الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإنسان حيوان متناقض

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تنشغل الفلسفة والعلوم المعاصرة كثيرا بمقولة فكر المراجعة، من منطلق السؤال الجوهرى: كيف نعرف أننا على ضلالة إن كنا على ضلالة؟ مشكلة التفكير هو الثقة المفرطة فى الجهاز الذى يعمل من خلاله، كيف نفكر وفى أمر، ونفكر فى الطريقة التى نفكر فيها فى الوقت نفسه؟ سؤال تململ كثيرا فى تاريخ الفكر البشرى، استوقف أرسطو، ديكارت، كانط، جيوردانو برونو... ولكن بلا نتيجة نهائية..
تنويعات
الغالب على طريقة التفكير فى العلوم الاجتماعية هو البحث الجوهرى – على كراهة الفلاسفة الجدد لهذا المصطلح المثقل بالإحالات التاريخية التى لم تعد صالحة للاستعمال، ولا هو صالح طرحها ببساطة على أيامنا- البحث فى جوهر الأشياء، ما يمثله الفرد وجماعته، ثم ما يمكن أن يحمله هذا الفرد إلى جماعته من عناصر حياتية تصبح هى نفسها مادة للتأمل العلمى، وهو غالبا عنصر يحمل فرادة وقابلية للتحول فى شكله، فى محمولاته وفى إمكانيات تحوله، عناصر تنبهت إليها باكرا الفينومينولوجيا فطرحت المقاربة «الإيبوخية» التى تؤدى إلى تعليق الأحكام المتوارثة حول أى موضوع للتأمل من أجل فتح باب للجدة والفرادة، هذا البحث الجوهرى يقابله البحث العلائقى فى العلوم التطبيقية، أين يصبح جوهر المادة فقيرا فى خدمة الظواهر، ليترك مكانه للعلاقات التى تدخل المواد فيها حالات حمالة لأوجه الوصف والفهم أولا ثم التحليل والتأويل فى مرحلة لاحقة.
تميل الفلسفة المعاصرة إلى التخلى عن أفكار مثل اللوغوس واليقين والحقيقة والجوهريات – بالمعنى المتوارث- لفائدة طرائق فى الفهم أقل حدة: الحقول، الميادين، الحساسيات، الهابيتوس، الملامح، المقاربات، المحاورة...ذلك أن الميراث الفلسفى فى نزعته لإخضاع كل شىء للعقل ثم المنطق والأخلاق ثم الأخلاقيات غالبا ما كان يعمل ضد الاتجاه الذى يدعيه: فيأتى مكان العقل الجهل بعمق «البشري» لفائدة الـ«أنا»، دائرة الحدث العنيفة التى تتقوى دائما بواسطة سياسات الإقصاء. ويتراجع المنطق كمفهوم متعال لفائدة المنطق كسياسة ذاتية، وكاستراتيجية خطابية تعمل على رسم الحدود، ويتفتت التعالى لفائدة تجربة الحد، وينسحب السؤال: «كيف يمكن التفكير في..؟» إلى الإجابة الاستعمارية التى لا يسبقها سؤال أصلا: «هذه الطريقة التى أعرضها هى الطريقة الوحيدة للتفكير فى...».
أما الحقيقة فى ظل هذه المقدمات فتصبح خطاب هيمنة يعتمد على حيلة واحدة ووحيدة هى «من يملك الحق فى الكلام/السرد/ القرار»... أما الوجوه المغيبة للحقيقة، والتى تتراوح بين حالة الوشم الموجود والمختفى فى آن واحد وبين حالة الذكرى التى يفسرها الطبيب اللا مبالى بالآثار الجانبية للإصابات التى يهدف العلاج إلى طرحها irruptions traumatiques، هذه الوجوه تصبح هى البنية الغائبة للحقيقة والأسباب الكامنة لسقوطها بعد حين.
زبدة القول
تعالج الفلسفة المعاصرة مشكلة سطوة الجواهر المتوارثة بواسطة تقديم حل ظرفى هو العمل على تقديم المقاربة العرضية للعالم كحل ناجع لإدراج مقاربات مختلفة، لطرح الأسئلة القديمة لفائدة أسئلة جديدة، ولقول كلمة وقتنا بدلا من جرجرة كلمات درسناها فاستحوذ الدرس على الدارس، وتحولت حياتنا إلى كتاب فتح مرة ولم يغلق بعد، يقينيات تستحوذ على العقل بأداة آتية من خارجه فينسى أن يفكر بأنه عليه أن يفكر. ماض يكبر فى كاميرا اللغة إلى درجة أن يسيطر على الشاشة ثم على قاعة العرض ثم يتعاظم أمره فى ظل هيبة المشاهدة لكي يعلو على الأرض وينسينا شكل السماء الحاضر الفعلى المحايث الذى كانت مهمنا الأولى هى التعرف عليه.