الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التعليم الفني في مواجهة التوك توك

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يحتل التوكتوك حيزًا كبيرًا من حياتنا، يدخل الشوارع والحواري، القرى والنجوع، المدن الصغيرة والكبيرة. يفتح بيوتًا ويزوج شبابًا، وأرخص من التاكسي. يصل إلى أضيق مكان تريد أن تصل إليه ولا يحتاج إلى جراج ولا يقول لك - لا - أبدًا. هذا الصغير الذى يتدحرج على الطريق يحل مشكلات كبيرة أثناء الدراسة فى توصيل الأطفال إلى المدارس وكبار السن إلى صناديق المعاشات، ويمكن أن ننقل فيه كل شىء وأى شيء بدءًا من الدجاجة التى تنقنق حتى خروف العيد ناهيك عن سماعاته التى تهدر بأغانى المهرجانات التى تهز الهواء وتصل إليك لو كنت مثلى تسكن فى الدور الخامس فى مكان تنفلت فيه. الرقابة إنه الأرنب الذى خرج من قبعة عالم المحركات دون أن يقول له أحد جلا جلا ثم فر هاربًا فى الدول المختلفة ولن يستطيع أحد إيقافه. لن أتحدث عن سلبياته فى مجتمعنا والتى نعرفها جميعا وتعرضها الفضائيات من آن لآخر. لكننى سأتوقف عند تأثيره السلبى على اقتصادنا وعن استخداماته فى دول أخرى ومدن عالمية بطريقة تليق بتحضرها. فباستخدامه أغلقت الكثير من الورش أبوابها. وقلت الأيدى العاملة فى مهن كثيرة كنا نتعامل معها بشكل يومى مثل السباكة وبيع الخضار وأعمال الهدم والبناء والحفر بل وربما الزراعة وأعمالها وما يترتب عليها من تربية طيور وحيوانات. اختفت أيضًا الخياطة والنجارة والتنجيد وصناعة الزجاج وأعمال الطحين والنظافة. تلك النماذج البشرية التى كانت تشكل جزءًا هامًا من مجتمعنا. ماذا حدث لها؟ الشباب منهم بالطبع فضلوا خلع الأفرولات والقمصان التى تلطخها بقع الزيوت والأتربة.وفروا جهدهم الجسدى والشهور المملة اللازمة لتعلم مهنة تدر عليهم أقل مما يدره التوكتوك. ناهيك عن النظرة المجتمعية القاصرة لبعض المهن فلماذا لايهاجرون اجتماعيًا إلى حيث رفاهية البرفانات والأغانى والكسب والراحة، حتى بتنا نستورد الهَوْنَ الذى ندق فيه الثوم ومشبك الغسيل الخشبى الذى نعلق به ملابسنا على حبل غسيل مستورد أيضًا. وملعقة الطبخ وتوكة الشعر وماج القهوة وكوب الشاى وقالب الزبدة والصابونة التى نستحم بها بليفة بلاستيكية ولعبة الطفل الطرية المستوردة المحشوة بالفايبر الصناعى المستورد أيضًا. أما عن الملابس فحدث ولا حرج حتى صارت تكلفة فستان سهرة واحد أو بدلة تخرج أو فستان زفاف تجعلنا نتحدث عشر ساعات تليفونية مثلا للبحث عن أتيليه تفصيل - وأمرنا لله - فيما يخص النتيجة والمشاوير والساعات المهدرة وآلاف الجنيهات، وكأنها عملية عقاب متسلسل حسب مرات التضييق والتوسيع للفستان أو البدلة، ثم البحث عن حذاء يحمل ماركة إيطالية أو إنجليزية لتكتمل الصورة. كيف اختطف التوكتوك منا كل ذلك؟ بل كيف ساعدناه نحن حتى وصلنا إلى هذه الدرجة؟ اختفت أكواب ياسين وصابون نابلسى شاهين والمفروشات المطرزة بالأيدي، التراثية منها كالسيناوى أوالبدوى الخاص بمرسى مطروح أو العالمية كالأوبيسون. أين اختفت صناعة الأحذية والحقائب المصنوعة من الجلد الطبيعى المصري؟ أين اختفت ملابسنا القطنية البيتية التى ارتبطت باسم الترزى أو الخياطة فى كل عائلة؟
من هنا كنت من أشد المعجبين بثورة تطوير التعليم الفنى نعم، أعتبرها ثورة. لأنها ستعيد جزءًا مما فقدناه. احتفى بها منذ أن كانت فكرة وحتى تبلورت ودخلت حيز التنفيذ على يد وزير التربية والتعليم، وظهر ذلك فى اختياره لأول مرة نائبًا له للتعليم الفنى، هو الدكتور محمد مجاهد، الذى حلف اليمين الدستورية أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى. ولم يغفل توقيع بروتوكولات مع القطاع الخاص. واهتم بتطوير المناهج التى تعتمد على الجودة وإنشاء جامعات تكنولوجية تحقق حلم الطلاب فى استكمال تعليمهم بما يضمن تغيير نمط تفكير المجتمع ونظرته إلى التعليم الفني، الذى أعتبره مطلبًا قوميًا وأمنًا وطنيًا يحفظ خصوصيتنا وفق معايير عالمية ويوفر العملة الصعبة التى نهدرها فى استيراد خلة الأسنان وبنسة الشعر. كل ما أتمناه هو النجاح لهذا المشروع ومتابعته بحزم وعزيمة. وكل ما أتمناه للتوكتوك هو تشريع يضمن لراكبه الحق فى معرفة اسم قائده والفئة العمرية التى تقوده أما فيما يخص الأماكن الأثرية التى يمرح فيها نافثا دخانه مثل منطقة الأزهر ومصر الفاطمية كلها فأتمنى أن ننهج نهج مدن عالمية مثل باريس وبرشلونة. فيكون لدينا تشريعات مرورية خاصة به كان يعمل بالطاقة الكهربية مثلا إلى جانب النوع الذى يشبه الدراجة العادية ذات البدال والعجلات الثلاث. حماية للمكان الأثرى من التلوث، واحترامًا للقيمة التاريخية له، لعلنا بذلك نضبط الموازين ونستعيد بريق السنوات التى خفت ضوؤها، وتعود مصرنا الحبيبة إلى كامل تألقها وزهوة حضورها الذى يفخر به كل مصرى وطنى شريف.