الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

العلاقات التركية الأمريكية تدخل نفقًا مظلمًا.. أزمات متعددة وحلول غائبة.. هل القس برونسون السبب الجوهري للأزمة.. ولماذا تضامن كبار المسئولين بالولايات المتحدة مع ترامب؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأزمة التي تعصف بالعلاقات التركية الأمريكية حاليًا بسبب احتجاز قس أمريكي في تركيا، ليست الأولى التي تشهدها العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة وربما لن تكون الآخيرة لاسيما في ظل حكم الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان الذي شهدت علاقات بلاده مع الولايات المتحدة والغرب عموما، العديد من النزاعات والخلافات لكن اللافت في الأزمة الحالية هو حدتها والإجراءات الدبلوماسية العنيفة وغير المسبوقة التي استخدمها بلدان يرتبطان بعلاقات تحالف استراتيجي باعتبارهما عضوين في حلف الناتو.

فقد فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية بحق وزيري الداخلية والعدل التركيين، في حين ردت أنقرة بإجراء مماثل ضد وزيرين أمريكيين.
وتطرح هذه الأزمة التي تعكس - في رأي المراقبين - واقع العلاقات التركية الأمريكية الراهن، العديد من التساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء التوتر والخلاف بين أنقرة وواشنطن وانعكاسات ذلك على العلاقات الراهنة والمستقبلية بين البلدين، كما تسلط الضوء على مستقبل العلاقات بين واشنطن وأنقرة خصوصا في ظل الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الرئيس دونالد ترامب.
وقد تفجرت الأزمة الأخيرة على خلفية قضية القس الأمريكي أندرو برنسون الذي اعتقل في تركيا لمدة عام ونصف العام قبل أن يتم إطلاق سراحه الشهر الماضي على ذمة القضية حيث وُضع رهن الإقامة الجبرية ومنع من مغادرة تركيا، حيث يواجه تهما بالتجسس ودعم حركة الداعية الإسلامي فتح الله جولن المحظورة فضلا عن اتهامات بدعم حزب العمال الكردستاني.
وطالبت واشنطن أنقرة برفع الإقامة الجبرية فورا عن برنسون والسماح له بمغادرة تركيا بدون شروط، وهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي بفرض عقوبات على تركيا ما لم يتم ذلك، وهو ما رفضته أنقرة التي تطالب في المقابل بتسليمها عبدالله جولن المقيم في الولايات المتحدة والمتهم من قبل السلطات التركية بالإرهاب والتورط في محاولة الانقلاب الفاشلة قبل عامين.
وإزاء الرفض التركي للمطلب الأمريكي بإطلاق سراح برنسون بدون شروط، أمر الرئيس الأمريكي هذا الأسبوع وفي خطوة غير مسبوقة في العلاقات بين البلدين بفرض عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين تضمنت تجميد أي أصول يملكها الوزيران في الولايات المتحدة ومنع الأمريكيين من التعامل معهما، وفي مقابل ذلك ردت أنقرة بإجراء مماثل حيث أمر الرئيس التركي بتجميد أي أصول في تركيا لوزيري الداخلية والعدل الأمريكيين.

وحسب المراقبين، تبدو هذه العقوبات المتبادلة إجراء رمزيا أكثر من كونها ذات أثر حقيقي على العلاقات الاقتصادية بين البلدين لاسيما وأن وزيري العدل والداخلية التركيين نفيا امتلاكهما أي أصول في الولايات المتحدة، كما أنه ليس مرجحا أن يكون للوزيرين الأمريكيين أملاك في تركيا إلا أن محللين يعتبرون هذا الإجراء كاشفا عن عمق الأزمة التي تمر بها العلاقات التركية الأمريكية فهذه الإجراءات الدبلوماسية العنيفة بين البلدين تتنافى مع طبيعة العلاقات بين بلدين يفترض أنهما حليفان عسكريا.
كما تظهر التهديدات التي أطلقها كبار المسئولين الأمريكيين ضد أنقرة بسبب قضية القس برونسون ورد فعل الجانب التركي عليها، أن الأزمة بين البلدين أعمق وأكبر من هذه القضية وتتجاوزها إلى مسائل وملفات خلافية كثيرة ألقت بظلالها على مجمل مسار العلاقات بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، وقد تكون لها تداعياتها على مستقبل هذه العلاقات.
فالأزمة الحالية، وإن كان السبب الظاهر لها هو قضية القس برنسون، إلا أنها تخفي وراءها أسبابا أخرى كثيرة للتوتر القائم بين واشنطن وأنقرة وهي أسباب تعود في حقيقتها للخلاف القائم بين البلدين حيال الكثير من الملفات والقضايا الحاكمة للعلاقات التركية الأمريكية وفي هذا الإطار تبدو أزمة القس برنسون حلقة ضمن سلسلة من الخلافات والأزمات التي شهدتها العلاقة بين أنقرة وواشنطن حول عدد من الملفات الهامة التي لم تحسم بعد، وينتظر أن تظل مصدرا للتوتر بين الجانبين لفترة طويلة قادمة.
ويعد أول هذه الملفات الخلافية، هو الدعم الأمريكي للمقاتلين الأكراد في سوريا وتحديدا وحدات حماية الشعب التي تمثل القوة الأساسية في قوات سوريا الديمقراطية فقد سبّبت مساعدةُ الولايات المتحدة لهؤلاء المقاتلين قلقًا كبيرًا لتركيا وبينما تعتمد واشنطن على المقاتلين الأكراد في التصدي لتنظيم داعش من جانب وحاجتها إلى قوات موالية لها في شمال سوريا تتصدى للنفوذ الروسي الإيراني من جانب آخر، فإن تركيا تصنف وحدات حماية الشعب الكردية باعتبارها منظمة إرهابية بسبب ارتباطها، حسب ما تقول أنقرة، بحزب العمال الكردستاني.

ويرتبط الملف الثاني أيضا بالأزمة السورية ويتعلق بالتنسيق والتقارب بين تركيا وروسيا وإيران في إطار اتفاق أستانا لخفض التصعيد في مناطق الصراع في سوريا إلى جانب التقارب الكبير بين موسكو وأنقرة في قضايا استراتيجية مثل مشاريع الطاقة ومشتريات السلاح الروسي لاسيما بعد شراء أنقرة لمنظومة الدفاع الصاروخية الروسية "إس - 400"، وكلها أمور تثير مخاوف وانتقادات المسؤولين الأمريكيين.
كما تعتبر العلاقات التركية الإيرانية هي إحدى النقاط الخلافية بين واشنطن وأنقرة لاسيما بعد إعلان الرئيس التركي أن إيران شريك استراتيجي لبلاده، وهو الأمر الذي أثار غضب الإدارة الأمريكية التي تنظر حاليا إلى إيران باعتبارها أحد مصادر التهديد لمصالحها في المنطقة.
وقد بدأت الولايات المتحدة تتحدث عن دور تركي في مساعدة إيران في التحايل والتهرب من العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي ووجهت السلطات القضائية الأمريكية الاتهام لتسعة أشخاص بينهم ثمانية أتراك منهم وزير الاقتصاد السابق ومسؤولون مقربون من الحكومة التركية بعقد بصفقات بمئات ملايين الدولارات لحساب الحكومة ومنظمات إيرانية لمساعدتهم على التهرب من العقوبات.

وتعد قضية الداعية فتح الله جولن الذي تتهمه السلطات التركية بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت قبل عامين، هي إحدى القضايا الخلافية الساخنة بين واشنطن وأنقرة حيث طالبت تركيا السلطات الأمريكية مرارا بتسليم جولن الذي يقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية إليها لمحاكمته وهو ما ترفضه واشنطن.. وقد اقترح أردوغان مؤخرا مبادلة جولن مع القس الأمريكي برنسون وهو ما رفضته واشنطن أيضا.
وفي ما سبق، تبدو الأزمة الأخيرة في العلاقات التركية الأمريكية محطة جديدة من محطات التأزم في مسار هذه العلاقات والتي يرى بعض المحللين أنها مرشحة لأن تشهد أزمات أخرى قادمة بالنظر إلى التناقض الكبير في مواقف البلدين حيال الكثير من القضايا والملفات، ويزيد من احتمالات ذلك غيابُ آلية فاعلة لحلّ المشاكل العالقة بينهما فضلا عن أزمة الثقة المتزايدة في الشارع التركي إزاء العلاقات مع واشنطن حيث أظهر استطلاع للرأي أجري نهاية العام الماضي أن ثلثي الأتراك يعتبرون الولايات المتحدة أكبر تهديد لبلدهم وهو ما دفع البعض إلى وصف واقع العلاقات التركية الامريكية الحالي بأنه الأسوا منذ عقود.
وبينما يتوقع بعض المحللين أن يدفع هذا التأزم في علاقتها مع واشنطن والغرب عموما، وعدم التوصل لتسوية للخلافات القائمة، تركيا لمزيد من التقارب مع روسيا فإنهم يستبعدون أن يصل التأزم الحالي في علاقة أنقرة مع واشنطن إلى حد القطيعة الكاملة بينهما خصوصا في ظل المصالح المتشابكة والاستراتيجية بين الطرفين وحاجة كل طرف إلى الآخر ولكونهما عضوين في حلف عسكري واحد، وهذه حقيقة لا يمكن تجاوزها عند الحديث عن مستقبل هذه العلاقات.