الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نقطة جابت لنا «نوقطة»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فرق نقطة على حرف العين هو الفرق اللغوي بين العقل العربي والعقل الغربي، لكنها ليست نقطة عادية، بل إنها تفصل بين عالمين، بين التخلف والتقدم فى مناحى الحياة كافة

فى سؤال للدكتور محمد عادل زكي: لماذا لم يظهر علم عربى يسبق العلم الغربى، برغم تفوق الحضارة العربية فى عصورها الذهبية؟.

كانت الإجابة: لعل السبب، وربما الوحيد، الَّذى منع نشأة «علم» اقتصادى فى القرن العاشر، فى بغداد أو قرطبة، على الرغم من توافر جُل «الأشياء - الظواهر» الَّتى أنضجت العلم الاقتصادى، هو هيمنة الفقى «الكتابة صحيحة». فلقد كان الفقيه هو العالم الاقتصادي والمفكر الاجتماعي الذي يمتلك الإجابة عن كل ما هو اجتماعى. طالما لم يتقاطع موقفه مع مصالح السلطان أو يتناقض رأيه مع موقف مؤسسة الحكم. وما هو اجتماعي آنذاك لم يكن ممكنًا ذهنيًا فصله عن ما هو دينى. فجميع كتب ومؤلفات الفقهاء ترتب تريبًا معينًا فهى عادة تبدأ بالعقيدة، كمسائل التوحيد والطهارة والصلاة، حتى تبلغ إشكاليات الحياة الاقتصادية التى تصدى لها الفقيه بكل شمول؛ حيث اعتبرها واقعة فى إطار نفوذه المعرفى. فنجد معالجة للنقود والصرف والإيجارة والشركة والتأمين والأرباح والأجور... إلخ، وجميع هذه المعالجات وجدت مصدرها آنذاك فى مباحث الفقه وعلوم الشريعة. الفقيه إذًا كان هو المفكر الاقتصادي، وجميع ما يثار من مسائل تتعلق بالحياة الاقتصادية كانت محل إجابة من قبله. إجابة شرعية. وهو ما يعني عزل النشاط الاقتصادي، ذهنيًا، عن تفاصيل الحياة الاجتماعية وقوانين حركتها، فالفقر قدر، والأزمة ابتلاء كى يجزى الله الشاكرين، وارتفاع الأثمان غضب من الخالق، والبركة هى أساس التقدم على الأمم، وبالتالى لم يجد الفقيه ضرورة فى التعرف على الـ (لماذا) واكتفى بـ(ما هو). فلم ينشغل بلماذا تهيمن ظاهرة الفقر ابتداءً من قوانين موضوعية. إنما الاهتمام الأول كان بما هو الحكم الشرعى للفقر، والصبر عليه؟ وفى أفضل الأحوال كانت الإجابة معدة سلفًا إذ ما طرح الـ (لماذا). وهى الإجابة المرتبطة كليًا دائمًا بما هو غيبى لا بما هو اجتماعي.

وعلى نفس الخط، تساءل أحد المفكرين التونسيين منذ خمسة أعوام عن الفرق بين العقل الغربى الذى يشتغل ويتعب فينتج والعقل العربي الذي يشتغل أيضا ويتعب أيضا لكنه لا ينتج شيئا؟.

وكانت الإجابة: العقل الغربى عقل علمى عملى تطبيقى بموروثاته ومكتسباته الحضارية المتراكمة عبر آلاف السنين منذ ظهور الفلاسفة اليونانيين القدامى الأوائل ٥٠٠ سنة قبل ميلاد المسيح أمثال أفلاطون وأرسطو وسقراط، عقل يشتغل على حل مشاكل مادية واقعية تقنية محدودة ليستنبط لها حلولا تسهّل حياة المواطن العادى، ولم ينس هذا العقل العبقرى الاستثمار فى البحث العلمى بعيد المدى من أجل مستقبل أفضل للبشرية جمعاء دون تمييز.

أما العقل العربى فهو عقل غير علمى وغير عملى وغير تطبيقى بطبيعة تكوينه القاصر فى الجامعات العربية، عقل يشتغل خاصة فى المقاهى والإعلام والندوات والمحاضرات والمظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات وقطع الطرقات والتحايل على القانون والرشوة والمحسوبية وخوف ربى علنا وعصيانه سرا

العقل العربى مثل طاحونة، نصبُّ داخلها ماءً، تطحنه وتطحنه ثم تطحنه فيخرج ماء كما دخل مع تبذير الطاقة غير المتجددة فى غير محلها، فيصحّ علينا مثلنا العربى «أسمع جعجعة ولا أرى طحنا». 

أما البحث العلمى والتحضير لمستقبل أفضل فقد أوكلناه لرب العالمين ونعم الوكيل. صحيح أن رب العالمين ربما يحبكم لأنكم أمة محمد لكنه لا يعول عليكم لذلك أوكل مهمة العلم والعمل إلى صنائعه وعباده من العجم الغربيين والآسيويين

ولا يزال السؤال مطروحًا فى وسائل الإعلام والروايات والكتب الفكرية العربية: لماذا تقدم الغرب وتأخر العرب؟. 

فى المقابل، يرى أن العقل الغربي، خرج من اللاهوت القديم المنغلق، وتمرّد على تدخل الكنيسة فى كل أمور الحياة بعد أن كانت تنصب محاكم التفتيش، وتلاحق المفكرين وتعدمهم، فصار أكثر عقلانية وحرية، وصار الحكام فى الغرب يخشون من الرأى العام الذى يقف بالمرصاد لكل محاولات التعدي على الحقوق والحريات.

ويشير إلى أن الفضل فى تمرّد العقل الغربى يرجع إلى جرأة المثقفين والفلاسفة الذين كسروا التابوهات، ولم يستسلموا للكنيسة، مثل: فولتير، وهيجل، ونيتشه، وشوبنهاور، وجون لوك.

ويعتبر أستاذ الفلسفة الراحل فؤاد زكريا أن الطاعة من بين أكبر أمراض العقل العربي، إذ يعتبرها العرب إحدى الفضائل؛ لأنها الضامن الأكبر للتماسك والاستقرار فى المجتمع، وهى الدعامة الأساسية لاستتباب الهدوء والسلام بين الأفراد.

فى كتابه «لماذا تخلفنا؟ ولماذا تقدم الآخرون؟»، يوضح الكاتب شريف الشوباشى، أن العقل العربي لا يزال يعيش على الأساطير، والتفسيرات الخرافية، فى وقت انسلخت الحضارات الأخرى عن عالم الميثولوجيا والخرافات ودخلت إلى دنيا العقل والواقع.

بالطبع ما لم يذكره المفكرون المذكورون أعلاه، أن العقل العربي مهموم ومشغول الفكر «بالنص التحتاني»، وهو ما لا يعطيه أى وقت للانتقال نحو أى فرصة للتقدم.