الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

باقوري.. حتى النخاع!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حينما يكتب القلم بموضوعية يحسد عليها، ودليله فى هذا الطريق الاستقامة التى لا تقبل القسمة متجردًا من الغرض والهوى فإنه يتحول إلى رمز؛ لأنه يصبح أرضًا خصبة تثرى الفكر وتلهب معاركه وتصنع المبادئ، وهذا الطراز من أصحاب القلم يؤرخون للتاريخ ويؤرخ لهم سيرتهم النضالية العطرة.
من هذا النموذج هذا الطراز النقى الموسوعى الذى ودعناه.. ابن نزلة «باقور» أسيوط المناضل الذى أصبح ملحمة متجددة لعطاء متجدد الصحفى الكبير والرائد النقابى ومؤسس لمدرسة لها تقاليدها مدرسة الاستنارة التى كان يقودها الأستاذ عبدالعال الباقوري، الذى دخل ساحة الكتابة من باب التحدى والاسم المدون فى تاريخ مولده أنه يتحدث بلهجة هادئة لكن لها صدى غير قابل للحصار، كلماته تنطلق فهى تنقش فى حياتنا مفاهيم مثل الصخر فهو صيغة عبقرية منذ الصغر وكلمات واعية مدركة لأبعاد كل موقف.
عبدالعال الباقورى هو أحد ثلاثة رموز عظيمة لنزلة باقور.. أولهم فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقورى العالم المستنير، وهو مجلد ينبض بالحياة فى كل المجالات وما زال علامة مضيئة فى سماء التنوير، وثانى هؤلاء هو الفقية الباحث الدكتور عكاشة الباقورى وهو الشقيق الأصغر لكاتبنا الكبير، وقد مرت أكثر من ٤ سنوات على رحيله حيث شيعت جنازته جماهير فى الإسكندرية وباقور وعدد كبير من الدول العربية التى تخرج فيها الآلاف من تلاميذه، وعكاشة عبدالعال كان نائبًا لرئيس جامعة الإسكندرية ويكاد يكون هو الرجل الذى تخرج فيها وتفوق فى هذه المدرسة ورغم أنه لم يكن عميدًا للكلية لكنه كان الشعلة التى أضاءت حولها هذا المجتمع العلمى وامتدت جهوده خارج الوطن العربى فأسس كلية الشرطة بالبحرين وعمان وأسهم فى برامج الفلسفة ببناء مجتمع الأمن والأمان ويعتبر نفسه التلميذ النجيب فى مدرسة عبدالعال الباقوري، فقد كان مكتبه سواء فى الجامعة أو كلية الحقوق بمثابة قبلة للمفكرين ورجال القانون بل وأقول أننى مازالت أدين بالفضل لأخى عكاشة الذى كان يناديه الأستاذ عبدالعال فقد أوصاه وهو فى أرفع مواقع المسئولية داخل الجامعة أن أرتدى روب المحاماة ووقف يترافع عنى بكل الشجاعة، وإذا غاب عنا أحد الرموز الوطنية عبدالعال الباقورى فقد تميزت بالأستاذ الكبير ودعناه بالأمس القريب عبدالعال الباقورى وحتى الفترة التى داهمه المرض فقد كان الاتصال ممتدًا لفترات حيث يجئ صوته ويتحامل على نفسه لكنه فى ذات الوقت يسعد بمن يسأله، وعندما كنت أشعر بثقل المسألة كنت أطلب إلى الأستاذ السكندرى المحامى جابر العايدى وهو يحرص على إبلاغنا بالاستفسار عن تطورات صحته.
ومن عشرين عامًا تفضل الأستاذ عبدالعال الباقورى بالاتصال بى وأبلغنى بعزمه خوض معركة انتخابات نقابة الصحفيين وفرحت بالخطوة التى تُثرى العمل النقابى، وطلب إلى أن أرافقة للقيام بجولة معتادة فطلبت أنك لست فى حاجة لكى يقدمك الزملاء الصحفيين فإنك سوف تشعر بهذا من خلال جولتك فلا داعى لوسيط وطلبت إليه أن يكون آخر لقاء معى والزملاء إلى لقاء جماعى ثم لقاء منفردًا، وأثناء الجولة قام وقتها بالاتصال مع شقيقه الأكبر يستفسر منه عن برنامجه فى الإسكندرية فكان رده قاطعًا أنا فى شغل وأنت فى شغل وأنا فى لقاء مع شقيقك الكبير (كاتب هذه السطور) مؤكدًا أننى فى مهمة نقابية وفى نهاية الجولة بالمؤسسات جاءت النتيجة مقدمًا جاء الأستاذ الباقورى بموكب حميمى من الأساتذة يستأنفون لقاءاتهم معه حتى على ناصية الأرصفة فخورين به وكلهم أمل أن هذه القيمة للعمل الوطنى ووجدوا أنفسهم أمام هذا الهرم السياسى سائلين من هذا الذى يتحمل مسئولية فى صرح نقابتنا مطالبين أن تلعب نقابة الصحفيين دورًا وأن ترتبط بالشأن العام فإنهم يرون بأن النقابى لابد وأن يعبر عن جوهر ما يجمع لكى تتحول إلى درعا يتولى الدفاع ويزيل الحدود والفواصل وتفصيل التشريعات، فإن فاعلية ضمان نفاذ يتوقف على الانضباط الطوعى من جانب الصحفيين ولا بد من أن المواقف الجماعية من الالتزام بها تجاه أى موقف تجاه الوطن.
خرج الأستاذ الباقورى بأعمق انطباع عن زملائه وعمق درجة الوعى والإلمام بالقضايا القومية العليا وجاء الرجل كما تصور أنه سيقدم أجندة خدمات فوجئ أن عبارتها ذابت وسط زخم الحوارات الجادة فى بناء كيمياء إنسانية لدرجة أنه قال إننى سوف أنقل الانطباع إلى جميع اللقاءات، ودارت على هامش هذا اللقاء عن تجربته السياسية وقطع الحديث الذى استمر ساعتين حتى موعد القطار إلى أكثر من تليفون منهم من نبيل أبوردينة المتحدث الرسمى للسلطة الفلسطينية وقتها والذى أصبح نائبًا لرئيس الوزراء، وأشار إلى الخبطة الصحفية التى حققها لنشره بكل جراءة (ولاد حارتنا) أن الباقورى ألغى فكرة الممنوع والإثم فى التناول فرؤيته صافية نقية فلم تعد القراءة رجس من عمل الشيطان، وأن تداولها جريمة سواء فى آرائها أو حريتها والتمرد على كل تخلف والعناد على الصواب.
هذا هو عبدالعال الباقورى الذى سيؤرخ لتاريخه بجهده ونضاله والحديث عن مواقفه تشع بالفجر الجديد فى سماء العطاء المهنى والسياسي.
وبهذه المناسبة فإن لى عتابًا على الرئيس الفلسطينى لأنه حتى كتابة هذا المقال لم يصدر عن السلطة بيان عن قصة جهاد الباقورى الذى أعطى القضية كل ما تستحق فكان يتنفس نضال الشعب الفلسطينى ربما كان أبومازن شغلته يوم الرحيل التى تزامنت مع زيارته للأردن ولم أسمع أن أبوردينة قام بتقديم واجب العزاء، ولكن يبدو أن القضية حالت دون تذكر هذا البطل سواء فى السلطة وحساباتها السياسية، وبين القطاع الذى يعيد أوراقه حاليًا فى ضوء ما تحتاج طبيعة الحياة الصعبة إلى نوع من (الحنان الاقتصادي) وغيرها من الأطروحات المبرمجة على شكل بنية أساسية، كل هذه الأمور شغلت عن المشاركة فى هذا العزاء ألا يستحق الباقورى أن يطلق اسمه على شارع أو ميدان داخل الضفة. يا ابن باقور.. يا باقوري.. لقد أثبت خلال مسيرتك ورحلة عطائك أنك باقورى حتى النخاع.