الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

في كل زمن يهوذا.. ماذا كان يقصد البابا تواضروس خلال عظة الأربعاء؟

البابا تواضروس الثاني
البابا تواضروس الثاني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تعد العظة التي ألقاها السيد المسيح على الجبل تلخيصا للحياة المسيحية ولب الإنجيل ودليل المسيحيين حتى يومنا هذا، حيث وقف المسيح على جبل عالٍ يعلم ما بين الناموس الذي أعطى للنبي موسى وتعاليمه المكملة لهذا الناموس لتخرج شريعة جديدة ودستور المسيحية.

وعلى خطى السيد المسيح صار خليفة مارمرقس الرسول البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ليعظ الناس ولأول مرة منذ أن اعتلى سدة الكرسى بقانون يحكم الرهبنة والكنيسة، ليعلن أن «ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، فالجريمة بها طرفان «جان ومجنى عليه» وهو عمل الدولة ممثلة فى الشرطة، والكنيسة المصرية قوية والأديرة واحة للصلاة تحفظ الحدود المصرية.

عظة البابا تعد من أهم وأقوى العظات التى ألقاها البابا وفق ما تداوله الأقباط عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أثلجت قلوب الأقباط بعد الهزة العنيفة فجر الأحد ٢٨ يوليو الماضى بمقتل الأنبا إبفانيوس رئيس دير الأنبا مقار، ولأهمية العظة عرجت «البوابة» بين كلمات البابا التى تعتبر دستور عهد البطريرك الجديد مع الشعب.

الله برىء من مدعى الإيمان الكاذب

اقتبس خليفة مارمرقس الجزء الأخير من «الموعظة على الجبل للسيد المسيح والتى تلاها على أذن المصلين بصوت منذر واثق خمس مرات، وهى المرة الأولى التى يقرأ فيها نص الإنجيل أكثر من مرة، فالمعتاد أن يستهل البابا العظة بالقراءة مرة واحدة ويستدل بها فى منتصف العظة، وجاء النص كالتالي: «كثيرون سيقولون لى فى ذلك اليوم: يا رب يا رب: أليس باسمك تنبأنا؟! وباسمك أخرجنا شياطين؟! وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟! فحينئذ أصرح لهم: إنى لم أعرفكم قط! اذهبوا عنى يا فاعلى الإثم!!» وهذا الجزء كان يوجه المسيح كلماته إلى رجال الدين والذين عملوا أعمالا تبدو أنها عظيمة وكان الناس يرونهم كذلك، لكن الله كان يعرف حقيقتهم الداخلية وقال لهم: «إنى لا أعرفكم»، فلم تكن تلك الآيات اختيار مصادفة بالنسبة للبابا.

نظرية يهوذا

الصدمة التى تلقاها الأقباط عقب حادث مقتل أسقف دير أبو مقار، لم تكن عادية بل كانت ضربة عصيبة هزت الأوساط القبطية، وخاصة بعد احتجاز ثلاثة رهبان وعامل بالدير على ذمة القضية، ولوح البعض بأن القاتل من الدير وأنه راهب، وكانت حالة الهلع تظهر على الجميع، إلى أن خرج بابا الإسكندرية يتحدث عن نظرية يهوذا «وهو كان من تلاميذ المسيح الـ12، والذى خان المسيح وسلمه لليهود مقابل ثلاثين من الفضة»، وقال، إنه فى كل مجتمع يوجد يهوذا.

وقال: «أيها الحبيب لا تنظر لضعفات أشخاص واحد يغلط أو اثنين، ولكن الكيان نقى اختبر عبر القرون، لكن نحن كبشر ما زلنا تحت الضعف البشري، وما حدث للمسيح ليس بقليل فقد اختار ١٢ تلميذا، جميعهم كانوا شهودا على معجزات المسيح وسمعوا كل تعاليمه وكان من بينهم من يتعلم بالحق، فى المقابل تلاقى واحد مش عاجبه حاجة، ويفكر يبيع سيده وتتساءل يا يهوذا هو أنت مشفتش معجزات المسيح؟ بس للأسف مدخلتش جوه قلبه لا مقابلاته ولا تعاليمه ولكن دخل فيه شيطان.

فى كل مجتمع يظهر يهوذا وأتجاسر وأقول فى كل ١٢ يظهر يهوذا وهو يمثل الخيانة بكاملها، لا تهتزوا يا إخوتى يوجد الله ضابط الكل وعبر التاريخ فى رهبان سقطوا، أيام يوحنا ذهبى الفم راهب وقع فى خطية ومن نفسه ساب الدير والقديس يوحنا كان عارف أنه وقع عن ضعف وصغر نفس فى بالوعة اليأس ويوحنا ذهبى الفم كتب له رسالة ترجمت اسمها «ستعود بقوة أعظم»، وبالفعل الراهب قرأ الرسالة وتاب ودخل ديره، مخرجش غير لما مات وهذا كتاب موجود وطبعته كنيسة مارجرس سبورتنج «ستعود بقوة أعظم».

الإيمان ليس سلعة ليحميها أحد

بعد أن اعتلى البابا سدة الكرسى المرقسي، ظهرت مجموعة من الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعى «فيسبوك» يدعى أصحابها أنهم حماة للإيمان والعقيدة المسيحية، وكانت تلك الصفحات تنتقد البابا، وخاصة فى خطواته نحو الوحدة مع الكنائس العالمية، وكانوا دائمًا وأبدًا يهاجمون شخص الأب متى المسكين رئيس دير أيو مقار السابق ويؤكدون أنه مهرطق خارج عن الأرثوذكسية، وعكف بعضهم على النقض والتشكيك فى كل من يؤمن بتعاليم المسكين، وقد بقوا روح الفرقة بين الأقباط وتصنيفهم أرثوذكسى حقيقى ومهرطق ومنشق.

وعلى الرغم من أن تلك المجموعة تهاجم البابا على مدار خمس سنوات متتالية إلا أنه ولأول مرة يخرج عن صمته ويتحدث عنهم، فقال بغضب «الإيمان ليس سلعة ليحميها أحد». واستطرد بغضب أكثر منذرا الأقباط بقوله: «لذلك يا إخوتى الأحباء وإلى كل من يسمعنى ويشاهدنى انتبهوا إلى الصفحات الصفراء المطبوعة أو السوشيال ميديا، ونشكر الله ليس لدينا ما نخفيه وإيمان الكنيسة محمى بصاحب الكنيسة وهو المسيح، ولا أحد غيره يحمى الإيمان، هو ليس سلعة تشتريها وتخزنها لكن الاتهامات لا تنتهى».

وكان من أصعب الكلمات التى دونها أحد أفراد مجموعة «حماة الإيمان» خبر نشر مقتل الأنبا إبفانيوس هو «اليوم قد تمجد رب الكنيسة» وكأن الراحل كان عدوا للكنيسة وخطرا عليها وقد تخلصت الكنيسة منه.

الكنيسة والدولة فى خندق واحد

كانت تلك الجماعة التى تدعى «حماة الإيمان» تهاجم البابا على وطنيته، ففى كل تصريح عن الدولة المصرية ورسائله فى الخارج، والتى يتحدث فيه عن مصر كانت تشن حملة موسعة ضده على أنه باع الكنيسة لصالح الدولة، وكانت معظم منشوراتهم تعتمد على الشائعات، فجمع البابا ما بين الدولة والكنيسة بقوله «إن الحرب ضد مصر والكنيسة، واستشهد بكلمات الرئيس عبد الفتاح السيسى فى حفل تخرج طلبة الكليات العسكرية، وذكره إحصائية مرعبة أن خلال ٣ أشهر مصر تعرضت إلى ٢١ ألف إشاعة فى ٣ شهور، مطالبًا الأقباط الانتباه لمروجى الشائعات». وزاد: «احذروا الصفحات الصفراء بكل صورها احذروا الشائعات احذروا جرعات اليأس».

«ما لقيصر لقيصروما لله لله»

فور وقوع جريمة قتل رئيس دير أبو مقار انقسم رهبان الدير إلى قسمين قسم يرفض الإبلاغ بالحادث، أو الادِّعاء بأنه سقط من أعلى سلم الدير، والفريق الثانى يرى أنها جريمة ويجب الإبلاغ عنها، وهنا حسم خليفة مرقس الرسول القضية وطالب بتدخل الحكومة فى القضية فقال خلال عظته: «يجب أن تنظروا للحادث المؤلم على أنه جريمة، هذه الجريمة فيها مجنى عليه وجان، وهذا الموضوع خارج الكنيسة، وحتى الآن التحقيقات لم تنته والتحقيقات التى تقوم بها الشرطة والنيابة هى تحقيقات فى جريمة أمر عادى، ولكن الغريب أن الجريمة حدثت داخل دير ولرئيس دير، لكنها فى النهاية جريمة أولا وأخيرا وفيها مجنى عليه وهو المتنيح الأنبا إيفانيوس، وفيها جان لا نعرفه وما زال التحقيق مستمرا والاتهامات تتفرق على كثيرين، و«مفيش حاجة للخواطر» الجرائم ليس فيها خواطر وليس من صالح أحد التستر على أحد.

وظيفة الراهب داخل الدير

وشرح البابا فى عظته تقسيم الوقت فى حياة الراهب؛ حيث يكون ثلث وقته للصلاة وثلث وقته للقراءة والدراسة وثلث وقته للعمل، قديمًا كانت الأعمال اليدوية ونقول فى الدير «ساعة صلاة، ساعة قراءة، ساعة عمل». وكل ساعة فى الدير معناها ٣ ساعات، لأننا بحسب صلوات الأجبية بنصلى باكر ٦ ص وصلاة الساعة الثالثة نصليها الساعة التاسعة يعنى ثلاث ساعات صلاة و٣ ساعات دراسة و٣ ساعات عمل، ونسمع قديمًا عن نسخ الإنجيل، فكان يأخذ ٣٠ سنة لنسخه، والمخطوطات كانت تحتاج لسنوات.

ومازلنا على هذا التقسيم فى أديرتنا وحتى اليوم رهبان كثيرون ينسخون ويترجمون الكتابات، ولأن الأعمال اليدوية كانت مهمة وأغلبها شغل الخوص علشان يبيعوا شغل إيديهم ويعيشوا منه، وتطورت أيضا الأعمال وتوجد أعمال أخرى، يعنى لو راهب طبيب يكون مسئولا عن العيادة وصحة الآباء ولو راهب كان مهندسا يكون مسئولا عن التعمير والإنشاءات ولو راهب دارس للزارعة تكون مهمته فى العمل استصلاح الأرض وقيسوا على هذا أشكالا كثيرة، وهكذا صار فى عمل وصار فى مجتمع، مشيرًا إلى أن الحياة الرهبانية بنيت على ثلاثة نذور هي:

أولًا: نذر الفقر

الرهبنة المصرية نسميها «رهبنة الكفن والراهب ينام ونغطيه بستر وهو الكفن «أرجوكم يا أحباء علشان دلوقتى الدنيا هايجة وكلام كتير مش صح وكل واحد بيقول حكاية أرجوكم انتبهوا وأعيد على مسامعكم، فى ذلك اليوم يقولون «فِى ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً، فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّى لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّى يَا فَاعِلِى الإِثْمِ!

وفى بعض الناس بتغلط والحياة الرهبانية ليست حياة سهلة وأحيانا يأتى إلى شاب أو شابة يقول لى عايز أترهبن، أقوله يا حبيبى الرهبنة لا تناسبك وده اختبار مع كل الآباء، الرهبنة حياة صعبة ولا يقدر عليها أى أحد.

وفى نذر الفقر يلبسونا جلابية ويعطونا ميرت ويقولوا لنا احتياجاتك نقدمها لك، كده عيش حياتك والاحتياجات جاية منين من تبرعاتكم اللى بتحطوها جوه الدير أنت بتساهم فى نقاوة الحياة الرهبانية، لذلك يجب أن تحافظ عليها وهذا أول نذر الفقر.

ثانيًا: نذر الطاعة

نذر الطاعة يعنى التخلى عن المشيئة الشخصية «الهوى الشخصي» مش بمزاجك فى قانون ونظام الدنيا مش سايبة وإذا كسرت قانون الدير لا تستحق بقاءك فى الدير الأول الفقر الاختياري، ثانيا الطاعة.

ثالثًا: نذر التبتل

التبتل القصد منه التفرغ الكامل للحياة الروحية مع الله ونقول فى الدير المسيح عريس نفسى ويصير حياة الراهب صباح ومساء يفكر كيف سيقابل المسيح وكلمة راهب فى اليونانية موناخوس MONAXOS تعنى متوحد واحد لوحده لكن فى اللغة العربية تعنى إنسانا يرهب وجه الله إنسانا حاطط أمامه وجه الله «جَعَلْتُ الرَّبَّ أَمَامِى فِى كُلِّ حِينٍ، لأنه عَنْ يَمِينِى فَلاَ أَتَزَعْزَعُ».

الأديرة القبطية فى حياتنا المصرية لها قيمة كبيرة جدًا، الأديرة واحات صلاة تصلى من أجل العالم كله، ومن أجل الأرض ويمكن أن نشبه أديرتنا بصلواتها المستمرة بأنها حارسة لحدود مصر فى الصحراء الشرقية والصحراء الغربية وجميع البقاع والأديرة تخرج منها الصلوات النقية لهؤلاء الآباء القديسين ويوم الراهب يبدأ من الساعة الرابعة فجرًا وتبدأ بصلوات مرفوعة وصولًا لصلوات القداس وصلوات شخصية ومن الحاجات الجميلة لما تلاقى راهب ماشي في الصحراء وفمه بيتكلم يقولك «أبونا بيزمر»، يعنى ماشي يقول مزامير حافظها وأبونا اللي في المطبخ عمال يقول مزامير وهو بيطبخ وحتى لما بنروح دير ونفطر نلاقى الفول طعمه جميل مهما كان الأكل بسيط بيكون مملوء بالبركة، وأتذكر أنى مكنتش احب البصارة وأول مرة أكلها كانت في الدير لما طلبت منى أطبخها وأنا ماسك المطبخ وقالوا لي «أعمل بصارة»، واللي يعمل حاجة يأكلها طبعًا، هكذا هى حياة الدير البسيطة وكل أديرتنا عامرة وبخير، أوعى تهتز.