، إن كان هناك ثمة حوار فهى: أن تعترف الجماعة بشرعية وسلطة الدولة، وتعلن احترامها لمؤسساتها ودستورها، وأن تقدم اعتذارا للشعب المصرى عما بدر منها من أخطاء كادت أن تقسم البلاد وتعرض أمن الوطن والمواطن للخطر خلال فترة حكمهم، وما تلى عزل محمد مرسى من منصبه، وأن تعلن الجماعة اعتزالها للعمل السياسى عشر سنوات على أقل تقدير، وأن تعلن حل نفسها وتتنصل من كل ما يربطها بما يسمى «التنظيم الدولى»، وأن تقوم الجماعة بحل كل أجنحتها العسكرية ومثول أفرادها الهاربين أمام العدالة ممن ارتكبوا أعمال عنف ليقول القضاء كلمته». 

نداء للدولة
وفى السياق ذاته، قال سامح عيد، الإخوانى المنشق والباحث فى شئون الحركات الإسلامية: «إن المراجعات التى أطلقتها الجماعة الإسلامية، أواخر تسعينيات القرن الماضى، كانت بمثابة عمل إنسانى لإنقاذ عشرات من عناصرها ممن قضوا نصف أعمارهم خلف الأسوار، قبل أن تكون عملا سياسيا أو شرعيا». 
وأضاف، أن الذين أطلقوا المراجعات داخل الجماعة الإسلامية يحسب لهم أنهم أطلقوا تلك المراجعات فى وقت عصيب، وضحوا بسمعتهم وتحملوا فى سبيل إنجاح هذه المراجعات ما لم يتحمله بشر من اتهامات بالخيانة والعمالة والنفاق، من بعض أتباع «الجماعة الإسلامية»، قبل أعدائهم، ومن العديد من رموز وقيادات وجماعات الإسلام الحركى فى بداية خروجها للنور، مستبعدا قيام قيادات الإخوان بمثل هذه المراجعات. وكشف «عيد»، أنه كان شاهد عيان على مدى تحمل قيادات مبادرة «نبذ العنف ١٩٩٧» من عنف لفظى ومعنوى ضد أشخاصهم وذويهم، مثمنا، فى الذكرى الحادية والعشرين لإطلاق المراجعات الفكرية، هذه التجربة التاريخية الفريدة فى العصر الحديث، التى ألهمت العديد من تيارات الإسلام الحركى المعارض فى مصر والعالم العربى، فصاروا على نهجها واقتبسوا من نورها صراطا لهم، ولحركاتهم فى بلدانهم، واستلهموا من بنودها وآلياتها مخرجا لأزماتهم وحلا لصراعاتهم مع أنظمة الحكم فى بلادهم.
ووجه «عيد» نداء إلى الدولة المصرية لفتح باب الحوار مع من يرغبون فى العودة إلى وطنهم والاندماج فى النسيج الوطنى مرة أخرى، والذين تم التغرير بهم من قبل عناصر وجماعات مأجورة ومضللة سياسيا ودينيا واجتماعيا.
وطالب أيضا قيادات الجماعة الإسلامية الذين أطلقوا مبادرة «نبذ العنف» بالتمسك بمبادراتهم ومراجعاتهم الفكرية وعدم الالتفات للأصوات الشاذة التى تدعو للعنف من بعض القيادات المنقلبة والمرتدة عن المراجعات، الذين باعوا وطنهم بعرض من الدنيا، وألقوا بأنفسهم فى أحضان من يمكرون للوطن ليل نهار من قوى خارجية تتربص بمصر وأهلها شرا، مثل تركيا وقطر والإخوان.

التوقيت السياسى
ومن جانبه، قال مختار غباشى المحلل السياسي، إن مدى استجابة جماعة الإخوان لدعوات المراجعات الفكرية أو التنظيمية مرهون بالتوقيت والظرف السياسى الذى تمر به الجماعة، فضلا عن طبيعة الداعين لهذه المراجعات.
وأضاف، «لا يمكن أن نتجاهل فى هذا الصدد موقف الدولة المناوئ لمسألة مراجعات الإخوان، ذلك أن هناك ومنذ عام ٢٠١٣ حالة اصطفاف لدى أغلب مؤسسات وأجهزة الدولة المصرية خلف قرار إقصاء جماعة الإخوان وغيرها من الجماعات الداعمة لها، انطلاقا من قناعة لدى هذه الأطراف، بأن للإخوان أجندة تتعارض مع المصلحة الوطنية، وهو الموقف الذى يؤثر بلا شك سلبيا على مستوى الاستجابة لدعوات المراجعات».
وتابع: «أما الموقف الشعبى فتنتابه حالة تباين تجاه المسألة، وهو أمر أعتقد أن هناك اتفاق عليه، غير أن الخلاف حول نسبة المؤيدين والمعارضين للفكرة فى حد ذاتها وهى نسبة ليست ثابتة بطبيعة الحال، تختلف وفق تغير الظروف والأحوال الاقتصادية والسياسية، وتعاطى الإعلام مع القضية بما يشبه إلى حد كبير ما حدث مع الإخوان أيام عبدالناصر وما حدث معهم بعد ذلك أيام السادات».

رفض الإخوان
أما أسامة الهتيمي، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، فقد استبعد استجابة جماعة الإخوان لدعوات المراجعات الفكرية أو التنظيمية. وأضاف، أن الجماعة شهدت طيلة تاريخها الممتد لأكثر من ثمانين عاما، مراجعات على المستويين الفكرى والتنظيمي، كان أبرزها موقف بعض أعضائها الرافض مثلا للتنظيم الخاص، بعد وفاة المؤسس حسن البنا وتولى حسن الهضيبى لمنصب مرشد الجماعة، إلا أن هذه المراجعات لم تسفر عن شيء.
وتابع، أنه فى ظل الظرف السياسى الذى تمر به جماعة الإخوان فى الوقت الحالى، وما تبعه من حدوث حالة استقطاب حادة داخل الجماعة، ظهرت أصوات من داخلها تطالب بالمراجعات حتى تتفادى استمرار الخسارة التنظيمية التى تتعرض لها الجماعة بعد أن ثبت فشل سياساتها، إلا أن أصحاب الأصوات التى تسعى إلى «مراجعات أو مصالحات» موضع اتهام وتشكيك من قبل بعض الأطراف داخل الإخوان، التى تتبنى مواقف سياسية حادة، وترى أن الحديث عن المراجعات هو إخلال بالأولويات. وتابع: «فى مثل هذه الأجواء لجماعة الإخوان التى لم تعد تحت مظلة قيادية واحدة وأصبحت مفككة، استبعد أن تقوم بمراجعات مشابهة لتلك التى قامت بها الجماعة الإسلامية فى نهاية التسعينيات من القرن الماضي».

لا مانع
من جانبه، قال الدكتور عبدالحليم منصور، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إنه لا مانع من المراجعات أو المصالحات مع الموجودين داخل السجون الذين ينبذون العنف ويريدون العودة إلى الحياة كأشخاص طبيعيين، ولكن بضوابط من أجل الاستقرار والازدهار.
ويتفق كثيرون، أن ممارسة العنف هو الذى أوجد حالة واسعة من الرفض الشعبى لجماعة الإخوان فكرا وتنظيما، وتسبب فى خروج ملايين حاشدة فى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ للإطاحة بهم من السلطة، وفى حال أرادوا العودة إلى أحضان الوطن، عليهم البعد عن الفكر «القطبى» المتشدد المسيطر على الجماعة، ونبذ العنف والاعتراف بالأخطاء، وقبل ذلك الاعتذار للشعب وضحاياهم عما اقترفوه من أخطاء فادحة.