الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أحمد زايد يرسم الصورة المثالية للهوية الوطنية والمسئولية

 الدكتور أحمد زايد
الدكتور أحمد زايد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعد كتاب الدكتور أحمد زايد "المواطنة.. الهوية الوطنية والمسئولية" الصادر عن دار العين للنشر 2018، من أهم الكتب الصادرة هذا العام في مجاله. حيث يتناول في ستة فصول متباينة الحجم المفاهيم الأكثر جدلا واشكالية لدى الباحثين في هذا المجال، خصوصا بعد 25 يناير 2011 وما أطلق عليه الربيع العربي.
يقدم الكتاب مفاهيم المواطنة، والهوية الوطنية، والمسئولية الاجتماعية، إذ يقرر الكاتب في مقدمته ان فهما مكتملا لهذه الموضوعات الثلاثة لم يكن ممكنا دون معالجة موضوعات أخرى مهمة في فهم قضية المواطنة وما يتعلق بها من قضايا مثل قضية العدالة الاجتماعية، ومفهوم المدنية وكذلك التعليم.
ويبدأ الكتاب بسياق العدالة الاجتماعية والحياة المدنية التي يتشكل في اطارها النظام الاجتماعي العام، ثم ينتقل الكاتب إلى درس قضايا المواطنة والهوية الوطنية، والمسئولية الاجتماعية ثم يختتم بتناول قضية التعليم من أجل المواطنة ودوره في بناء القيم.
• العدالة الاجتماعية
يتناول الفصل الاول من الكتاب مفهوم العدالة الاجتماعية بين الواقع والمثال، وضرورتها وارتباطها بالتنمية، منتهيا بتقديم تعريف لمفهوم العدالة الاجتماعية. وحسب الكاتب فالنظر إلى الهوية الوطنية على أنها تتخذ طابعا معينا – خاصة فيما يتصل بدرجة الانخراط الوطني – على أساس علاقنها بالسياق العام الذي تتكون فيه. يمكن في هذا الصدد ان تفترض انه كلما كان هذا السياق مؤسسا على المساواة والعدالة كلما سمح بتفتح الهوية الوطنية التي تتشكل في هذا الظرف على نحو تلقائي حر.
أما اذا غابت العدالة الاجتماعية قد يؤدي هذا إلى تشظي هذه الهوية واقسامها، ومن هذا المنطلق تكون العدالة الاجتماعية بمثابة الأرض الصلبة التي تنبت فيها بذور الهوية الوطنية.
فالحراك الثوري الذي ظهر في بقاع عديدة من العالم في 2011، ما هو حسب الكاتب إلا سعي نحو العدل ورغبة في العيش البسيط الذي يفيض فيه الحب والسلام، والتطلع إلى العيش الكريم الحر، ولا شك أن العيش الكريم لا يتحقق إلا في مجتمع عادل يسود فيه القانون وتصان فيه الحقوق والكرامة.
ويقول الكاتب: "ان هذه الصورة المثالية للمجتمع الذي يصبو البشر إلى تحقيقها ليست قائمة، وهي تشكل صورة مثالية تختلف اختلافا كبيرا عن الواقع. كما ان تحقيق هذه الصورة ليس سهلا، بل انه يكون مستحيلا، فثمة دائما درجات ومستويات تبقى دائما غير مكتملة وناقصة، وهذا الوضع هو الذي يجعل الجدل لا ينقطع بين الواقع والمثال ويجعل من العدالة الاجتماعية، وان تتلمس بشكل دائم المزيد منها"، ويعرج بنا الكاتب حول تأثيرات العولمة حيث يقول: "إن ظروف العولمة وما يرتبط بها من أشكال اللامساواة والتهميش، والاقصاء تعمل على ظهور المشاعر والنعرات المحلية والعرقية، وتبدو الثقافات المحلية وكأنها في حالة من العراك الدائم"، هنا تتحول صور الانتماء الوطني التي تتسم بالشمول والكلية إلى صور من الانتماء المحلي والديني والعرقي والثقافي، الأمر الذي يضع قضية المواطنة على المحك.
تصبح المواطنة في ظروف العولمة في أزمة حقيقية، ويصبح الانتماء الوطني في مهب الريح، ومن هنا يكون الأمل دائما معقودا على درجة من العدالة الاجتماعية التي تحد من الإقصاء والتهميش والفقر، ومن ثم تعيد إلى المجتمع تماسكه، ويكون من المفضل في هذه الحالة دائما كما يقول الكاتب: "ان تبنى برامج التنمية على أسس توازنية تشاركية، ويقصد بالتوازن هنا التوازن بين طبقات المجتمع من ناحية، والتوازن بين الدولة والمجتمع من ناحية أخرى، يتحقق التوازن بين طبقات المجتمع إذا ما استطاعت التنمية أن توزع عائداتها على كل الطبقات، دون أن تترك فئة في الخلف، وأن تحقق قدرا من المساواة في الحصول على الحقوق والفرص، ويتحقق التوازن أيضا إذا ما حافظت الدولة على استقلالها تجاه الطبقات الاجتماعية، فلا تكشف عن تحيز لأي فئة على حساب الفئات الأخرى، بل تنظر بعين واحدة إلى كل الطبقات الاجتماعية. أما التشاركية فتعني إعطاء الفرصة لكل أعضاء المجتمع ومؤسساته للمشاركة في ضوء أهداف عامة محددة، وفي حضور التوازن والمشاركة تصبح العدالة الاجتماعية ممكنة".
• الدولة المدنية
يتناول الفصل الثاني "الدولة المدنية ومنظومة قيم المواطنة" حيث سمو العقل وتجاوز العنف والفوضى وسلطان القانون وبناء منظومة القيم المدنية، فيما يؤكد الكاتب على ان تأسيس الدولة المدنية هو الكفيل بسيادة الروح التي تمنع الناس من الاعتداء على بعضهم البعض، من خلال تأسيس أجهزة سياسية وقانونية خارجة عن تأثير القوى والنزعات الفردية أو المذهبية، تستطيع ان تنظم الحياة العامة وتحمي الملكية الخاصة، وتنظم شئون التعاقد، وتطبق القانون على جميع الناس بصرف النظر عن مكانتهم وانتماءاتهم، وتشكل أجهزة الدولة بناء مستقلا مجردا لا يمثل أي نزعة فردية أو مذهبية، وانما يمثل ارادة المجتمع، أي الإرادة العامة. يعني ذلك ان فكرة الدولة المدنية تنبع من إجماع الأمة ومن إرادتها المشتركة".
فالدولة المدنية حسب ما يطرحه الكاتب تعرف على انها اتحاد من أفراد يعيشون في مجتمع مدني يخضع لنظام من القوانين، مع وجود قضاء يطبق هذه القوانين من خلال إرساء مبادئ العدل، فمن الشروط الأساسية من قيام الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر، فثمة دائما سلطة عليا – هي سلطة الدولة – يلجأ إليها الأفراد عندما تنتهك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك.
هذه السلطة هي التي تطبق القانون وتحفظ الحقوق لكل الأطراف، وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم، ومن ثم فإنها تجعل من القانون أداة تقف فوق الأفراد جميعا، يخضعون له، وهذا الخضوع هو الذي يحقق لهم مصالحهم في العيش المشترك وفي الحياة المشتركة، ولا يمكن للقانون أن يقوم بهذه المهمة إلا إذا كان مستقلا، لا يمس من قبل سلطات المجتمع الأخرى "التشريعية والتنفيذية"، أو من قبل الجماعات والمؤسسات المؤثرة "جماعات الضغط والأحزاب، والنقابات، والمجتمع المدني والإعلام".
ومن خصائص الدولة المدنية التي ذكرها الكاتب، أنها تتأسس على نظام مدني من العلاقات التي تقوم على قيم السلام والتسامح وقبول الأخر والمساواة في الحقوق والواجبات.. الخ، ولا تستقيم الدولة المدنية إلا بشروط المواطنة حيث يتعلق هذا الشرط بتعريف الفرد الذي يعيش على أرض هذه الدولة، فهذا الفرد لا يعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته، وانما يعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا بانه مواطن، أي انه عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات. ويشترط أيضا للدولة المدنية خصيصة مهمة وهي الديمقراطية حيث تمنع من ان تأخذ الدولة غصبا من خلال فرد أو نخبة أو عائلة أو أرستقراطية أو نزعة أيديولوجية، فالديمقراطية حسب الكاتب هي وسيلة الدولة المدنية لتحقيق الاتفاق العام والصالح العام للمجتمع كمنا أنها وسيلتها للحكم العقلاني الرشيد.
وأخيرا فان الدولة المدنية لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة، ان الدين يظل في الدولة المدنية عاملا اساسيا في بناء الأخلاق وفي خلق الطاقة للعمل والإنجاز والتقدم، هذه وظيفة للدين أصيلة في كل المجتمعات الحديثة الحرة.
• المواطنة تعريفها وأنماطها
وفي الفصل الثالث يناقش الدكتور احمد زايد، المواطنة من خلال تعريفها وأنماطها كذلك العوامل المفسرة للاندماج الاجتماعي. فيعرف المواطنة بأنها الهوية القانونية التي تحدد وضع الأفراد ومكانتهم داخل الجماعة السياسية، وهي هوية يكتسبونها بوصفهم أعضاء في المجتمع، بحيث يكون للفرد شخصية قانونية، تمنحه حقوقا وتفرض عليه واجبات معينة في إطار ثقافة مدنية، أي في إطار منظومة من القيم يقرها الأفراد بوصفها فضائل مدنية.
وترجع أهمية هذا التعريق للمواطنة إلى أنه لا يقصر المواطنة على الهوية القانونية التي تركز عليها النصوص الدستورية والقانونية، وانما يربط بين هذه الهوية أو الشخصية القانونية للمواطن وبين ما ينبغي عليه من واجبات وما له من حقوق. ويقربنا هذا التعريف من الرؤية السوسيولوجية للمواطنة بوصفها اداة لتأسيس النظام الاجتماعي العام، أي لتحقيق علاقات مستقرة ومستمرة بين أفراد المجتمع تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات، وعلى الاحترام المتبادل والتسامح، فالنظام الاجتماعي العام يتألف من علاقات ايجابية مستقرة بين مواطنين يتساوون في الحقوق والواجبات، وينظمون سبل معاشهم في ضوء قواعد ثقافية وقانونية استقرت بحكم العيش المشترك وديمومة العلاقات.
• المواطنة والهوية الوطنية
يتناول الدكتور أحمد زايد في هذا الفصل مراحل الهويات من الهوية الذاتية إلى الهويات الوسطى وصولا إلى الهوية الوطنية وكذلك مراحل بناء الهوية الوطنية، حيث يبدا هذا الفصل بطرح أسئلة مهمة منها: إلى أي مدى تتقاطع المواطنة مع الوطنية، وهل يمكن أن تقاس المواطنة بمدى انغراس الوطنية في الذات الفردية؟
وللإجابة عن هذه الاسئلة كما يقول الكاتب: ".. انتقل البحث من مستوى الحديث عن المواطنة إلى الحديث عن الهوية الوطنية، فالذات تبحث بشكل دائم عن هوية، عن مكان تلجا غليه لكي تأوي فيه. ان الذات قد تأوي نفسها في فضاءات عدة تبدأ من الأسرة، فجماعة الرفاق، فالعائلة او القبيلة، فالإقليم، فالوطن فالعالم باسره؟
وتشكل هذه الانتماءات هويات فرعية عديدة للذات، ولكن تبقى الهوية الوطنية – الانتماء العميق إلى الوطن بتاريخه ولغته وصور نضاله "نجاحاته واخفاقاته" وأهدافه العامة ونظامه السياسي – يبقى هذا الانتماء هو الأصل الجامع لكل هذه الانتماءات، وبذلك فان الهوية الوطنية تكون هي الهوية المركزية التي تنطلق فيها كل الهويات الفرعية وتتكامل معها. وفي هذا السياق يتجه هذا الفصل نحو الحديث عن الهوية الوطنية بوصفها هوية مركزية، فيوضح أساسها الاجتماعي وكيفية تشكلها عبر الزمن، وعلاقتها بالهويات الأخرى، ودورها في تحقيق التوازن النفسي للأفراد، كما يكشف عن الأليات التي يتحقق بها التكامل الوطني، أو ما يسمى ببناء الهوية الوطنية.
• المواطنة والمسئولية الاجتماعية
أما الفصل الخامس "المواطنة والمسئولية الاجتماعية" والذي يعرف فيه الكاتب "المسئولية الاجتماعية" حدودها ومستوياتها، وشروط تحققها، حيث المسئولية الاجتماعية حسب الكاتب تعتبر حجر الزاوية في بناء المواطنة، فالمواطنة تتأسس على توقعات متبادلة بين المواطنين، في ضوء الأدوار التي يؤديها كل واحد منهم، وهذه التوقعات المتبادلة غالبا ما يكون لها معنى في الثقافة السائدة وتنظمها الأعراف والعادات والقانون، وتصاغ التوقعات المتبادلة بين الأفراد والجماعات في ضوء معايير مثالية حول الأدوار الاجتماعية. كما يقول زايد: "كلما التزم الفرد بما يتوقعه المجتمع منه، كلما كان أقرب إلى هذه المعايير المثالية. وكلما تحققت في المجتمع مستويات عليا من الالتزام بتوقعات الدور كلما حقق المجتمع درجة عالية من الانضباط والتدفق في انجازاته. وتنقلنا قضية الالتزام بتوقعات الدور إلى صلب موضوع المسئولية الاجتماعية في سلوك المواطنين، فالشعور بالمسئولية هو الذي يلزم الفرد بالالتزام بما يتوقعه منه المجتمع كمواطن وهو الذي يدفعه إلى مزيد من العمل من اجل الصالح العام"، على هذه الخلفية يتناول هذا الفصل المسئولية الاجتماعية، فيحدد معناها ويقدم تحليلا لحدودها وانماطها المختلفة، ويعرض للشروط التي تزدهر فيها المسئولية الاجتماعية.
• التعليم من أجل المواطنة
يتناول الدكتور أحمد زايد في هذا الفصل قضية التعليم وتأسيس منظومة القيم على نحو عام، مع الإشارة إلى الخصوصية التربوية حال أن تطل براسها عبر النص.
فالمنظومة التعليمية حسب زايد هي أحد المكونات الأساسية في المنظومة التربوية الكلية للمجتمع، والتي تضم الأسرة والمؤسسات التعليمية "المدارس والجامعات" ووسائل الإعلام. ويمكن أن نطلق على هذه المنظومة التربوية الكبرى منظومة "نسق" تكوين الالتزام، ويعني ذلك ان المهمة التي يقوم بها هذا التنسيق التربوي هي في نقل التراث الثقافي والاجتماعي للمواطنين، بحيث يخرجهم إلى المجتمع وقد أصبحوا أفرادا قادرين على أداء الأدوار المنوطة بهم وفق أعلى درجات الالتزام الاخلاقي، وتعد المنظومة التعليمية "أو نسق التعليم" أحد المكونات الجوهرية في هذا النسق التربوي، بل يمكن القول أنها المنظومة الأساسية بعد الأسرة، وربما قبل الأسرة في بعض المجالات.
فيكشف الدكتور أحمد زايد في هذا الفصل الدور الذي تلعبه المؤسسات التعليمية "في المدارس والجامعات" في التكوين القيمي والاخلاقي في المجتمع. وهو يسعى في هذا الفصل إلى ابراز العلاقة بين أهداف التعليم وبين تكوين القيم الأخلاقية التي يرسي دعائمها التعليم وينتهي في هذا الفصل بدراسة بعض الأليات التي من خلالها تنتقل هذه القيم عبر المؤسسة التعليمية سواء التعليم العام أو التعليم الجامعي.