الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

سمير أمين.. نقد الإسلام السياسي والرأسمالية المتوحشة

المفكر والكاتب الكبير
المفكر والكاتب الكبير الدكتور سمير أمين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد - حسام الحداد - ياسر الغبيري - محمود عبدالله تهامي - بهاء الميري - ريم مختار
تلقى المفكرون المصريون، خبرَ وفاة المفكر المصري سمير أمين، كالصاعقة التي هزت أرجاء البنيان الثقافي والفكري، فلم يكن "أمين" مفكرًا عاديًا، فهو المهموم دومًا بنقد الأطروحات الرأسمالية، وتفكيك تلك النظريات المستغلة للمواطنين، وفي هذه الإطلالة سوف نعرض لبعض آرائه وأطروحاته حول الإسلام السياسي، حيث يؤكد في الكثير من مقالاته أن: "ظهور الحركات التي تنتسب للإسلام، هو في واقع الأمر للتعبير عن التمرد العنيف ضد النتائج السلبية للرأسمالية القائمة فعلًا، وضد الحداثة غير المكتملة والمشوهة والمضللة التي تصاحبها، إنه تمرد مشروع تمامًا ضد نظام لا يقدم للشعوب المعنية أية مصلحة على الإطلاق.


نقد الإسلام السياسي
والخطاب الإسلامي الذي يُقَدَم كبديل للحداثة الرأسمالية- والتي تُضم إليها تجارب الحداثة الاشتراكية التاريخية أيضًا-، ذو طابع سياسي وليس ديني، أما وصفه بالأصولية كما يحدث غالبًا، فلا ينطبق عليه بأي شكل، وهو، على أية حال، لا يُستخدم إلا على لسان بعض المثقفين الإسلاميين المعاصرين، الذين يوجهون خطابهم إلى الغرب، بأكثر مما يوجهونه إلى قومهم".
ويقول "أمين"، في مقالة له نشرت في عام 2006، على موقع "الحوار المتمدن"، إن المبشرين بـ"النهضة الإسلامية" لا يهتمون بأمور اللاهوت، وكل ما يبدون اهتمامهم به من الإسلام هو الشكل الاجتماعي والتقليدي للدين، الذي لا يخرج عن الممارسات الدقيقة والشكلية للشعائر، والإسلام كما يتحدثون عنه يعبر عن "جماعة" ينتمي إليها الإنسان بالإرث كما لو كانت جماعة "عرقية"، وليس اعتقادا شخصيًا يختاره المرء أو لا يختاره، يؤمن به أو لا يؤمن، فالأمر لا يتجاوز تأكيد "هوية جماعية"، ولهذا السبب ينطبق تعبير الإسلام السياسي على هذه الحركات تمامًا".
والإسلام السياسي حسب رؤية سمير أمين يرفض فكرة الحداثة المحرّرة، ويرفض مبدأ الديمقراطية ذاته -أي حق المجتمع في بناء مستقبله عن طريق حريته في سن التشريعات، أما مبدأ الشورى الذي يدعي الإسلام السياسي أنه الشكل الإسلامي للديمقراطية، فهو ليس كذلك، لأنه مقيد بتحريم الإبداع، حيث لا يقبل إلا بتفسير التقاليد "الاجتهاد"، فالشورى لا تتجاوز أيًا من أشكال الاستشارة التي وجدت في مجتمعات ما قبل الحداثة، أي ما قبل الديمقراطية، ولا شك أن التفسير قد حقق في بعض الحالات تغييرًا حقيقيًا عندما كانت هناك ضرورات جديدة، ولكنه حسب تعريفه ذاته -رفض الانفصال عن الماضي- يضع الصراع الحديث من أجل التغيير الاجتماعي والديمقراطية في مأزق.
الإسلام السياسي والرأسمالية المتوحشة
يربط "أمين" بين حركات الإسلام السياسي والرأسمالية المتوحشة، فيؤكد مرارًا أنه: "لا يتعارض خطاب رأس المال الليبرالي للعولمة مع خطاب الإسلام السياسي، بل هما في الواقع يكمل أحدهما الآخر تمامًاـ. فالأيديولوجية "الجماعية" على الطريقة الأمريكية، التي يجري الترويج لها حاليًا، تعمل على إخفاء الوعي والصراع الاجتماعي لتحل محلهما "توافقات" جماعية مزعومة تتجاهل هذا الصراع واستراتيجية سيطرة رأس المال تستخدم هذه الأيديولوجية لأنها تنقل الصراع من مجال التناقضات الاجتماعية الحقيقية الى العالم الخيالي، الذي يوصف بأنه ثقافي مطلق عابر للتاريخ والإسلام السياسي هو بالدقة ظاهرة "مائعة". 
ودبلوماسية القوى السبع العظمى، وخاصة الدبلوماسية الأمريكية، تعرف جيدًا ماذا تفعل عندما تؤيد الإسلام السياسي، فقد فعلت ذلك في أفغانستان، وأطلقت على الإسلاميين هناك اسم "المحاربين من أجل الحرية"! ضد الديكتاتورية الشيوعية الفظيعة، مع أن النظام الذي كان قائمًا هناك، كان محاولة لإقامة نظام استبدادي مستنير حداثي وطني شعبي، وكانت لديه الجرأة لفتح أبواب المدارس للبنات، وهي مستمرة في هذا التأييد من مصر الى العراق، لأنها تعلم أن الإسلام السياسي سيحقق -لها- إضعاف مقاومة الشعوب المعنية، وبالتالي تحويلها الى الكومبرادورية.
ونظام الحكم الأمريكي، بما عرف عنه من استغلال لأخطاء الآخرين، يعرف كيف يستخلص فائدة أخرى من الإسلام السياسي، فهو يستغل "تخبطات" الأنظمة التي تستلهمه -مثل نظام طالبان- "وهي في حقيقة الأمر ليست تخبطات وإنما هي جزء لا يتجزأ من مشروعها"، كلما فكرت الإمبريالية في التدخل، بفظاظة إن لزم الأمر. 
وحسب سمير أمين، يقف الإسلام السياسي في خندق الرأسمالية والإمبريالية المهيمنة، ويدافع عن مبدأ الطبيعة المقدسة للملكية، ويجيز عدم المساواة وكل متطلبات إعادة الإنتاج الرأسمالي، ودعم الإخوان في البرلمان المصري للقوانين الرجعية الحديثة التي تعزز حقوق ملكية المالكين على حساب حقوق المزارعين المستأجرين "ويؤلفون أغلبية الفلاحين الصغار" ليس سوى مثال بين فئات أخرى، ولا يوجد مثال ولو قانونًا رجعيًا واحدًا، مقرًا في أي بلد إسلامي عارضته الحركات الإسلامية، زيادة على ذلك، مثل تلك القوانين تقر وتنشر بموافقة قادة النظام الإمبريالي، وهنا نفهم أن الإسلام السياسي ليس ضد الإمبريالية، حتى ولو ظن المناضلين عكس ذلك! إنه حليف ثمين للإمبريالية والرأسمالية المتوحشة.
وبهذا يكون الإسلام السياسي ليس فقط رجعيًا في بعض المسائل "ولا سيما فيما يتعلق بوضع المرأة"، لكن ربما هو مسئول عن التعصب المتطرف الموجه ضد المواطنين غير المسلمين "مثل الأقباط في مصر"، إنه رجعي بأساسه، ومن الواضح بالتالي أنه لا يستطيع المساهمة في التقدم في تحرير الشعب.



مثقفون: رحيله خسارة كبرى للعالم العربي
وقالت الدكتورة كريمة الحفناوي، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن سمير أمين أحد المفكرين العالميين، الذين يجيدون تحليل الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي العالمي، وليس مجرد مفكر مصري.
وأضافت "كريمة الحفناوي"، أن سمير أمين شرح لنا كل التكتلات في العالم سياسيا واقتصاديا، وأعطى فكره على مستوى العالم، بين ما يسمى بالمركز والأطراف، بمعنى المركز الذي يغتني ويثرى على حساب الدول الأخرى.
وتابعت: "وضع لنا سمير أمين نظريات حول ما يحدث في العالم، مثل صعود دولة الصين، وتحليل للمجموعات من البرازيل وروسيا والهند وجنوب إفريقيا، وهذه المجموعات موجودة على المستوى الاقتصادي، ومؤثرة بشكل كبير على مستوى العالم"، موضحة أن "سمير أمين" يعد مفكرًا عميقًا على مستوى العالم، فقد تخطى حدود مصر بفكره، ولا يمكن أن تعبر الجمل عن قيمته، فهو رجل نبيل، عاش حياته للآخرين بفكرته، فكان في محراب العلم ليفيد الآخرين، وكل ما تركه سيؤثر ويفيد كل الباحثين من بعده".
ويرى الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربي الحديث، بكلية الآداب جامعة القاهرة، أن سمير أمين قامة فكرية اقتصادية، مصرية وعالمية في الوقت نفسه، ورحيله خسارة فادحة، مهما كانت متوقعة بسبب السن والمرض؛ مشيرًا إلى أن إسهامات سمير أمين واضحة وكبيرة، على مستوى تحليل الأوضاع الكبرى الاقتصادية في العصر الراهن، وما طرأ عليها من تغيرات أبعدتها عن التصورات النظرية التقليدية القديمة. 
وأضاف "حمودة"، أن "سمير أمين تبنى أفكارًا بعينها، ودفاعه عنها في مناسبات عدة، لم يبعده عن أن يكون نزيها وموضوعيا ومحايدا في تحليلاته وأفكاره واجتهاداته كلها، فكان شاهدا أمينا على تغيرات كبرى خلال العقود الماضية، ومحللا دقيقا لها، ومستكشفا لملامحها الجديدة الراهنة والمقبلة".
وتابع: "سمير أمين يلتقي، في جانب ما، مع قامات كبيرة مثل إدوارد سعيد وإيهاب حسن وأحمد زويل، أولئك المواطنين العرب الذين استطاعوا أن يكونوا جزءا مهما من مسيرة الحضارة بوجه عام".
ويكشف الشاعر زين العابدين فؤاد، عن حزنه الشديد على رحيل سمير أمين، لأنه "خسارة كبرى للعالم العربي بأكمله، على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فهو أحد المفكرين المبدعين على مستوى العالم كله".



"داعش" صنيعة أمريكا وفرنسا وبريطانيا
حَمَّلَ المفكرُ والكاتب الكبير الدكتور سمير أمين، الولايات المتحدة الأمريكية، مسئولية توسع تنظيم داعش الإرهابي، والذي يرى أنه صناعة تمت بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا، فهم من دمروا العراق، وتقسيمه إلى أربع دويلات، حسب وصفه في أحد اللقاءات التليفزيونية؛ موضحًا أن أمريكا بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا، هم من أسسوا للتعصب بين السنة والشيعة.
وعن "العولمة"؛ اعتبر "أمين"، أنها ظاهرة ليست بالجديدة، ولكنها مرت بمراحل مختلفة ومتتالية عبر التاريخ، وهو تاريخ ليس ببعيد، وإنما تاريخ حديث، وتحديدًا ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث عبّر عن رفضه لما هو شائع عن ثنائية قطبية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، في مرحلة الحرب الباردة، قائلًا: "أنا أعتقد أن هذا الكلام غير صحيح".
وقال: "السمات الرئيسية للعولمة، انطلاقًا من ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى 1980، كانت عولمة متعددة القطبية، وليست ثنائية كما يُروّج البعض، وكان هناك مساحة واسعة لتحرك جميع الشعوب، صحيح أنه كان هناك ثنائية عسكرية، ولكن كان هناك تعددية سياسية، وبالتالي تعددية اجتماعية، واقتصادية، بل وثقافية أيضًا".
وأضاف "أمين"، أن "القوى العاملة في تلك المرحلة كانت أربعة؛ كتلة الدول الإمبريالية التاريخية، وهو ما أطلق عليه الاستعمار الجماعي، وله ثلاثية مكونة من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن بعدها أوروبا واليابان، والكتلة الثانية متمثلة في الاتحاد السوفييتي، الكتلة الثالثة متمثلة في الصين التي كانت تتمتع بسياسة مستقلة إلى حد كبير انطلاقًا من الخمسينيات".
أما الكتلة الرابعة – بحسب "أمين"، فهي "كتلة دول عدم الانحياز، وهي معظم دول آسيا وأفريقيا التي دخلت بعد مؤتمر باندونج في حركة عدم الانحياز، والتي كانت تمثل عنصر فعال بحيث فرضت على الاستعمار أن يتكيف ويقبل بالأمر الواقع، بمعنى أن هذه المرحلة كانت عكس ما حدث بعد 1980، وهو التكيف الهيكلي منّا نحن لنلائم الشعوب المفروضة علينا من القوى الاستعمارية المهيمنة".
الرأسمالية الشائخة تقود إلى حمامات دم كبرى
ويرى المفكر الاقتصادي الكبير الدكتور سمير أمين، أن الرأسمالية الشائخة تقود إلى عصر جديد من حمامات الدم الكبرى؛ مبرهنًا على ذلك بقوله: "لم يعد يوجد مقاولون مبدعون، بل "سماسرة، متآمرون"، فالحضارة البورجوازية، مع نظام قيمها الذي يمدح طبيعيا المبادرة الفردية، ثم الحقوق والحريات الليبرالية، بل وحتى التضامن على المستوى الوطني، ترك المكان إلى نظام دون قيم أخلاقية.
ويضيف "أمين": "انظروا إلى رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية المجرمين، ثم الدمى والتكنوقراطيين المشرفين على الحكومات الأوروبية، وكذا مستبدي الجنوب، الظلامية "طالبان، طوائف مسيحية وبوذية"، بوسعنا إذن وصف الرأسمالية اليوم بالشيخوخة، والتي يمكنها تدشين حقبة جديدة من الجرائم في ظل حقبة كهذه، تؤدي احتجاجات الحركات المجتمعية إلى تغيرات سياسية صوب الأفضل أو الأسوأ، فاشيين أو تقدميين".
ويتابع: "العولمة مثلت الأزمة الكبرى الأولى في التسريع بالاستعمار، الذي يعتبر صيغة أكثر فظاظة للعولمة، إضافة إلى مخططات التقويم الهيكلي لصندوق النقد الدولي، والتي يمكننا وصفها باستعمار جديد، نظرًا لتقديمه التمويل باعتباره ظاهرة جديدة".
ويرى "أمين"، أن الفكر الاقتصادي الكلاسيكي الجديد لعنة على العالم، حيث يقول: "حان الوقت كي يتحلى اليسار بالجرأة! عليه أن يشكل جبهة ضد الاحتكارات، أن تكون ماركسيا يقتضي بالضرورة أن تكون شيوعيا، لأن ماركس لا يفصل أبدا النظرية عن الممارسة، والانخراط في النضال من أجل تحرير العمال والشعوب.
وفي العديد من اللقاءات عزى "أمين"، أزمة القروض العالية المخاطر، في 2007 إلى هيمنة واحتكارات الأقلية أو الاحتكارات المطلقة، التي وضعت الاقتصاد في أزمة تراكم، حيث قلة الاستهلاك ثم أزمة الربحية؛ مشيرًا إلى أن القطاعات الاحتكارية المهيمنة وحدها أمكنها تعزيز مستوى ربحها المرتفع، لكن مع تقويض لربح وكذا مردودية استثمارات منتجة، واستثمارات على مستوى الاقتصاد الواقعي.
وأوضح، أن الأوربيون صدَّروا للعالم أن الولايات المتحدة الأمريكية هي مصدر أزمة القروض الشهيرة في 2007، معتبرًا أن الأزمات ملازمة للرأسمالية، تنتجها بطريقة متواترة، وبكيفية أكثر عُمقًا خلال كل مرة، ولا ينبغي الوقوف عند كل أزمة على نحو منفرد، بل وفق رؤية كلية، وإذا نظرنا للأزمة المالية فقط فلن نضع أيادينا سوى على أسباب محض مالية، مثل اختلال الأسواق.
وأشار "أمين"، إلى أنه منذ بداية القرن العشرين، كانت هناك قطاعات مهيمنة في الميدان المالي وكذا الصناعي؛ مثل صناعة الحديد، الكيمياء، السيارات، ولكن هذه الاحتكارات كانت جُزرا كبيرة مستقلة فعلا، وسط محيط شركات صغيرة ومتوسطة، إلا أنه منذ 30 سنة، لاحظنا تمركزًا لرأسمال دون قياس عام، وفي الوقت الراهن هناك 500 احتكار تسيطر بقراراتها على كل الاقتصاد العالمي، وتهيمن صعودًا ونزولًا على قطاعات شتى لا يمتلكونها مباشرة.
خطة لمواجهة الأزمة المصرية
ظلَّ المفكر والاقتصادي الدكتور سمير أمين مشغولًا بأزمات الواقع العربي ولاسيما مصر من خلال قراءة تطور الأنظمة الاقتصادية وصمودها أمام موجات التبدل والتغير أو سقوطها أمام عدم التطور والتناسب، ويظهر إيمان المفكر الراحل بقدرة مصر كقوة إقليمية في مواجهة أصعب التحديات حين يكتب عنها الكثير محددا عراقيل تلك الأزمة وكيفية الخروج منها.
وفي تشخيصه للأزمة المصرية رأى "أمين" أن تجربة الزعيم جمال عبد الناصر كانت تتسم بالتناسق فهي تجربة دولة تحاول الإفلات من قبضة الاستعمار بالاعتماد على التصنيع فهو يخلق بذلك بيئة عمالية تستطيع النهوض بوطن أوضاعه متدهورة، وكانت مصر البلد المصدر للقطن لاهتمامه بجانب الزراعة، والتجربة اتسمت بتوزيع الدخول والعمل لصالح وتوسيع الطبقات المتوسطة دون إفقار للطبقات الشعبية.
وكانت تجربة عبد الناصر تحتاج لتطوير ومتابعة من قِبل هؤلاء الذين تولوا من بعده، لكن الرئيس السادات والرئيس مبارك اعتمدوا بشكل كبير على تنفيذ مشروع العولمة الليبرالية الذي فكك المنظومة الانتاجية للدولة المصرية والتي عمل على بنائها الرئيس عبد الناصر مما خلق شركات تعمل على الربحية والمقاولة والاحتكار.
وأوضح "أمين" أن النتيجة الحتمية لفك المنظومة الإنتاجية لمصر، حدوث تدهور سريع فى كل الشروط الاجتماعية ففى غضون سنوات قلائل تبدد كل ما أنجز في الدولة الشعبية الوطنية، وأصبح الفقر والبطالة الواسعة النتيجة المنطقية للسياسات النيوليبرالية وهو ما أوجد الشروط الموضوعية للتمرد والثورة".
إن الحياة السياسية الديمقراطية المتأصلة في مجتمع ما تخلق بالضرورة اقتصاد قوي، فإن فشل التجارب السابقة في إنشاء حياة ديمقراطية مجتمعية أدى لانتشار الجماعات الدينية على الأرض، ولقد انعكس ذلك على القبول بمشروع المجتمع الاستهلاكي "وهو الاتجاه الذى ينتشر ليس فقط وسط الطبقة المتوسطة المستفيدة من نمط التنمية هذا، وإنما ينتشر أيضًا وسط الجماهير الشعبية التي تطالب بالاشتراك فى الحد الأدنى من الرفاهية، خاصة في ظل غياب بديل واقعى وذي مصداقية".
وساهم تشجيع الخطاب الديني السيئ والذي لا يملك مشروعا تنمويًا أو نهضويًا في زيادة تعقيد الأزمة، فصعود التيارات الدينية صاحب بشكل عكسي التدهور الاقتصادي والمجتمعي للحياة في مصر.
وصاحب ذلك التدهور ازدياد النشاطات الاقتصادية غير المنظمة والخارجة عن سيطرة الدولة وقدرة بعض الجماعات على العمل في تلك الظروف الاقتصادية الرثة كما يسمها "أمين".
إن مد مصر بمزيد من القروض والمنح لدعم تلك الاقتصاديات الصغيرة غير المنتظمة والتي لا تستهدف تنمية يعكس رغبة تلك الدول في إضعاف مصر، وإن الدول الكبيرة والتي تعمل على ذلك تدرك حجم مصر كقوة إقليمية قادرة على زلزلة أنظمة التحكم فيها وقدرة مصر أيضا كقوة قادرة على الوقوف في وجه التوسعات الصهيونية، لذلك تسعى تلك القوى ولاسيما أمريكا في مدح الاستقرار الظاهري لمصر لأنها تريد بقاء الدولة هشة ولا تصمد أمام أي خيار حر ومستقل.
إن الخروج من الأزمة المصرية يقتضي ترجمة آمال المصريين والثائرين إلى مشروع وطني قوي من خلال:
أولًا: وجود سياسة ثابتة للدولة تستند إلى كتلة اجتماعية مريحة، تمنح المشروعية والقدرة على بناء مشروع متماسك يتطلع إلى توجيه منظومة الإنتاج الوطني نحو الداخل.
ثانيًا: كسر سلاسل التبعية الاقتصادية والسياسية، سواء التي تربطنا بدرجة أولى بالولايات المتحدة الأمريكية، ومحاولة الاستغناء عن المعونة الأمريكية، وإيجاد علاقات بديلة مع دول مثل الصين والهند والبرازيل.
ثالثًا: يجب ألا يقتصر فهمنا لفكرة الديمقراطية على صندوق الاقتراع "وإن كان إحدى آليات الديمقراطية"، ولكن بإبراز مضمونها الاجتماعي بجانب المضمون السياسي من تكريس لحقوق المواطنة، والمساواة بين المواطنين، واحترام الحريات الخاصة والعامة، والحرص على إيجاد أجواء من التوافق العام تتيح لكل القوى الحية فى المجتمع المشاركة فى العملية السياسية.