الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"شرائع البحر الأبيض المتوسط القديم" يفجر أزمة بين عاصم الدسوقي وفتحي إمبابي

عاصم الدسوقي وفتحي
عاصم الدسوقي وفتحي إمبابي وغلاف الكتاب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثار كتاب "شرائع البحر الأبيض المتوسط القديم" للكاتب فتحي إمبابي، الصادر حديثا عن مؤسسة مجاز الثقافية، جدلا واسعا شهدته الحركة الثقافية مؤخرا، حيث اعترض الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان، على ما ورد بالكتاب، وهو ما يطرح أزمة حول الكتابة التاريخية وتفسير وقائع وأحداث التاريخ لغير المتخصصين، وقد شهدت الحركة الثقافية المصرية العديد من الكتاب غير المتخصصين الذين يكتبون فى التاريخ.
يعتبر كتاب «إمبابي» بحثا فى طبيعة وهوية الجماعة الشعبية المصرية. وعلاقتها التاريخية بمكونها الذاتى الحضارى والثقافى، وبالحضارات التى نشأت حولها، وتفاعلت معها.


وفي هذا السياق تفتح "البوابة نيوز" ملف تلك الاعتراضات التي وجهها الدكتور عاصم الدسوقي للكتاب، ورد المؤلف وتفنيده لتك الردود التي أثارها المؤرخ عاصم الدسوقي. 
قال الدسوقى: إن مؤلف الكتاب رجل مهندس ناقش فى الكتاب موضوعات تاريخية وفلسفية بدون تأهيل منهجي، ويبدو أنه يصدق كل ما يقرأ.
وأضاف الدسوقي، أن المشكلة تكمن فى اعتماد المؤلف على أحداث مغلوطة فيستنتج تفسيرات خاطئة، مثلا يذكر أن محمد سعيد باشا والى مصر أصدر لائحة مشهورة باللائحة السعيدية عام ١٨٥٨م، ويعتبرها أساس الملكية الفردية للأرض الزراعية، وهذا خطأ كبير، فلائحة سعيد باشا التى أصدرها كانت تمنح حق المرأة فى وراثة الانتفاع بالأرض الزراعية، فالفلاح ينتفع بالأرض مقابل تسديد ما عليها من ضرائب للدولة ثم يرثها بعده ابنه وتحرم البنت فى إرث الانتفاع إن لم يكن له ولد، وجاءت وثيقة سعيد باشا لحل تلك المشكلة. 
وتابع: ومن ضمن الأخطاء التى وقع فيها المؤلف اعتماده على ترجمة كلمة الديمقراطية لمعنى «حكم الشعب» وهذا خطأ فاحش يقع فيه الكثير من الذين يكتبون، فهى ترجمة خطأ، وسببها أن الإنجليز ترجموا الـ «ديمو إلى الشعب»، وهى فى الحقيقة حكم أصحاب المصلحة أو المواطن المالك، ففى بلاد اليونان القديم، من حق هذا المواطن الذكر الذى يملك أرضا أو عقارا أو حيوانات أو عبيدا، دخول البرلمان أو الإكليزيا، وليس للمرأة حق، وهى نظرة دونية للمرأة. واستطراد: أن استخدام كلمة «الأبيض» فى عنوان الكتاب استخدام خاطئ أيضا، واستخدام كلمة «القديم» لأن معناها أن يقف المؤلف عند الحضارة اليونانية والرومانية، فالحضارات القديمة تقسيمها معروف، وهى الفرعونية فى مصر، والآشورية البابلية الآكادية والسومارية فى العراق والشام، وبعدها اليونان والرومان وهنا يقف التاريخ القديم، والوسيط يشمل المسيحية والإسلام، أما الحديث فهو يبدأ من القرن الـ١٦ الميلادي، ونحن نجد المؤلف يكتب القديم فى العنوان، ويتناول الموضوعات من القديم والوسيط والحديث حتى اليوم.
وطالب الدسوقى أن يبتعد هؤلاء الذين لم يدرسوا التاريخ عند التأليف والكتابة فيه قائلا: إنهم يقعون فى أخطاء، كل علم له منهج وطريقة بحث وتحليل ولابد لمن يتصدى لموضوعات التاريخ أن يكون درسها وعرفها، وإلا فما فائدة التخصصات والدراسة فى الجامعات، وبعد دراسته للمناهج عليه أن يتسلح بنظرية فى التفسير مادية مثلا أو مثالية وليست شخصنة، مؤكدا أن مهمة باحث التاريخ أن يعيد بناء تصور الحدث التاريخى فى إطار ظروفه الموضوعية، مشيرا إلى أن هناك مثلا من كتبوا فى التاريخ مثل صلاح عيسى وهو خريج كلية الخدمة الاجتماعية، وكانت لديه ميول ناحية اليسار، فراح يهاجم من لا يتماشى مع أيديولوجيته.

ومن جانبه قال الكاتب والمهندس فتحي إمبابي تعليقا منه على تلك الاعتراضات: إنه منذ اللحظة التي يقدم فيها الكاتب عمله للقراء، فعليه أن يتحمل النقد والجدل، والنقد الموضوعي وسيلة للتعريف بالعمل، وهو أيضا وسيلة للفهم وللتعرف على جوهر العمل متضمنا إيجابياته وسلبياته، والأساليب الغوغائية في النقد إما تهدف لشغل الرأي العام عن مصالحه الحقيقة، أو تعبر عن موقف ذاتي يتجاوز ما هو موضوعي.

وأضاف: كنت أشرت على الصديق الناشر أحمد عز العرب بدعوة الدكتور عاصم الدسوقي لمناقشة الكتاب أثناء حفل التوقيع، والدكتور عاصم ليس بصديق ولا تجمعنا علاقة ما، وهو ما يعني أن رغبة المؤلف في البحث عن النقد أهم لديه من البحث عمن يساند أو يمتدح، على أي الأحوال، تناول الدكتور الكتاب بالذم والتقليل من قيمته، واستنكر على المهندسين "والكتاب منهم كتابة التاريخ".

وعن الاعتراضات التي تحدث عنها الدكتور عاصم الدسوقي والتي حددها إمبابي قائلا: وفي هذا الصدد أشار إلى عدد من القضايا، وأوضح تدليلا على رأيه بعدد من الأخطاء وقع فيها الكاتب، وسوف تتناولها من ناحيتنا بإيجاز، ومن خلال جزئين.

الجزء الأول: ويختص بالقضايا وهي:

- القضية الأولي من المنوط به كتابة التاريخ؟

- القضية الثانية: عدم التزام المؤلف بالمنهج التاريخي.

- القضية الثالثة: أن المؤلف يصدق كل ما يقرأه.

الجزء الثاني: متعلق بالأخطاء وهي: اللائحة السعيدية، وبعض المصطلحات.

وعن المنوط به كتابة التاريخ يوضح إمبابي أن مبدأ حرية الفكر والتعبير يعتبر على رأس الحقوق التي تؤكدها الدساتير وحقوق الإنسان، ويلزم مطلب الحرية احترام القانون، وليس هناك قانون يجعل من سلطة ما معرفية؛ شخص أو مؤسسة قيما على كتابة التاريخ. أو حماية العلوم والمواطن من الخارجين عن العرف أو السائد والتقليدي، ومن المعادين للفكر المحافظ والتعصبات الفكرية والعرقية والطائفية المضمرة التي عادة لا يكون معلن عنها.

مشيرا إلى أن كتاب شرائع البحر الأبيض المتوسط ليس متعلقا بكتابة التأريخ، بأي صورة، لكنه يتناول عدد من القضايا على رأسها قضية الهوية: وهو أمر فرضته للمرة الأولى الهزيمة الموجعةً في يونيو 67، ثم ما جاءت به التسعينيات من القرن الماضي من ترويج لقضية العولمة والتي تكرس لسيادة الثقافة الأمريكية، والهوية بحث جديد ونوع من الدراسات لا تزال بعيدة عن أن تكون علما معرفيا ممنهجا، ولا يوجد لدي الجامعات المصرية أقسام خاصة به، ويتم تناوله في حدود ضيقة من محاولات فردية في الإطار الأكاديمي والثقافي العام.

وعن أهداف كتاب شرائع المتوسط بين إمبابي أنه بحث في ثقافات وحضارات المتوسط، وعمليات التثاقف فيما بينها. أيضا بحث في طابع وتأسيس العبودية المصرية من خلال دراسة الدستور الذي وضعه الرومان والذي أسس لوضع من العبودية الاجتماعية والثقافية والسياسية، جعل جماعة الفلاحين المصريين تحت سطوة الغزاة والفاتحين، وكبح على مر القرون تشكيل قوى اجتماعية وطنية، بحث في الدور البطولي للشعب المصري ممثلا في الكنيسة القبطية في مواجهة روما، وتمكنه من استعادة استلابه الروحي تحت الحكم الروماني الوثني باعتناق المسيحية.وبحث في المساهمة في تأهيل الوعي العام للانتقال من ثقافة الاستبداد إلى ثقافة الجمهورية البرلمانية الأقرب إلى سلطة الشعب وتفادي الوقوع في النتائج الوخيمة للحكم الفردي.

بينما تحدث عن قضية عدم التزام المؤلف بالمنهج التاريخي فقال إنه يتناول الكتاب موضوعاته المتمثلة في تناول الهويات وسمات الجماعات الإنسانية وأشكال التماثلات والتباينات، ومدى التأثيرات الناجمة عن ذلك من خلال البحث عن رؤية كلية موسوعية متمثلة في استخدام عدد من العلوم الإنسانية ومنها: علوم المصريات، الميثولوجيا، الشرائع والقوانين، الفلسفة، الأخلاق، التصورات والعقائد الدينية اليهودية والمسيحية، العلوم السياسية، وهو ما يقع في مجمله تحت علم الأناسة، والذي من ضمن عمله: فهم تأثير القوى الطبيعية "المناخ والطبيعة الجغرافية إلخ"، وكذلك النتاجات والإنجازات الفكرية المختلفة على تشكيل الثقافة الإنسانية في الماضي. وهو ما يسمى الأركيولوجيا، وأيضا، دراسة نتاجات الثقافة والحضارية غير المادية للجماعات وشعوب البحر المتوسط. المتعلقة بالأساطير والفلسفة والمعتقدات الدينية، والقانون، والشرائع ما يطلق عليه علم الإنسان الثقافي (Cultural Anthropology). والتثاقف: دراسة تغيير السمات الثقافية للجماعات البشرية عند الاتصال بجماعات أخرى، وإشكاليات التأثير المتبادل بين الجماعات المختلفة. وبهذا يكون ما يخص الجانب التاريخي لا يتجاوز القدر اليسير

وأوضح أن تطبيق مناهج التاريخ على موضوع الكتاب هو اعتداء من الجزء الأقل حضورا على الكل المختلف من حيث المحتوى والجوهر والمغزى، وهو ما يتعارض مع أصول المنطق. وسيكون من سوء الفهم قراءة موضوعات الكتاب من خلال منظور جزئي "مشكوك في سيطرة الأهواء والأخطاء والأيديولوجيات التي نبعت منه، وهو الحقل المدجج بالتحيزات الأيديولوجية والعرقية الطائفية المضمنة". 

وتابع: على العكس ينبغي قراءة الكتاب من داخله، وفِي هذه الحالة سوَف يتبين أن عدد من الفصول في حاجة للكثير من إلقاء الضوء والبحث، وهي مهمة في حاجة لأن تستكمل، قد يقوم بها المؤلف، أو مثقفون أخرون مقتنعون بأهمية الكتاب وفحواه، والتعامل معه بوصفه عمدة في مجاله الذي طُرق حديثا، وفي المقابل فمن المتوقع أن يلقي الكتاب قدرا من العداء من قبل البعض غير المؤهلين لتناوله، بسبب التعصب أو الانغلاق أو ارتباطهم بالفكر المحافظ والعداء لكل ما هو متعلق بالإبداع والتجديد.


بينما رد إمبابي على قضية "أن المؤلف يصدق كل ما يقرأه" قائلا: إنه خوض فيً السرائر، وعلى أي الأحوال فأن كتاب الشرائع يضم عدد ٣٠٠ صفحة. (١٩٦) حاشية تستند على ما يقارب الأربعين مرجع كتبه عدد من كبار العلماء والمؤرخين فضلا عن الاستناد على الآيات الخاصة بكل من العهدين القديم والجديد، وإزاء هذا الوضع فقد أصبح الأمر لا يتعلق بما يصدقه المؤلف أو ينكره، ولكن بمصداقية المراجع وضعف وقوة المصادر التي استند إليها الكتاب، ولا شيء خارج هذا الإطار.

وتناول "إمبابي" الجزء الثاني من اعتراضات الدسوقي، وهو ما يتعلق بأخطاء متعلقة باللائحة السعيدية. وبعض المصطلحات، أولا: اللائحة السعيدية ففي منتصف القرن التاسع عشر وفي مواجهة دولة الخلافة العثمانية وبدايات التطلع إلى الدولة الوطنية المعاصرة، وبزوغ حلم الاستقلال، توجه عدد من أبناء محمد على وإبراهيم باشا إلى الفلاحين بوصفهم القوة الاجتماعية الحقيقية لمفهوم الوطن في مواجهة الجماعات العرقية المرتبطة بالخلافة العثمانية مثل الأتراك والشركس والألبان وغيرهم.

وتابع: وقد حل مفهوم (حيازة الأراضي) محل مفهوم (حق الانتفاع)، وهو يضارع مفهوم الملكية الخاصة، ويؤسس لها، ووثيقة حيازة الأرض الزراعية تستخدم حتى اللحظة الراهنة في الريف المصري بوصفها تعبيرا عن حق الملكية الخاصة.

واستطرد: تكاد تجمع الكتب التي تناولت تطور ملكية الأراضي الزراعية في مصر على الأهمية القاطعة والحاسمة للائحة السعيدية في تأسيس حقوق الملكية الخاصة للعمد والمشايخ وضباط الجيش من أبناء الفلاحين. وكمثال على ذلك، يمكن الرجوع إلى كتاب (فلاحو الباشا) تأليف "كينيث كونو"، ترجمة سحر توفيق، مراجعة عاصم الدسوقي، الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة 2000، صفحة (248)، والذي جاء فيه: "وبدلا من توسيع حقوق حيازة الفلاح للأرض فإن قوانين (1847-1858) (المقصود بها اللائحة السعيدية) ساهمت في ظهور الملكية الخاصة للأرض أساسا بجعل حيازات الأفراد للأراضي الأميرية أو الخراجية أكثر أمانا، فمنذ ذلك الحين كان يفترض تسجيل الأرض لدى الحكومة المركزية، فتعتبر في حالة حماية من مطالبات الحائزين السابقين أو ورثتهم"، ومن جه أخري جاء تعريف ومعنى (حيازة) في قاموس المعجم الوسيط، اللغة العربية المعاصر

- حاز الشَّيءَ / حاز على الشَّيء: ضمّه وملكَه

- حيازة: امتلاك، وتعني بالإنجليزية taking possession

وجاء في المعجم: قاموس المعجم الوسيط، اللغة العربية المعاصر / المعجم: الرائد

حاز: حاز - يحوز، حوزا وحيازة - حاز الشيء: ملكه وضمه إلى نفسه

وهو ما يختلف عن حق الانتفاع الذي فرضه أباطرة الرومان والخلفاء والسلاطين على (الفلاحين المصريون)، وكان يتم إعادة توزيع الأرض بصفة دورية عن طريق عرضها في مزادات عامة على الملتزمين.

ثم ناقش إمبابي تعريف ومعنى حق الانتفاع في قاموس المعجم الوسيط، اللغة العربية المعاصر، فقال حقّ انتفاع غير مقيّد: حقّ غير مقيّد في استعمال أو حيازة ممتلكات أو الانتفاع بها أو بدخلها مدى العمر أو لفترة محدّدة من الزمن، وتعني بالإنجليزية: present interest.

وتابع: خلاصة القول إن ما أقرته اللائحة السعيدة (1858) بخصوص حيازة وملكية الأطيان الزراعية يقطع دابر الصلة بين الصورة السابقة للتعامل على الأطيان الزراعية في مصر تحت سيطرة قياصرة روما وأباطرة الروم وخلفاء وسلاطين الدولة الإسلامية، وبين حق الحيازة الذي جاء في اللائحة السعيدية، والتي أسست حق الملكية الخاصة، للفلاحين المصريين، وعلى رأسهم العمد والمشايخ ورجال الجيش من أبناء الفلاحين، كي يتحولوا إلى القوى الاجتماعية المصرية التي أسست مفهوم الوطنية ومن ثم الدولة الوطنية المصرية الحديثة، والذي تبلور خلال عشرين عاما في تأسيس مجلس نيابي ودستور 1881


وكانت مصطلحات مثل الديمقراطية والبحر الأبيض المتوسط والتاريخ القديم من جملة الاعتراضات التي وجهها الدسوقي للكتاب، وحول تلك المصطلحات قال "إمبابي": الديمقراطية هي (حكم الشعب): جاءت عبارة الديمقراطية هي (حكم الشعب) في سياق نقدي، كما يوضحه السياق المصاحب لها، والتي كانت كالتالي: الديمقراطية هي (حكم الشعب): هذه عبارة أو مصطلح لا يتوقف عند حدود اللغة الزائفة التي استخدمها الطغاة في العصر الحديث، ولكنها أمر متعلق بالثقافة العامة لدى الجماعة ولدي النخب، والذي يبدأ من حدود إيمانها عن يقين مستقر على مستويي الوعي والوجدان بحرية الفرد وكرامته. أما تناول المصطلح بصورة (سكونية) والتوقف عند المفهوم اليوناني، فهذا شأن يخص صاحب الرأي، أما فيما يخص مصطلح (الشعب صاحب السيادة)، فيمكن لمن يرغب أو يشاء مراجعة ما جاء بالخصوص في كتاب "جوهر الدساتير " للمؤلف.

وحول مصطلح "البحر الأبيض المتوسط" أم "البحر المتوسط" أكد إمبابي: أن البحر الأبيض المتوسط هو اسم المسرح الجغرافي للكتاب لدي الوعي العام الحاضر، وهذا كتاب مقدم لجمهرة واسعة من القراء بدأ من طلبة الثانوي والجامعات، وليس مقتصرا على الباحثين والأكاديميين، وإضافة الأبيض هي بغرض المساهمة في سهولة وسيولة التعرف على موضوع.

وعن مصطلح "العصر القديم" أم "العصر الوسيط والحديث" أوضح أنه يتناول الكتاب أنماط متعلقة بصورة رئيسية المنتجات غير المادية للثقافات والحضارات حول المتوسط، المتعلقة بالأساطير والفلسفة والمعتقدات الدينية، والقانون، والشرائع، في بواكيرها الأولى، ومن ثم تعد هذه المنتجات الأقدم في تاريخ تلك الحضارات والثقافات للجماعات الواقعة حول البحر المتوسط.

وتساءل "إمبابي": ما قيمة المصطلحات إذا لم تكن مأخوذة من موضوع البحث؟ إن احترام الفكر الذي أنتجته أوروبا أمرا متفق عليه، ولكن ليس لحد القداسة، بل أن تقديم أسس منهجية وتقسيمات زمنية جديدة منطقية وموضوعية (قد تكون وأكرر قد تكون) مطلبا عندما يتبناه المجددون والمبدعون علميا، والمهتمون بالخوص في الأزمة العامة للشخصية المصرية. ومن جهة أخرى ينتهي الكتاب بصورة فعلية مع مجمع نيقية 325 م الأول أو المجمع المسكوني الأول، ولهذا يعد اعتبار الإشارات التي ذكرت في (الخاتمة) بخصوص دخول العرب مصر واستقبال المصرين لعمرو ابن العاص في القرن السابع الميلادي، أو ما جاء ذكره عن اللائحة السعيدية في القرن التاسع عشر، هو تناول لعصور مغايرة، أمر به نوعا من التزيَّدَ والانغلاق، ورغبة في خلق التباسات مشوهه لكتاب هو الأول من نوعه ما يجعله شديد الأهمية.

مطالبا الجامعات المصرية بوضع أركيولوجيا الثقافة مبحثا رئيسا لدراستهم في محاولة لفهم الشخصية المصرية العريقة، وتحريرها من الثقل الذي يقع في اللاوعي الجمعي والذي يكبح إمكانيات تطورها إلى الأمام.

وحدثنا "إمبابي" حول القضايا التي عالجها وتوصل إليها كتابه محددا إياها في نقاط: أولها، "في مطلع القرن الأول الميلادي وصع الإمبراطور أوكتافيوس مصر إيال (ملكية) خاصة في جيبه وسن القانون أو الدستور الذي نزع عن الفلاحين المصرين حق ملكية الأراضي والانخراط في الجيش، فأدخلهما في نطاق من العبودية، وبعد حوالي 19 قرنا أعاد الوالي محمد سعيد باشا حق الملكية والترقي لرتب الضباط في الجيش لأبناء الفلاحين، فكان هذا أساسا لتشكيل القوى الاجتماعية الوطنية والخروج من دائرة العبودية إلى عالم الحرية". وثانيها: هناك جدل بين المفاهيم المثالية والمادية، فبينما سحقت الإمبراطورية الرومانية المؤسسة على المفهوم المادي وقانونها المدني وديمقراطية التمييز العرقي شعوب المتوسط، فقد قدمت المسيحية في مطلع رسالتها طوق نجاة روحي، واستعادة الذات الإنسانية لشعوب المنطقة. وثالثها: يقدم الكتاب تصور مادي تاريخي لنشأة المسيحية، والدور العظيم الذي قدمه السيد المسيح لشعوب المتوسط، إزاء الإمبراطورية الرومانية صاحبة أكبر منتج للعبيد وسحق الذات الإنسانية. ورابعها: يشير الكتاب إلى الدور البطولي للشعب المصري بقيادة الكنيسة المصرية القبطية في مواجهة روما وعسفها. وخامسها: هناك نمطا من العبودية أسماه المؤلف "عبودية الأمم" مرافق للنمط التقليدي وهو الرّق. وسادسها: بعد مائة وخمسون عاما من صدور اللائحة السعيدية، وانخراط المجتمع المصري في عدد من التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، طرح الشعب المصري بإجماعه لأول مرة مطلب الحرية الفردية والكرامة الإنسانية في ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ المجيدة. ليضع فاصلا بين صورة القطيع الواقع في سياق الحكم الفردي إلى بروز الذات الفردية للمواطن والذي هو أحد أهم أسس الدولة الحديثة، الباحثً عن القانون والدستور والحكم النيابي البرلماني.

واختتم "إمبابي" تفنيده لتلك الاعتراضات التي أثيرت حول كتابه بأن القضايا التي ذكرت قبلا وضمنها الكتاب ينطبق عليها علم المنطق، بوصفها تحتمل الصدق او الكذب، ولا تصير يقينا إلا من بعد دراستها ونقدها واستقرارها في العقل والوجدان الجمعي للمصريين، أحد أعظم شعوب الأرض قاطبة.