وسط حارة ضيقة في ممر صغير تزين جدرانه رسوم فرعونية ومزخرفة بلون الذهب يربط بين شارع حسن نصرالله وعزبة نافع بالحي الراقي بمنطقة المعادي بالقاهرة، اختار "قاشونقا جمال"، شاب سوداني في العقد الثالث من العمر أن ينهي حياته شنقًا في ظروف غامضة مما أثار الرعب والذعر بين قاطني المنطقة، بعدما عثر صديقه على جثته معلقة في سقف الحائط بـ حبل.
منذ ما يقرب من 4 شهور قدم "قاشونقا"، الشاب البالغ من العمر 27 عامًا والذي فقد بصره بصحبه صديقه المدعو جاكسون لـ "محمد"، 55 عاما، وصاحب العقار رقم 12 المكون من 4 طوابق بشارع حسن نافع وطلبا منه تأجير غرفة في الطابق الأرضي نظرًا لقيامهما بترك مسكنهما القديم بمنطقة وسط البلد بسبب نفاد أموالهما وطرد صاحب العقار لهما لعدم دفع مستحقات السكن له، رق قلب صاحب العقار لكلمات الأشقاء الأفارقة ولم يتردد في فتح الغرفة لهم فضًلا عن قيامه بتزوديها بعدد من مستلزمات المعيشة حتى تساعدهما على مقومات العيش بداخلها، بعدما أخبره "جاكسون"، أن "قاشونقا" فقد بصره خلال مشاجرة منذ عامين ولا يمتلك أموالا وأنه هو من يتولى رعاية وتدبير شئون صديقه المالية بعد طرد صاحب العقار لهما.
كانت أمور الشابين تسير بطريقة طبيعة في المنطقة الهادئة ولم يصدر منهما تجاوزات في حق جيرانهم بالعقار، واستطاع جاكسون صديق الشاب المنتحر الحصول على فرصة عمل بأحد المحال الخاصة بتصنيع المأكولات السودانية بالقاهرة لكى ينفق على صديقه الكفيف، حيث إنه يذهب في الصباح للعمل ويأتي في المساء لمجالسة صديقه الذي كان دائم الإقامة في الغرفة لا يخرج منها إلا عند الذهاب لأحد الأطباء بمنطقة مصر الجديدة.
جاكسون كان بمثابة الأب الروحي للشاب المنتحر كما ذكرت إحدى السيدات والقاطنة بنفس العقار الذي شهد الواقعة، حيث إنه كان يقوم بإعداد الطعام له قبل الذهاب للعمل وغسيل ملابس صديقه فضًلا عن قيامه بشراء الملابس الجديدة له، ولكن بالرغم من كل محاولات جاكسون لإسعاد صديقه كان "قاشونقا" غير راضٍ عن حياته بسبب الحادث الذي تعرض له منذ عامين ونصف، فقد خلاله قدرته على البصر.
في صباح يوم الجمعة الماضي عاد جاكسون من العمل صباحًا وأعد الطعام وتناول وجبة الفطار مع صديقه حتى شعر بأنه في حاجة للنوم حتى استيقظ في تمام الساعة العاشرة صباحًا فوجد صديقه مشنوقًا بواسطة حبل حول رقبته وملقى على السرير بجانبه، حالة من الذهول والصدمة سيطرت على الشاب بعدما شاهد هذا المنظر المرعب، خرج جاكسون للشارع مسرًعا وطلب الاستغاثة من قاطني الشارع قائًلا: "ألحقوني صديقي مات في الأوضة".
لم تمر سوى لحظات قليلو وتجمع سكان المنطقة لمعرفة سبب صراخ الشاب السوداني "جاكسون"، حاول السكان تهدئته وطلبوا منه الدخول للغرفة لمعرفة سبب الحادث البشع الذي لم تشهده المنطقة من قبل بالرغم من وجود عدد كبير من الوافدين السودانيين القاطنين فيها، وبمجرد للدخول للغرفة لا تستطيع أن تتحمل رائحة الخمور المنتشرة في جميع أرجاء الغرفة وبدخول صاحب العقار وجد الشاب المنتحر ملقى على السرير الخاص بهما كما وجده صديقه.
بعد ما يقرب من ساعة من العثور على جثة "قاشونقا"، انتقل رجال مباحث قسم شرطة المعادي برئاسة المقدم إسلام بكر رئيس المباحث، لكشف كواليس الواقعة، وبسؤال صديقه أقر بأن صديقه قرر التخلص من حياته، لعدم مقدرته على توفير أموال لمعالجة آثار الحادث، وأنه دخل دخل في أزمة نفسية بسبب عدم قدرته على الإبصار، فقرر التخلص من حياته داخل شنقًا، والذي أقر بعدم اتهام أحد في موت صديقه نظرًا لعدم وجود عداءات لهما مع أحد، وأن الكل يعلم أن وضعهما المالي سيئ لذا استبعد قتل صديقه بسبب السرقة.
وقال حامد أحد شهود العيان أثناء سماع خبر وفاته كنت أمام المنزل وأثناء دخولي شاهدته ملقى على السرير وحول رقبته حبل ورائحته كريهة فلم أستطيع الدخول لحمله.
وأضاف الشاهد "أن الشابين أثناء إقامتهما فى الغرفة كانت رائحة المخدرات تفوح من شباك الغرفة فحاولت أخبار صاحب الشقة ولم يهتم.
وأخذت أم حياة إحدى قانطي العقار أطراف الحديث قائلة "مكنش بيشوف ولما بيخرج كان بيقع أمام المنزل وكنا بنعطف عليه وبديله الأكل والشرب كل يوم بسبب حالته المادية وتابعت الشاهدة "كان كل بيروح للدكتور بسبب فقد بصرة وانتحر عشان يأس من حياته وأضافت عندما سمعت صوت استغاثة صديقه أسرعت بالنزول من شقتى لأشاهد منظر بشع من أسوء المناظر واستنكرت "أم حياة" الحادث لأنها لأول مرة تحدث تلك الأمور بالمنطقة لأنها ممتلئة بالأفارقة وكنا أخوة.
تعود تفاصيل الواقعة عندما تلقى ضباط مباحث قسم شرطة المعادي، بلاغًا بانبعاث رائحة كريهة من داخل مسكن مواطن بالعقار رقم 21 دائرة القسم وبالانتقال والفحص تبين وجود جثة الشاب "قاشونقا جمال"، 33 سنة سوداني الجنسية عاطل، على السرير الخاص به، ومشنوقًا بواسطة حبل حول رقبته، ويرتدي كامل ملابسه. وباستدعاء أقارب المجني عليه أقروا بأنه يقيم بمفرده ودخل في أزمة نفسية بسبب تعرضه لحادث منذ عامين ونصف، فقد خلالها قدرته على الإبصار، وقرر التخلص من حياته، لعدم مقدرته على توفير أموال لمعالجة آثار الحادث.
وتحرر عن ذلك المحضر اللازم، وأخطرت النيابة العامة لمباشرة التحقيقات.
