الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

ما بعد حديث الرئيس عن "حرب الأكاذيب" في مصر.. شائعة كل 6 دقائق.. خبراء يطالبون بإنشاء مؤسسة للتصدي لـ"حروب الجيل الرابع".. فقيه دستوري: الإرهاب والشائعات وجهان لعملة واحدة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يثير حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي، لدى حضوره حفل تخريج الكليات الحربية، كثيرًا من الأسى عن حال وطن، يتآمر أعداؤه عليه صباحًا ومساءً، في حين تأخذ أبناؤه الغفلة، فلا يعرفون العدو من الصديق.
الرئيس كشف عن أن مصر تعرضت لـ21 ألف شائعة في 3 أشهر، وبحسبة بسيطة فإن ذلك يعني تعرضها لأكثر من 233 شائعة يوميًا، بمعدل 9.7 شائعة في الساعة، أي حوالي شائعة كل 6 دقائق، وهو رقم يشبه معدل الخصوبة في التسعينيات، حيث كانت مصر تستقبل مولودًا جديدًا كل 6 دقائق أيضًا، حتى وصلت إلى أزمة الانفجار السكاني الراهنة.


وإذا كان البعض يقلل من آثار حروب الشائعات على الشعوب، فإن التمعن في التاريخ ينم عن حقائق دامغة، فالثابت أن الشائعات لعبة، استخدمها الفراعنة، وانتهجها البربر، وبرع فيها التتار، الذين كانوا يتعمدون أن تسبقهم أكاذيبهم، بغرض المبالغة في قوتهم وبأسهم، ومن ثم إرهاب العدو، وهزيمته نفسيًا، من قبل حتى أن يواجههم. وفى الحرب العالمية الثانية، أولى النازي اهتمامًا كبيرًا بالشائعات، وأسس للمرة الأولى وزارة «البروباجندا» أي الدعاية، وكان على رأسها جوزيف جوبلز أهم مؤسسي علم الشائعات، وصاحب المقولة المأثورة: «إكذب حتى تصدق نفسك فيصدقك الناس».
خبراء يطالبون بإنشاء مؤسسة للتصدي لـ«حروب الجيل الرابع» فقيه دستوري: الإرهاب والشائعات وجهان لعملة واحدة.. وأستاذ صحافة: وسيلة لتدمير المجتمع
أمر خطير
إذن.. إن الأمر ليس كلامًا فى الهواء، الشائعات خطر داهم، والمؤكد أن انتشارها فى مصر، ليس عفويًا، أو ناجمًا عما يكتبه البعض على مواقع التواصل دون وعي، بل إن هناك أيادى عابثة تطلقها وتشعل نيرانها.

اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، يرى أن الشائعات خطر يهدد أمن وسلامة الوطن، فالمعلومات المغلوطة تعتمد التضليل وسيلة لزعزعة الاستقرار.
ويقول: «فى الوقت الراهن، لابد من وجود مؤسسة ما ترد على الشائعات أولًا بأول، وذلك إلى جوار مركز دعم القرار التابع لمجلس الوزراء».
ويضيف أن هذا المقترح بالغ الأهمية فى الوقت الراهن، فالمركز نظرًا لتعقيدات عدة ليس متواصلا على مدار ساعات اليوم الأربع وعشرين مع وسائل الإعلام، والمتعارف عليه أن نفى شائعة ما متأخرًا، لا يجدى كثيرًا فى وقف مخاطرها.. ويقول: «يجب أن نلاحق الأكاذيب بالكشف عن الحقائق، وكلما اتسم أداؤنا الرسمى بالشفافية هزمنا مخططات نشر الشائعات».
ويتابع «إن الغرض هو إحداث شرخ بين الشعب والنظام السياسي، وهناك أيادٍ خفية تعبث بعقول المصريين، بما يساعد على زيادة وتيرة الاحتقان والكراهية فى المجتمع، ومن ثم وانطلاقًا من قاعدة الوقاية خير من العلاج، على الدولة أن تبادر بكشف الحقائق أولًا بأول.
وينتقد اللواء نور الدين، ما سماه تقاعس مسئولين بالدولة عن الرد بسرعة على الشائعات قائلا: إنهم بذلك يساهمون فى نشرها، الأمر الذى يوحى للمواطن بأن كل ما ينشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى أو المواقع المغرضة.
من جهته، تساءل اللواء مصطفى مقبل، مدير أمن سوهاج السابق، عن سبب عدم الرد على الشائعات والأخبار المغلوطة التى يتداولها البعض فى حينها مؤكدًا أن تفشيها يترك المواطن فى حيرة من أمره.
ويضيف «انتشرت مؤخرًا شائعة بيع الدولة لصندوق مصر السيادى إلى إحدى الجهات، وظلت تلك الشائعة عدة أيام حتى ظهر تقرير مجلس الوزراء الأسبوعى لينفى ذلك، لكن هذا النفى فى تأخره ساهم فى نشر الشائعة التى التقطتها بالطبع أبواق الإخوان الإعلامية وفضائيات تركيا والدوحة و«عملت عليها فتة»!
وأكد مقبل، أن الوضع الحالى يستوجب إنشاء مركز إعلامى يكون جاهزًا للرد على أى أخبار يتم تداولها مهما كانت أهميتها، سواء بالنفى أو بالتأكيد، وخطوة جادة وحتمية لوقف الحرب الشعواء التى نتعرض لها.

عملة واحدة
ويقول الفقيه الدستورى الدكتور فؤاد عبدالنبي، إن قرار النائب العام الخاص بتخصيص أرقام هواتف لتلقى البلاغات الخاصة بالأخبار والادعاءات الكاذبة، على مواقع التواصل الاجتماعي، إنما هو خطوة فى الطريق الصحيح، فالإرهاب والشائعات وجهان لعملة واحدة، وكلاهما يستهدف الشباب محدودى الثقافة ويؤثر فيهم.. فيما يرى الدكتور السيد عتيق، الخبير القانوني، أن منصات التواصل الاجتماعي، أصبحت أهم المصادر الرئيسية فى تداول المعلومات التى يعتمد عليها مستخدمو تلك الوسائل، وعلينا أن نعى جيدًا أن هناك من ينشر بحسن نية، وهناك أصحاب نوايا سيئة.
لكن فى الحالات، فإن الشائعات ذات تأثير كارثى على المجتمعات، هذا بالإضافة إلى كبائرها الأخرى، ومنها الخوض فى الأعراض، واستعداء مكونات المجتمع ضد بعضها البعض، وصولًا إلى تفكيك المجتمع، وشق صفه.
ويعتبر قانون ترويج الشائعات جريمة جنائية تخضع للعقاب، طبقًا لنص المادتين ١٠٢ و١٨٨ من قانون العقوبات، والتى تقضى بمعاقبة كل من يتعمد نشر شائعات بهدف الإضرار بالمصلحة العامة للبلاد وتكدير الأمن العام أو إثارة الفزع بين الناس بالحبس والغرامة المالية.

وفى السياق ذاته، تقول الدكتورة منى عمران، رئيسة قسم الصحافة بأكاديمية «أخبار اليوم»، إن الشائعات صورة من صور الحرب النفسية، ويمكن القول إنها أبرز أسلحة الحرب العالمية الثالثة، وهى أسلحة من أسلحة الدمار الشامل.
وتضيف «الشائعة كالمرض الذى يتفشى فى الجسد، وما لم يتم علاجه سيؤدى لا محالة إلى الهلاك، وهى العدو الخفى الذى يحاول تدمير كل شيء، وينطلق من مصدر مجهول، يصعب تحديده بدقة».
وهناك أنواع متعددة للدعاية، فهناك دعاية بيضاء تعطى الأمل والتفاؤل الزائف وتبث الوهم فى النفوس، وهى ذات تأثير مدمر حيث يؤدى انكشاف الحقائق إلى إصابة الناس بالإحباط، وهو شعور خطير جدًا وذو تأثير سلبى جدًا على مستوى الانتماء.
وتضيف أستاذ الإعلام: «وهناك الدعاية الرمادية، وتلك تأتى من عدو غامض هدفه غير واضح، لكن يثير بلبلة داخل المجتمع، أما الدعاية السوداء فالغرض منها يتجسد فى تدمير المجتمع والوقيعة بين الشعب وقيادته وبين الشعب وذاته ومن ثم تحول البلد إلى شظايا، وهو وضع يمهد لحروب أهلية وانقسامات وخراب شامل.
وتتحدث عن وسائل القضاء على الشائعات، قائلة: «أولًا ينبغى فضح أمرها، والتحرك الوثاب النشط لوقفها ما إن تندلع، وذلك عبر الرد عليها سريعًا من جهة رسمية يثق بها الناس، كما ينبغى أن تعرض الدولة الحقائق أمام مواطنيها أولا بأول دون تقليل أو تهويل، فالقاعدة أن «الصدق منجي».

ومن جانبه يؤكد الدكتور جمال عبدالمطلب، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة بنى سويف، أن الشائعات من بين الأسباب التى تضر بوحدة المجتمع وتثير البلبلة بين المواطنين وتحضهم على التكاسل وإهدار طاقات العمل وإلقاء اللوم على الحكومة، كما تستخدمها الجماعات الإرهابية كأحد آليات غسيل المخ، خاصة مع صغار السن ومتوسطى التعليم ومنعدمى الثقافة، لتقليب الناس وزعزعزة ثقتهم فى الحكومة.
كما تساهم الشائعات فى إحداث حالات من البلبلة والفوضى الفكرية ما ينعكس على أداء الناس فى أعمالهم المختلفة، ومن إلحاق أضرار بالاقتصاد المصرى وخاصة تلك الشائعات المشككة فى المنتج المصرى وجودته.
كما تستخدم حروب الشائعات الأحداث اليومية العادية والتى تحدث فى كل بلدان العالم كحوادث الطرق والسرقات لإشاعة الخوف وتصدير الاكتئاب والسلبية وعدم المبالاة، ومن ثم علينا أن نواجه نحن المواطنين تلك الشائعات من خلال عدم تريدها واستيفاء المعلومات من مصادرها الرسمية وزيادة الثقة فى قدرة الدولة على تخطى العقبات والمشكلات الحياتية العادية كمشكلات الطرق وتوفير السلع والمنتجات.

برلمانيون: نتحرك لتغليظ عقوبة بث الأكاذيب
شدد أعضاء بمجلس النواب على ضرورة تعديل المادة ١٨٨ من قانون العقوبات، والتى تنص على «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نشر بسوء قصد أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقًا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبًا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة».
وأكدوا ضرورة إدخال تعديلات على تلك المادة بتغليظ العقوبة لكبح انتشار الأخبار الكاذبة والتصدى للكتائب الإلكترونية التابعة لجماعة الإخوان.

وقال النائب نضال السعيد، رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، إن القانون يقضى بأن من يخطئ يعاقب، ولكن العقوبة التى نصت عليها المادة ١٨٨ من قانون العقوبات، ليست كافية.
وأضاف السعيد، لـ«البوابة»، أن عقوبة نشر وترويج أخبار كاذبة ليست مناسبة لفوضى الشائعات التى انتشرت فى الآونة الأخيرة من قبل الكتائب الإلكترونية، لأعداء الوطن من أهل الشر.
وأشار رئيس لجنة الاتصالات بالبرلمان، إلى أن هناك أكثر من ٢ مليون حساب «أكونت» مستعار على «الفيس بوك»، ما يعد أمرًا فى غاية الخطورة، مضيفًا «نحن نسعى فى البرلمان لعمل ضوابط جديدة للمستخدمين تصب فى صالح حماية معلومات المواطنين وحياتهم الشخصية.. ولا يعنى ذلك مطلقا غلق هذه المواقع».
وتابع، «يصل كل شهر إلى اللجنة عدد كبير من الشكاوى من الجرائم الإلكترونية ويبلغ متوسطها نحو ٧٠٠ بلاغ شهريًا، وتتمثل فى جرائم السب والقذف والتشهير ونشر وترويج أخبار ومعلومات كاذبة، حيث أصبح الأمر يشبه الجرائم الجنائية».

وأكد النائب أحمد بدوي، عضو لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، أنه تم رصد ما يقرب من ٤٨٠٠ شائعة خلال ٣٠ يومًا، انتشرت بشكل كبير وتم تداولها على نطاق واسع عبر «السوشيال ميديا»، بخلاف وجود شائعات ثابتة يتم ذكرها بين حين وآخر مثل إلغاء البطاقات التموينية لمن يتجاوز راتبه الشهرى ١٥٠٠ جنيه، ورغم نفى الحكومة لهذه الشائعات إلا أن لجان جماعة الإخوان تحاول استغلالها ونشرها بشكل كبير بغية إحداث شرخ بين الدولة والشعب.
وأضاف بدوي، أن اللجنة تعد مجموعة من التشريعات على غرار قانون الجريمة الإلكترونية، سوف تطرحها على البرلمان فى دور الانعقاد المقبل، لمواجهة فوضى الشائعات المنتشرة على فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، موضحًا أن مشاريع القوانين المقرر تقديمها لن تكون قوانين موجهة لتكميم الأفواه.. كما يشاع!

وقال اللواء أحمد العوضي، عضو لجنة الدفاع والأمن القومى بالبرلمان: إن معدلات نشر الأكاذيب والمعلومات المغلوطة فى تزايد مستمر، مؤكدًا أن مجلس النواب يواجه بعض الصعوبات فى إصدار تشريع لإحكام السيطرة على الشائعات، ولكن من الممكن تغليظ عقوبة ترويج الأخبار الكاذبة لتصل لمدة لا تقل عن الـ١٠ سنوات وغرامة تتعدى ١٠٠ ألف جنيه.
وأشار العوضي، إلى أن البرلمان الماليزى أصدر خلال الشهرين الماضيين قانونًا لمكافحة الأخبار الكاذبة، وبموجبه يمكن التغريم عن كتابة أو تقديم أو نشر أخبار مزيفة بأكثر من ١٠٠ ألف دولار أمريكي، ومعاقبة مقترف هذه الجريمة، بالسجن لمدة تصل إلى ست سنوات، فتغليظ العقوبة سيكبح انتشار الأخبار الكاذبة.
وطالب عضو لجنة الدفاع بالبرلمان، المنصات الإعلامية المختلفة بأن تقوم بدورها فى توعية المواطنين بخطورة نشر هذه الشائعات والترويج لها والتفاعل معها.

الإخوان تسكن فى التفاصيل
حينما توجد شائعة ما، وتنتشر على نطاق واسع، فابحث عن الإخوان.. هذا الشيطان الذى يسكن دائمًا فى التفاصيل.
ففى جميع القضايا ذات العلاقة بالشائعات، كان الإخوان قاسمًا رئيسيًا، ولعل أبرز القضايا التى تتعلق بنشر الأخبار الكاذبة هذا العام هى القضية رقم ٤٤١ لسنة ٢٠١٨ حصر أمن دولة عليا، والمعروفة بالمحور الإعلامى لجماعة الإخوان، وتضم سياسيين معادين لنظام الحكم وصحفيين ورجال أعمال وعناصر إخوانية من الإخوان الهاربين إلى الخارج، فضلا عن قنوات تليفزيونية كالجزيرة القطرية ومكملين والشرق ووطن وشبكة التليفزيون العربي.
وتتعمد جماعة الإخوان تضخيم الآثار الاقتصادية الناجمة عن عملية الإصلاح، وتسعى إلى زعزعة الثقة بين الشعب والقيادة السياسية، عبر نشر الإدعاءات التى تستهدف تهييج الرأى العام.
ومؤخرًا لوحظ أن عملية فتح التابوت الأثرى فى الإسكندرية، اقترنت بالكثير من الشائعات، فمن قائل إنه التابوت كان مليئًا بكنوز كأنه «مغارة على بابا»، إلى مدعٍ أن جهات ما فى الدولة استحوذت على ما فيه، وهكذا لا ينقطع حبل الشائعات أبدًا، والخطير أن مواجهتها ليست على مستوى خطورتها.
عقوبة نشر الشائعات
المادة ١٨٨ من قانون العقوبات نصت بالحبس لمدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألفًا لكل من نشر بسوء قصد أخبارا أو بيانات أو شائعات أو أوراقا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.