الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

ننشر تفاصيل خطة "تعديل المسار" لخفض الدين العام.. محيى الدين: مصر تحتاج معدل نمو 7% سنويًا لتحسين مستوى المعيشة.. "الببلاوي": لا قلق من استخدام القروض فى المشروعات الإنتاجية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«علاقة طردية» تجمع بين الاستثمار وارتفاع الدين العام للدولة، مخاطر استشعرتها الحكومة وحددت أولويات لخطتها خلال الفترة المقبلة، وأعلنتها قولا واحدا «تعديل مسار خفض الدين العام، والمقترحات الموضوعة حول هيكل الدين بشقيه الداخلى والخارجى واستراتيجية التعامل معه على المدى المتوسط بهدف خفضه بشكل مضطرد»، كان هذا هو الإطار العام الذى أعلنته الحكومة خلال اجتماع لها خلال الأيام الماضية، بحضور وزراء الاستثمار والتعاون الدولى والمالية والتخطيط والإصلاح الإدارى والتجارة والصناعة وقطاع الأعمال العام.


فكلما أعلن البنك المركزى المصرى ارتفاع الدين العام بشقيه الداخلى والخارجي؛ تخيم تلك المشكلة على المشهد الاقتصادي، بل وأيضا لها أبعاد نفسية ووطنية ترجع إلى حكم الخديو إسماعيل، وكان ارتفاع حجم الدين العام عاملا أساسيا ومدخلا للتدخل الأجنبى المباشر فى مصر، بل وفقدان الخديو إسماعيل عرشه، واحتلال مصر على يد بريطانيا بعد ذلك فى عام 1882، كلمات أكدها الدكتور حازم الببلاوي، رئيس وزراء مصر الأسبق والمدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى، فى تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز»، وقبل اجتماع الحكومة الأخير، وأشار خلالها إلى أن الإصلاحات الاقتصادية التى اتخذتها مصر خلال السنوات الماضية تعتبر بمثابة الدواء الضرورى المفيد، ولكنه مر.
وأضاف «الببلاوي»، أن كلمة الدين أمر مفزع لبعض الناس، ولكننى أريد أن أوضح أن الدين ليس سيئًا وليس حسنًا، يتوقف خيره من شره على طريقة استغلاله، مشيرًا إلى أنه إذا استغل فى التنمية وإقامة المشروعات فهذا حسن، ولكن أن تستدين للإنفاق على الأكل فهذا خطأً، مؤكدا أنه ليس صحيحا أن الديون سيئة، بل يوجد ديون جيدة تسهم فى تحقيق التنمية الاقتصادية، مثلما تم فى تمويل السد العالى الذى يعتبر من أفضل القروض التى حصلت عليها مصر، موضحا أن مصر قبل ثورة يوليو 52 كانت غارقة فى الديون، وجاء بعدها أول قرض كان لبناء السد العالي، وتم استخدامه فى التنمية.
وأكد أن الفترة المقبلة ستشهد تحسنًا كبيرًا يلمسه المواطن المصري، بقرب الانتهاء من إجراءات الإصلاح الاقتصادي، التى سيشعر بثمارها الأجيال الصاعدة، موضحًا أن العام المالى المقبل 2018/ 2019 سيشهد انتهاء تنفيذ البرنامج الإصلاحي، ولا سيما أن مصر نجحت فى تنفيذ كل ما طلب منها فى البرنامج بكفاءة، مشيرا إلى أنه لم يكن هناك تعجل من الحكومة لتنفيذ إجراءات الإصلاح الاقتصادي.
وأضاف، أن ارتفاع الأسعار لا يمكن لأحد أن يأمنه، ولكن على الحكومات أن تتخذ من القرارات الكافية لتحميها من المخاطر، وأفضل حل للحماية من المخاطر هو تعظيم الاستفادة من كل الموارد المعطلة.


وعلى السياق نفسه؛ فإن كل الانتقادات الموجهة لعدم فاعلية محاولات جذب مزيد من الاستثمارات ترجع إلى ارتفاع معدلات الدين العام، لذلك بدأت الحكومة فى العمل على وضع الدين العام على مسار تنازلى، كأحد إجراءات دعم الاستثمار.
فعلى المدى القصير يمكن أن يكون للدين العام تأثير إيجابى على حكومات الدول، فيمكن أن يستخدم كوسيلة للحصول على أموال إضافية للاستثمار فى الاقتصاد، حيث إن الدين العام، عن طريق شراء أدوات الدين الحكومية، هو وسيلة آمنة للأجانب للاستثمار فى نمو البلاد، فعندما يتم استخدام الدين العام بشكل صحيح سيكون تأثيره إيجابى فى المستوى المعيشى للبلاد؛ لأنه يسمح بنشوء مشاريع استثمارية فى البلاد مثل تطوير البنى التحتية، تطوير وسائل المواصلات وغيرها، مما بدوره يشجع المستثمرين على الإنفاق عوضًا عن الادخار ويعزز النمو الاقتصادي.
ولكن حال ارتفاع الدين العام إلى مستويات قياسية، سيكون تأثيره سلبى على اقتصاد الدولة، خاصة ارتفاع عجز الموازنة بشكل كبير فى الدول، هذا له تأثير سلبى فى التصنيف الائتمانى لهذه الدول الذى يظهر مدى احتمال الدول على سداد أو التخلف عن تسديد ديونها، فارتفاع الدين العام ومعدلات الفائدة له تأثير كبير على الاقتصاد أيضًا على المدى الطويل، حيث تواجه هذه الحكومات احتمالات صعوبة السداد، أو بالتالى توجه جزءا كبيرا من موازناتها إلى سداد الديون مما يؤثر فى الإنفاق العام والاستثمار الحكومى.
وعلى الرغم من اتفاق الاقتصاديين حول أهمية الاستثمار كأحد محددات النمو، فإن العلاقة بين الاستثمار العام والخاص كانت وما زالت موضوعا للجدل فى كثير من دول العالم المتقدم والنامى على حد سواء، ولا يختلف الوضع فى مصر، فالآراء تتضارب، فثمة من يرى أن العلاقة بين الاستثمار العام والخاص علاقة تنافسية، بينما يرى فريق آخر أن العلاقة تكاملية.
فالاستثمارات العامة فى المشروعات الإنتاجية خارج نطاق البنية الأساسية تزاحم أو تنافس الاستثمار الخاص، فى حين أن الاستثمار العام فى البنية الأساسية كالطرق والموانئ والكهرباء والتعليم والصحة يتكامل مع الاستثمار الخاص ويشجعه. 
وفى ضوء ذلك، ترتبط الاستثمارات الخاصة بالعامة فى المشروعات الإنتاجية خارج نطاق البنية الأساسية، ومن أهم هذه المقترحات الاكتفاء بالنفقات الخاصة بالصيانة والإحلال والتجديد وعدم القيام باستثمارات جديدة ورفع كفاءة المشروعات العامة القائمة حاليا، ولا سيما فى الجهاز المصرفى، وقطاع التأمين، وسوق المال والإسراع فى تطبيق برنامج الخصخصة.
بينما الاستثمارات العامة يمكن أن تدخل فى البنية الأساسية، ومن أهم ما تضمنته من مقترحات أهمية رفع كفاءة الاستثمارات العامة فى البنية الأساسية، وإعطاء وزن نسبى متزايد للاستثمارات العامة فى التعليم والصحة، وتشجيع الاستثمار الخاص الوطنى والأجنبى على المساهمة فى مشروعات البنية الأساسية من طرق وكهرباء وموانئ وغيرها، وأخيرًا أهمية البحث عن مصادر جديدة ومتنوعة لتمويل الاستثمارات العامة فى البنية الأساسية.
ولا يمكن التحكم فى حجم الدين دون التعرض لعجز الموازنة المزمن الذى عانت منه مصر على مدار أعوام مضت، لهذا يمكن محاولة تخفيض أعباء خدمة الدين عن طريق الإدارة الرشيدة لمحفظة الدين الحكومى؛ حيث أصبح هناك ضرورة للتوجه إلى اعتماد صكوك التمويل كأداة مالية فى الوقت الحالى، مما سيؤدى إلى جذب استثمارات عربية خليجية للدخول فى سوق الدين بما يرفع من الحصيلة الدولارية من جانب، ويخفف العبء عن البنوك المحلية من جانب آخر، بالاضافة إلى كثرة البدائل التمويلية المتاحة.


فيما أكد عدد من الخبراء ضرورة الاستفادة من هذه الأداة فى إطار خطة الدولة نحو تطوير الأدوات المالية وتنويعها لزيادة قدرة الشركات والحكومة وغيرها من الجهات الاعتبارية المختلفة فى الحصول على التمويل، مما سيؤثر بالايجاب فى زيادة حجم الاستثمار والتشغيل فى الاقتصادى القومى، وتمكين تلك الجهات من تنويع مصادر تمويلها، وتلبية احتياجات شريحة كبيرة من الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة والشركات الراغبة فى تمويل أنشطتها ومشروعاتها أو التوسع فيها عن طريق الصكوك.
فيما مثلت أدوات الدين المحلى نسبة متصاعدة من ودائع وحدات الجهاز المصرفى، فى الوقت الذى تراجعت فيه معدلات توظيف القروض إلى الودائع على مستوى القطاع ككل، وهو الدور الرئيسى المعنى به البنوك كوسيط مالى لتوظيف ودائعها فى مشروعات تحقق قيمة مضافة لاقتصاد البلاد، ولذلك يجب أن يكون هناك حد أقصى للاستدانة الداخلية وحجم طروحات الأوراق المالية التى تنوى طرحها من إجمالى ودائع البنوك-بحسب الخبراء والمتابعين-، وأن يكون هناك مؤشر يربط بين محفظة استثمارات البنوك فى أدوات الدين وإجمالى الودائع المتوافرة لدى وحدات الجهاز المصرفى، إذا كانت تهدف فعليا لإنعاش الأسواق ومحاربة الركود الاقتصادى.
كما أن هناك دورا مهما لوزارة الاستثمار والتعاون الدولي، فعلى الرغم من أن محفظة الاستثمار والتعاون الدولى من إجمالى الدين الخارجى لا تتجاوز الـ٤٪، فإن الدكتورة سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، حملت على عاتقها مهمة تقليل حجم الدين، وفقا للآليات والأدوات التى تمتلكها، وبخاصة بعد دمج وزارتى التعاون الدولى والاستثمار؛ حيث بدأت فى العمل من أجل إصلاح منظومة الاستثمار، والتى نجحت فيها بنسبة غير قليلة، الأمر الذى بدا واضحا فى الانتهاء من تعديلات قانون الاستثمار ولائحته التنفيذية وإصلاح البيئة التشريعية، فضلا عن البدء فى اتخاذ إجراءات سريعة لعقد عدد من اللقاءات مع سفراء الدول الدائنة للوصول إلى اتفاق لمبادلة تلك الديون للتخفيف من أعباء المديونية الخارجية من خلال تمويل مشروعات تنموية واستثمارية، وكذلك دعم الموازنة العامة للدولة، وإعفاء الدولة من عبء تدبير النقد الأجنبى اللازم للسداد.
ومن جانبه قال الدكتور محمود محيى الدين، النائب الأول لرئيس البنك الدولى، إن مصر فى حاجة لتحقيق معدل نمو 7% سنويا لتحسين مستوى المعيشة؛ حيث إن المعدلات التى تحققت خلال السنوات الماضية عند مستويات 3% و4% غير كافية لإحداث تحسن ملموس فى حياة المواطنين، مؤكدا أن مصر تحتاج لرفع معدل الادخار ما بين 25% و30% لتحقيق معدلات النمو المستهدفة. وأشار إلى أن معدلات الادخار فى آخر عامين تراوحت بين 5% و6% فى مصر، لتحقق معدلات استثمار قادرة على تعزيز النمو الاقتصادى، موضحا أن تجربة الصين وفيتنام تعتمد على تمويل الاستثمار من خلال المدخرات المحلية.