الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

عز الدين نجيب في حوار لـ"البوابة نيوز": قصور الثقافة أصبحت "ديناصورًا" مهمته التعطيل وليس العمل.. الشباب هم الأجدر بقيادة العمل وليس "موظفي الأقدمية"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لقصور الثقافة دور مهم وأساسى فى بناء الإنسان، الذى يُمثل دعامة المجتمع، ولكن بعد انتشار التكنولوجيا حولنا وفى جميع أرجاء حياتنا، أصبحت القصور الثقافية تُمثل أحد الموروثات القديمة، التى مع مرور الوقت ستقل حتى فى حكايات التاريخ، إذا لم تعُد وتستكمل دورها الذى أنشئت من أجله، وبسبب هذه الأهمية الكبرى كرس الفنان التشكيلى والكاتب عز الدين نجيب حياته كلها، لتعزيز دور قصور الثقافة وبنائها فى ظل إصراره الكبير على بناء الإنسان بناء سليمًا.
وفى حوار «البوابة» مع عز الدين نجيب، نكشف أهم التحولات التى مرت بها «الثقافة الجماهيرية» وكيفية استعادتها بشكل تنموى لدعم المجتمع من جديد.
فإلى نص الحوار..

■ حدثنا عن بداية قصور الثقافة الجماهيرية؟
- أول من اهتم بفكرة الثقافة الجماهيرية كان الكاتب الكبير أمين الخولى منذ عام ١٩٤٦، وكان اسمها فى ذلك الوقت «الجامعة الشعبية»، وانضمت وارتبطت بوزارة المعارف «التربية والتعليم حاليًا»، ولكنها بعد ذلك استقلت وأصبح لها انتشار خاص فى جميع المحافظات بنفس الاسم «الجامعة الشعبية»، وكان هدفها إعطاء الفرصة لأبناء الشعب للالتحاق بالتعليم.
مرتبطًا بالمعرفة والخبرات الحياتية من خلال ممارسة الهوايات والوظائف المؤهلة لممارسة الحياة.
■ وما الأطوار التى مرت بها الثقافة الجماهيرية؟
- بدأ تأسيس وزارة الثقافة لأول مرة فى عام ١٩٥٨، وكان أول وزير يشغل المنصب هو ثروت عكاشة، وهو من وضع مفهوم «ثقافة للشعب» لأول مرة، واستعار فكرة موجودة فى بعض الدول التى سبقتنا فى هذا المحور، فحول القصور من الإقطاع إلى قصور لخدمة الشعب، وبخاصة للثقافة، وتأسست هذه الفكرة لأول مرة بعنوان «الإدارة العامة لقصور الثقافة»، فعمل على هذه الفكرة وأسس العديد من القصور الثقافية فى المحافظات لأداء هذه الوظيفة، وكان ذلك يرتبط بنظام يوليو ١٩٥٢، المؤمن ببناء الإنسان، فى الوقت الذى يقوم فيه ببناء الاقتصاد والتنمية، فبناء الإنسان يرتبط فى الدرجة الأولى بالثقافة، لذلك كانت ميزانيتها عالية مثل ميزانيات التربية والتعليم.
ومكث «عكاشة» لمدة عامين أو ثلاثة أعوام وترك الحكومة، حتى جاء بعده وزراء آخرون لا يتمتعون بالقناعة نفسها والإيمان الموجود عند «عكاشة» مثل «عبدالقادر حاتم»، الذى ترك العديد من الأفضال، ولكن كان تركيزه موجها أكثر نحو الإعلام؛ لأنه كان مؤسس التليفزيون وهو من فتح القنوات لتوصيل الثقافة السياسية إلى جماهير عريضة داخل وخارج مصر، ففى هذا الوقت تبدل مسمى «قصور الثقافة» بمسمى «دور الثقافة».

■ ومتى بدأت العمل الحقيقى فى قصور الثقافة؟
- عينت منذ عام ١٩٦٣ فى قصور الثقافة، فور تخرجى فى كلية الفنون الجميلة، وبالرغم من تفوقى الجامعى تركت بعثة الجامعة وفضلت الالتحاق بقصور الثقافة، بناءً على إعلان قرأته عن فتح التعيينات لكل من يجد فى نفسه الكفاءة، وكنت الأول فى ترتيب اختبار القبول، وكانت هذه فترة تقع بين مرحلتين لتولى ثروت عكاشة وزارة الثقافة؛ حيث تولاها مرة أخرى فى ١٩٦٦.
وكانت فرصة التعيين مفتوحة أمامى فى أى قصر ثقافة كمكافأة لتفوقى باختبار ومسابقة القبول، فاخترت أن أذهب إلى أحد القصور الجديدة التى لم تُفتح، وأن تكون فى مرحلة التأسيس، فعلمت بوجود قصر ثقافة يُبنى فى الأنفوشى بالإسكندرية، فذهبت لبنائه وعشت تجربة بناء قصر من وضعه الأوّلى على الطوب حتى تحول لقصر مفتوح أمام الشعب لإشباع الاحتياج الثقافى.
■ ما الدافع خلف ترك الفن التشكيلى والاتجاه للعمل فى القصور الثقافية؟
- تركت موهبتى الفنية فى الفن التشكيلى لإيمانى بأن المثقف الحقيقى هو من يكون له رسالة اجتماعية ودور لدعم الشعب فى اتجاه تنمية وعيه، وانتقاله إلى فكر نقدى وتقدمى من خلال الثقافة بشكل خاص، فوجدت فى قصر الثقافة نموذجا لهذا الهدف وهذه الرسالة.
بعد قضاء عامين بقصر الأنفوشى، وبعد هذا النجاح الذى حققه، والتحاق عدد كبير من الفنانين والأدباء والشعراء به، وخروج عدد كبير من كبار الفنانين التشكيليين الحاليين من خلال ورشة قمت بعملها فى القصر، شعرت بضرورة خوض تجربة أخرى خاصة بعد علمى بوجود قصر ثقافة جديد يُنشأ ببورسعيد فى ديسمبر ١٩٦٤، فطلبت نقلى إلى بورسعيد وسط دهشة كل من حولى ممن عملت معهم فى قصر ثقافة الأنفوشي.

■ هل أخذك الحنين من جديد إلى الفن التشكيلى بعد الاندماج مع المسرح؟
- بعد مرور عامين من تجربتى فى قصر ثقافة بورسعيد، قررت أن أعود إلى القاهرة لممارسة دراستى وهوايتى فى الفن التشكيلي، فانتقلت إلى قصر ثقافة جاردن سيتى، الذى تحول حاليًا إلى «مركز ثقافة الطفل»، وكان أهم ما يميزه هو ورش الفن التشكيلى واهتمامه بها، وكان فى ذلك الوقت تحت إشراف الفنان الكبير الراحل «حسن سليمان»، واتفقت مع مدير القصر الابتعاد عن أى أنشطة ثقافية غير الفن التشكيلي.
■ أين ذهبت «قافلة الثقافة» حاليًا؟
- قافلة الثقافة التى أسسناها فى جيل المؤسسين، والتى نجحت فى اختصار المسافة بين النُخبة والجماهير، واجهت معارضة ومقاومة، انتهت نهاية تراجيدية بعد أن دافع عنها ثروت عكاشة وزير الثقافة، والرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
فرئيس الإقليم الجديد إبراهيم بغدادى، كان على النقيض، وعدوًا لليسار والفكر الثوري، فكان يقتنع بأسلوبه هو فقط فى الحفاظ على النظام من خلال تكميم الناس بإعطائهم ما يحتاجونه فقط، ولكن من وجهة نظره الشخصية، فأغرانى بأشياء كثيرة بعد بنائه قصرا كبيرا ومسرحا، وأراد استقطابي، حتى وجد أنى فى طريقى الذى بنيته فبدأ مقاومتى واستخدام العنف ووقف النشاط الثقافى.

■ ما رأيك فى أداء قصور الثقافة الحالي؟
- ما يحدث حاليًا فى قصور الثقافة عكس كل ما كان يحدث تمامًا، لا مُبادرة، لا مُشاركة مع الجماهير، لا تفاعل مع القضايا المُجتمعية، تضخم بيروقراطى مثل الديناصور، مهمته هى التعطيل وليس العمل والإضافة، فانتهى الأمر فى النهاية إلى جهاز مُعَوّق ومُعَوِق بشكل عام.
■ وما المعايير والمتطلبات التى يجب توافرها عند مسئول قصور الثقافة؟
- يجب أن يكون عنده الإرادة نحو العمل الثقافى، وتوافر الميزانيات المُخصصة للثقافة، وأن تكون مُتكافئة مع الدور والرسالة، وتربية كوادر من الموجهين الثقافيين أو المحركين الثقافيين، بأن يكون فى كل إقليم ثقافى يُخصص قصر كمركز تعليمى وتدريبى على أرض الواقع، من خلال أنشطة نموذجية تحت إشراف الخُبراء، ولا بد من تأكيد علاقة مستمرة بين عدة وزارات للقيام بهذا الدور، وهى: «قصور الثقافة، التربية والتعليم، والتعليم العالي».

■ وما الفترة الممكنة للنهوض بقصور الثقافة؟
- يتوقف على موعد البدء نحو ذلك، وأن يكون بنظام لا مركزى بتشغيل قصور ثقافة بمختلف المحافظات، مثل: الدقهلية، المنوفية، الشرقية.. وهكذا، فلو تحقق ذلك من الممكن فى خلال عامين فقط، يتم تخريج كوادر يُعهد إليها قيادة العمل الثقافى فى المحافظات، وأن يكونوا من الشباب وليس من الموظفين بالأقدمية الذين تربوا ونشأوا على البيروقراطية.
ويجب تشجيع فرق المسرح الإقليمى بأن يكون هناك ما يُشبه «الدوري»، أى تعمل فى كل المحافظات، وتشارك فى المسابقات لتتصاعد من الإقليم إلى مناطق الوجه البحرى أو القبلي، ثم على المستوى القومى فى النهاية، وأن يكون لها جوائز ومكافآت مجزية.
ولا بد أن تكون القراءة عنصرا رئيسيا بخلق الوضع المناسب من خلال الحوافز التى تُشجع كل الأعمار على القراءة، بالإضافة إلى مسابقات الشعر والأدب.
■ ما رأيك فى الوضع الحالى للحرف التراثية؟
- مشكلة الحرف التراثية تكاد تكون بلا حل بعيدًا عن الدولة، فالدولة هى الوحيدة القادرة على بث الحياة فى الحرف التراثية، وهى من بيدها فتح بيوت الكثير من الأشخاص بعد أن تفتح لهم الورش المناسبة.
وإغلاق الورش بعد أن أصبحت غير مناسبة لقيام الأسر، وبُعد الأهالى عن تعليم أبنائهم الحرف لما وجدوه من سوء عائد اقتصادى وظُلم لهم إذا عملوا فى المجال نفسه، كل ذلك يهدد مستقبل الحرف التراثية.

■ وكيف يمكن التغلب على مشاكل الحرف التراثية؟
- بأن نجعل من كل حرفى وحدة إنتاجية، حتى نصل إلى الحى الحرفى ثم القرية الحرفية والمدينة الحرفية، والتى من الممكن أن تقوم بدور كبير فى العائد الاقتصادى والجذب السياحى، وإشباع ثقافى للذات لما تقوم به من ابتكار وإبداع، وكل ذلك خارج منظور الدولة حاليًا بعد أن خرجت من الخدمة.
كما يجب تأسيس نقابى قوى للحرفيين يعطيهم حقوقا نقابية فى التأمين بالمعاش، تأمين صحى قوى ضد المخاطر؛ لأن دون هذه المظلة التأمينية سيظل الحرفى تحت رحمة الظروف.
■ هل يحقق الفن التشكيلى دوره فى المجتمع؟
- نتمنى وجود دور فعال للفن التشكيلي، ولكن هذا لا يحدث حاليًا؛ لأنه مرتبط بشروط غير متوفرة، ولا يمكن أن تقوم بها غير الدولة، فكل قاعات الفن التشكيلى التابعة للدولة تنحصر فقط فى ساحة الأوبرا والزمالك، وهى أماكن لا يزورها أى مواطن عادى لا ينتمى للفن لبُعد مكانها، فجمهور القاعات أصبحوا المنتجين نفسهم مع شريحة بسيطة جدًا من عشاق الفن واقتناء اللوحات.

■ هل توجد مؤلفات أدبية مقبلة؟
- أكتب حاليًا رواية تجمع بين الجانب الاجتماعى والسياسى والفني، تعتمد على مسرح أصبح أسطوريا بعد أن كان واقعيا، وهو مبنى «المسافر خانة»، فهو أحد القصور التى بُنيت فى القرن الثامن عشر على الطراز الإسلامى فى منطقة الجمالية، ويتميز ببداعته وجماله، تحول إلى مراسم للفنانين التشكيليين بعد خروجى من قصور الثقافة فى تجربة مريرة، فأراد ثروت عكاشة مكافأتى فأعطانى وظيفة به كمدير لمراسم الفنانين، وعلى مدى سبع سنوات فى هذا القصر كفنان حولته إلى ملتقى ثقافى، وتدور أحداث الرواية حول البطل الذى تعرض إلى مُلابسات عدة مرت به خلال فترة وجوده بالقصر، فانتهى نهاية تراجيدية بتدمير مرسمه، وحرق القصر كله الذى أصبح ذكرى.