السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"داعش" و"إسرائيل" إيد واحدة في السويداء.. هجوم مفاجئ على المحافظة الدرزية.. وأصابع الاتهام تتجه للصهاينة والإرهابيين

داعش
داعش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد هزائمه الأخيرة فى حى اليرموك، بجنوب دمشق، ودير الزور فى شرق سوريا، سارع تنظيم داعش الإرهابي، للبحث عن هدف سهل، للاستمرار فى المشهد، ووجد ضالته فيما يبدو فى الأقلية الدرزية، التى نجحت فى عزل نفسها عن الحرب المندلعة فى البلاد منذ 7 سنوات، ولم تحمل السلاح ضد الحكومة، ولا وافقت أيضًا على المشاركة فى القتال إلى جانبها.
ورغم أن الطائفة الدرزية، التى اختفلت الآراء حول أصولها بين من يعتبرها مذهبًا من المذاهب الإسلامية، وبين من يرفض ذلك، ويعتبرها ديانة مستقلة بحد ذاتها، لم تكن مستهدفة من قبل داعش فى السنوات الماضية، إلا أنها سرعان ما تحولت بين ليلة وضحاها إلى فريسته الأولى. 
ويعكس هذا التحول المفاجئ حقيقة أن التنظيم أفلس بالفعل، وأصبح غير قادر سوى على استهداف الأبرياء العُزل، بالإضافة إلى أن الورقة الطائفية والمذهبية، كانت ولا تزال هى الخيار الأفضل للتنظيمات الإرهابية لتحقيق أهدافها بأسرع وقت وبأقل تكلفة.
يبدو أن «داعش» استغل أيضًا انشغال القوات الحكومية بمعركة السيطرة على محافظة درعا فى جنوب سوريا، لإظهار أنه لا يزال فى الصورة عبر تنفيذ هجوم مفاجئ على محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، فى جنوب شرقى البلاد، بالإضافة إلى محاولة التنظيم المحاصر تحت نيران الجيش السورى فى منطقة حوض اليرموك فى ريف محافظة درعا المحاذية للسويداء، والمتاخمة للحدود مع الجولان المحتل والأردن، الإفلات والتوسع إلى مناطق أخرى لتشتيت القوات الحكومية. 
ولم يستبعد البعض كذلك؛ تورط إسرائيل فى «مجزرة السويداء»، لرغبتها فى الانتقام من الدروز الذين رفضوا التمرد ضد الدولة السورية، وقال رئيس المرصد اللبنانى للعلاقات الدولية والاستراتيجية، الدكتور وليد عربيد، لموقع «جنوبية» اللبنانى فى ٢٦ يوليو الماضي، إن: «علاقة دروز السويداء بالدولة متينة، انطلاقا من إرث سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية ضد الانتداب الفرنسي»؛ موضحًا أن محاولات الإسرائيليين لتأليب الدروز على الدولة السورية باءت بالفشل».
وأضاف «عربيد»، أن «الجماعات الإرهابية لم تختف عن ساحة الصراع فى سوريا، والكل يذكر دخولها إلى تدمر فى وسط سوريا، واحتلال حقول النفط فى دير الزور فى شرق البلاد، وهذا يدل على إعادة رسم للتحالفات الدولية وللخارطة الجيوسياسية فى جنوب سوريا»؛ مشيرًا إلى أن «الدروز يمثلون أقلية فى سوريا، ويدعمون النظام وهم فى حضن الدولة، فيما تسعى إسرائيل لرسم خارطة جديدة فى المنطقة مستغلة الأقليات».
وختم رئيس المرصد اللبنانى للعلاقات الدولية والاستراتيجية، قائلا: «قلت سابقًا فى العام ٢٠١٢ إن إسرائيل تحاول أن تضغط عبر تحالفها مع داعش على الدروز لدفعهم إلى الخروج من السويداء باتجاه مدينة القنيطرة فى جنوب سوريا، فى إطار مساعى تل أبيب لتحويل تلك المنطقة إلى حزام أمنى بدعم دولى، بحجة حماية الأقليات».
كان «داعش»، شن صباح الأربعاء ٢٥ يوليو الماضي، هجومًا واسعًا فى ريف محافظة السويداء الشرقى، تمكن خلاله من السيطرة على ثلاث قرى من أصل سبع، قبل أن تشن القوات الحكومية السورية هجومًا مضادًا، وبعد ساعات من الاشتباكات والقصف، تصدت القوات الحكومية للهجوم، وأجبرت التنظيم على التراجع إلى الصحراء. 
ووثق المرصد السورى لحقوق الإنسان، ومقره لندن، مقتل ٢٥٠ شخصًا، وإصابة ١٨٠، فى الهجوم الداعشى الذى بدأ بهجمات نفذها انتحاريون واشتباكات بالأسلحة، وهو الأكبر فى السويداء، التى بقيت إلى حد كبير بمنأى من النزاع، الذى يعصف بسوريا منذ سنوات.
وأفادت وسائل الإعلام السورية، بأن هجوم داعش انطلق من قرى ريف السويداء الشمالي، وهى على تماس مع البادية السورية، وامتداد لها، حيث يتواجد داعش، ودخل من خلالها إلى قرى فى الريف الشرقى للسويداء، ودخل قرى «شبكى ودوما ورامي»، وذلك قبل أن تتصدى لعناصره الإرهابية قوة كبيرة من الجيش السورى والمقاومة الشعبية.
ويسيطر النظام السورى على كل السويداء ذات الغالبية الدرزية، فيما يقتصر وجود «داعش» على منطقة صحراوية عند أطراف المحافظة الشمالية الشرقية، ينطلق منها أفراد التنظيم بين الحين والآخر فى شن هجمات ضد القوات الحكومية.
وجاء هجوم ٢٥ يوليو فى أعقاب تعرض «فصيل خالد» الموالى لتنظيم داعش لهجوم عنيف شنته القوات الحكومية بالتعاون مع الطيران الروسى فى آخر جيب يتحصن فيه «فصيل خالد» فى منطقة حوض اليرموك فى ريف درعا.
وبالنظر إلى نجاح القوات الحكومية فى صد الهجوم على السويداء، تعمد التنظيم الإرهابي، خطف ٣٦ مدنيًا على الأقل من أبناء المحافظة، لاستخدامهم كورقة مساومة، لفك الحصار عن عناصره فى حوض اليرموك، أو محاولة إطلاق سراح معتقليه لدى القوات الحكومية. 
وكانت عناصر التنظيم خلال انسحابها من القرى التى اجتاحوها، وعلى وقع الخسائر الفادحة التى تكبدوها وشنق الأهالى لثلاثة منهم، احتمى الفارون منهم بالنساء والأطفال، وخطفوا بضع عشرات منهم، وجميع المخطوفين من قرية الشبكى فى ريف السويداء الشرقي، وهم «٢٠ امرأة تتراوح أعمارهن بين ١٨ و٦٠ عامًا، إضافة إلى حوالى ١٦ طفلًا».
وبعد رفض دمشق الخضوع لابتزاز التنظيم لإطلاق سراح المختطفين، أعدم شابًا من بين الرهائن لديه فى ٦ أغسطس، ونشرت حسابات على منصات التواصل الاجتماعى، مقطع فيديو للشاب مهند أبوعمار «١٩ عامًا» مكبل اليدين قبل قتله. 
ورغم أن التنظيم يراهن كعادته على مشاهد الذبح والإعدامات لإحداث أكبر قدر من الترويع وتحقيق أهدافه، إلا أنه سرعان ما تلقى صفعة قوية، إذ كشفت مصادر فى المعارضة السورية فى ٦ أغسطس أن الروس اقترحوا على الفصائل المسلحة التابعة لها، المشاركة فى حملة عسكرية تجهز لها القوات الحكومية ضد داعش فى بادية محافظة السويداء.
ونقلت صحيفة «الحياة» اللندنية عن هذه المصادر، قولها، إن عددًا من فصائل المعارضة وافقوا على المشاركة، بعد ضغوط من أحد زعماء طائفة الدروز فى سوريا حمود الحناوي، شرط انسحاب القوات الحكومية من المنطقة بعد دحر «داعش»، وانتشار قوة روسية مكانها.
وقبل ذلك؛ وتحديدًا فى ٤ أغسطس الجارى، أعلنت مصادر عسكرية سورية أن القوات الحكومية أنهت استعداداتها لشن عملية عسكرية واسعة النطاق، ضد فلول «داعش» فى بادية السويداء.
ونقل موقع «روسيا اليوم» عن هذه المصادر، قولها، إن خطة الجيش تقضى بشن الهجوم، انطلاقًا من المحور الشمالى الشرقى، فى إطار إنهاء وجود «داعش» فى آخر بؤر تجمعاته فى الجنوب الشرقى لسوريا، وفى إطار الرد على العملية الإرهابية، التى طالت السويداء الشهر الماضي.
وتابعت المصادر أن الجيش حشد قوات كبيرة، وبدأ بالرمايات التمهيدية والقصف الجوى على معاقل الإرهابيين فى عمق البادية ذات الطبيعة الوعرة، على أن تبدأ القوات بالتقدم البرى فى أقرب وقت.
وأشارت المصادر أيضًا، إلى أن الجيش عزز انتشاره ومواقعه على طول الحدود الشرقية لمحافظة السويداء فى جبهة تمتد لأكثر من ١٠٠ كم، لمنع أى تسلل جديد باتجاه القرى الآمنة، وقطع خطوط التهريب بشكل نهائى عن تجمعات الإرهابيين فى البادية.
ويبدو أن الأسوأ لا يزال بانتظار داعش، فقد كشف المرصد السورى لحقوق الإنسان فى ٢٨ يوليو الماضى أيضًا عن مفاجأة مفادها أن القوات الحكومية السورية وفصائل سابقة من المعارضة تخوض القتال ضد عناصر «جيش خالد بن الوليد» الموالى لتنظيم «داعش» الإرهابى فى منطقة حوض اليرموك فى الريف الغربى لمحافظة درعا فى جنوب سوريا.
وأضاف المرصد عبر موقعه الإلكتروني، أن «قوات شباب السنة» من فصائل المعارضة المسلحة التى انضمت لاحقًا لعملية «المصالحة والتسوية» مع الحكومة تشارك فى القتال ضد المسلحين الذين أعلنوا مبايعتهم لـ«داعش» فى منطقة حوض اليرموك.
كان الجيش السوري، أحرز أواخر يوليو الماضي، تقدمًا كبيرًا فى منطقة حوض اليرموك فى الريف الغربى لمحافظة درعا، موقعًا خسائر كبيرة بصفوف تنظيم «داعش» الإرهابي. 
وذكرت وكالة «سبوتنيك» فى ٢٧ يوليو الماضي، أن الجيش السورى تمكن من تحرير عدة بلدات فى حوض اليرموك، هي: «فيصون، العوام، جملة، عين صماطة، أبورقة، أبوخرج، النافعة، وسد النافعة»، فيما يسيطر التنظيم الإرهابى على مساحة لا تتجاوز ٢٪، من مساحة محافظة درعا.
وتابعت الوكالة، بأن الهجوم الواسع الذى نفذه الجيش السورى ضد داعش فى حوض اليرموك، أسفر عن خسائر كبيرة فى العتاد والأرواح فى صفوف التنظيم الإرهابي، فيما غنم الجيش السورى كمية كبيرة من الأسلحة والعتاد والذخيرة، ودخلت وحدات الهندسة التابعة له البلدات المحررة، وبدأت بتفكيك الألغام والعبوات الناسفة.
وأشارت، إلى أن الجيش السورى يواصل عملياته باتجاه آخر معاقل إرهابيى «داعش»، فى بلدات الشجرة وبيت آره وكويا وعابدين، وهى قرى لا تزال تحت سيطرة التنظيم فى حوض اليرموك، وتعتبر بلدة الشجرة هى القاعدة الأساسية والمقر الأساسى للتنظيم فى درعا.
وسيطر فصيل «جيش خالد»، التابع لتنظيم داعش، على معظم بلدات حوض اليرموك، بعد أن شن هجومًا مباغتًا على المعارضة السورية فى فبراير الماضي، استولى خلاله على عدة بلدات وتلال، أبرزها سحم الجولان وتسيل وتل الجموع.
وتمركز عناصر «جيش خالد» فى مناطق حوض اليرموك، وقريتى جملة وعابدين الحدوديتين، مع الجولان المحتل، إضافة لمنطقتى القصير وكويا على الحدود مع الأردن، إلا أنه سرعان ما خسر معظم هذه المناطق، ولذا سارع لاستهداف الدروز للتغطية على إخفاقاته المتلاحقة.
الدروز فى إسرائيل
وفيما يقوم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية بتكفير الدروز، إلا أنه يتردد أن الدرزية انشقت عن الفرقة الإسماعيلية الشيعية بالأخص، أثناء الخلافة الفاطمية، ولذا تعود إلى أصول إسلامية، حسب البعض، فيما اختلفت آراء الباحثين فى هذا الصدد، فهناك من لا يعتبرونها من الإسلام، وهناك من اعتبرها ديانة مستقلة بحد ذاتها.
ويشير الدروز، إلى أنفسهم باسم «الموحدون»، وغالبيتهم يعيشون فى لبنان، ونسبة كبيرة من الموجودين منهم فى فلسطين المحتلة قد أخذوا الجنسية الإسرائيلية، وبعضهم يعمل فى الجيش الإسرائيلي، كما توجد لهم رابطة فى البرازيل، ورابطة فى أستراليا.
ويتردد أن الخليفة الفاطمي، أبوعلى المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله الفاطمى الملقب بالحاكم بأمر الله، الذى وُلد سنة ٣٧٥هـ، وقتل سنة ٤١١هـ، هو محور العقيدة الدرزية وعرف عنه أنه كان شديد القسوة والتناقض.
كما يتردد أن حمزة بن على بن محمد الزوزنى (٣٧٥هـ - ٤٣٠هـ) هو المؤسس الفعلى لهذه الطائفة، وقد أعلن ألوهية الحاكم سنة ٤٠٨هـ، وألف كتب العقائد الدرزية، فيما ينسب البعض الآخر الدرزية إلى محمد بن إسماعيل الدرزى المعروف بنشتكين، والذى كان مع حمزة فى تأسيس عقائد الدروز، إلا أنه تسرع فى إعلان ألوهية الحاكم سنة ٤٠٧هـ، وهو ما أغضب حمزة عليه، حيث فر إلى الشام، وظهرت هناك الفرقة الدرزية التى ارتبطت باسمه.
وينقسم المجتمع الدرزى من الناحية الدينية إلى قسمين: الأول الروحانيون: بيدهم أسرار الطائفة، وينقسمون إلى: رؤساء، وعقلاء، وأجاويد، والثاني، الجثمانيون: الذين يعتنون بالأمور الدنيوية، وهم قسمان: أمراء، وجهال، أما من الناحية الاجتماعية، فيحكمهم شيخ العقل ونوابه.
ويبلغ عدد الدروز فى سوريا نحو ٧٠٠ ألف نسمة، حيث كانوا يشكلون نحو٣٪ من إجمالى عدد السكان البالغ ٢٣ مليونًا قبل اندلاع الأزمة هناك، وبعض المشايخ الدروز فى سوريا يقولون عن أنفسهم ورعاياهم إنهم مسلمون، مثل الشيخ محمد أبوشقرة، وتعتبر الطائفة الدرزية فى سوريا أيضًا مذهبًا إسلاميًا، فيما يبلغ عدد الدروز فى المنطقة حوالى ١.٥ مليون نسمة، يتوزعون بشكل أساسى فى سوريا، ولبنان، وفلسطين المحتلة، إلى جانب وجود نسبة صغيرة منهم فى فنزويلا والولايات المتحدة وأستراليا.
وفى ٣ أغسطس، قال الناشط السورى من السويداء، سامر فهد، للإذاعة الألمانية، إن «الدروز ضحية مثلهم مثل باقى الشعب السوري، لأنهم جزء لا يتجزأ من الشعب، يشاركونهم العيش منذ مئات السنين، ويسعون لكسب لقمة العيش فى إطار سلمى لضمان حياة أفضل للأجيال القادمة».
وأضاف الناشط السورى أنه «من مصلحة الدروز أن يعم السلام والأمن فى سوريا، وأن تنتهى الحرب فى أقرب وقت، لأنها تؤثر عليهم بشكل أو بآخر، وما حصل فى السويداء من أعمال إرهابية خير دليل على ذلك».
وتابع الناشط السورى، أن جزءًا كبيرًا من الدروز يعيشون على الرواتب والمساعدات التى تقدمها الدولة لهم، وبالتالى أى ضرر يحصل فى سوريا سيؤثر على الدولة بشكل عام، وسيكون له كذلك تأثيرات سلبية على الأقليات ومن ضمنهم الدروز». 
ورغم محاولة «داعش» إحداث اقتتال طائفى ومذهبى فى سوريا، أكد سامر فهد «أن الدروز سيحتفظون بنفس الولاء للنظام السورى رغم الظروف التى يمرون بها»، وأوضح أن طبيعة الدروز دائمًا كانت مسالمة، مستبعدًا أن يكون للهجمات الإرهابية الأخيرة تأثير كبير على ولاء الدروز للنظام فى سوريا.