الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

قال الفيلسوف.. الحلاج والسر

 الحسين بن منصور
الحسين بن منصور الحلاج
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من أطلعوه على سر فباح به لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا
وعاقبوه على ما كان من زلل وأبدلوه مكان الأنس إيحاشا
يعد الحسين بن منصور الحلاج "244 -309 هجرية" قائل هذين البيتين من أشهر وأغرب متصوفة العالم الإسلامي، فلغة المتصوفة بشكل عام "لغة خاصة بهم، أو تعبيرات فنية استقلوا بها في الإفصاح عن آرائهم وأغراضهم" وبعضها يعد من الأسرار المكتومة والبوح بها يعتبر خرقا لقواعد وقوانين التصوف يستلزم الإبعاد وحجب الثقة، وقد عبر الحلاج نفسه عن هذا في البيتين السابقين.
وكان كشف السر سببا في طرد الحلاج من مجلس الجنيد العلمي والحكم عليه فيما بعد على أنه خارج عن طريق القوم – المتصوفة – مما دفع الحلاج إلى تكوين تيارا خاصا به، وأفكار استقل بها عن متصوفة بغداد فكانت طواسينه من النتاجات المهمة التي وضع فيها عقيدته وآراءه وتعديلاته، بل وغرابته كلها فأصبح بيانا صوفيا متميزا في مادته وأسلوبه عن نصوص التصوف السابق واللاحق، ونستطيع الجزم بأن الطواسين نص يقع خارج إشكاليات التناص فلا توجد إشارة فيه على أنه منفتح على نصوص سابقة أو يتضمن نصوصا أخرى.
وإلى الأن ما زال الحلاج مغلقا بمجهوليات التاريخ المطمورة والمندثرة، وكل ما كتب عنه لا يفتح لنا بابا للنفوذ إلى شخصيته وملابساته الكثيرة إلا في حدود ظنية، هذا من ناحية شخصيته التاريخية، أما شخصيته الحقيقية "التي درسها ماسينيون" فهي: انفعالية، متمردة لا تأبه بالعقبات ولا بالقوانين السلطوية، فمن الناحية الصوفية تمرد على جميع المتصوفة معلنا إنشقاقه التام عنهم وعن قوانينهم وأطر تمرده هذا نظريا بالطواسين وعمليا برمي "الخرقة الصوفية" التي لم تحدث في تاريخ التصوف على الإطلاق، وأما الجانب السياسي فقد بين ماسينيون مدى اهتمام الحلاج ونشاطه بالإصلاحات الاقتصادية التي كانت متدهورة في عصره، واتصاله مع بعض الرجال المهتمين بهذا الجانب وهذا ما دفع السلطة السياسية إلى اتهامه بالقرمطة.
فكانت رسالة الحلاج ودعوته لإحقاق الحق على كل المستويات الدينية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية. لقد آثر أن يظل بعيدا عن بغداد حتى تصفو الأمور مبدلا الأوطان ومغيرا الخلان، وكان يفكر في الإنسانية كلها، وبعد رحلته الأخيرة لمكة 291 هجرية وعودته إلى بغداد، صرح علانية برغبته في أن يموت من أجل الإنسانية، وعرف المقربون له أن هذه الرحلة أن الحلاج قد تغير وأن هذه الرحلة تعد مفصلية في حياته بعدما أصبح يلقي بالأقوال الغريبة على قارعة الطريق ويصيح في الأسواق، وهو في حالة الانجذاب والطرب، فقد توصل الحلاج خلال هذه الرحلة إلى الفكرة والمنهج الذين يقومان على تغليب جانب الروح على الجسد، برياضة النفس بأشد ما تكون الرياضات لتمكين النفس من تقبل الرياضة الربانية التي يعجز البشر العادي عن أن يتحمل إشعاعها في نفسه، أنه يتجاوز ظاهر النص إلى باطنه كاشفا عن حركيته وغناه الداخلي، فكان في رأي الحلاج أن صاحب الدعوة ينبغي أن يمضي في دعوته إلى الغاية التي ما بعدها غاية، دون تراجع.
ورأى أنه ينبغي عليه إذا فشل في تحقيق فكرته، أن يبذل دمه ليغسل ذنوب البشر بسيل من ما تبقى من روحه الإنسانية، ليكون موته في حال إخفاقه سببا في ثقة الناس به، وتقديرهم لتضحيته، وإيمانهم بفكرته.