الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مناورة.. أم طلاق بائن؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عقيدة المراوغة أصبحت مألوفة فى السياسة الأمريكية.. مواقف صارخة معلنة، وأخرى مناقضة لها يتم تداولها سرًا داخل دوائر صُنع القرار الأمريكي الأمثلة عديدة، من عمليات خداع على نطاق العالم كذريعة للتدخلات العسكرية فى المنطقة منذ عام 2003، ثم حروب التصريحات التى تخوضها منذ أعوام مع إيران، وحتى خلال الأحداث التى عاشتها مصر منذ عام 2011. الأربعاء قبل الماضى خصصت لجنة الأمن القومى فى الكونجرس جلسة استماع لبحث وضع تنظيم الإخوان والجماعات التابعة له على قائمة الإرهاب الدولي. التحول الخطير يفرض التوقف أمام عدة حقائق، يعود بعضها إلى عقود، يصعب قراءة هذا الإجراء بعيدًا عن الربط بينها.
الثابت بالدلائل أن علاقة «جماعة البنا» مع أمريكا تعود إلى سبعة عقود.. تغيرت عبرها طبيعة هذه الصلة بين مصالح متنوعة، بداية بتضافر جهود الطرفين من أجل محاربة الشيوعية، تلاها اهتمام أمريكى بكل الحركات التى تتبنى سلخ المواطن العربى عن عقيدة المواطنة والانتماء للوطن، ما يوافق مبدأ تنظيم الإخوان، والأهم دفع كل الحركات التى تسعى إلى إرباك وتفتيت القوى الأمنية النظامية - تحديدًا الجيش - منذ الخمسينيات برمج الفكر الأمنى الأمريكى مساراته على أن «التراضى الصامت» الذى يربطه بالتنظيم هو الضامن لتهدئة أى توترات إسلامية تصل إلى العنف قد تحدث فى أمريكا.. وهى حقيقة وثقتها محاضر اجتماعات قادة تنظيم الإخوان مع كبار مسئولى وكالة الاستخبارات الأمريكية والبيت الأبيض والكونجرس. هجمات 11 سبتمبر لم تُغير فكر أمريكا المبرمج على استغلال الإخوان، أو ما أطلق عليه «الإسلام السياسي» كحائط صد لحماية أمنها القومى من التنظيمات الجهادية ما برر استمرار تواجد الإخوان وأنشطتهم التنظيمية بعلم وموافقة السلطات الأمنية.. أبرز مظاهر هذه «الحميمية» ظهرت علنًا بعد انتخاب الرئيس السابق أوباما وتعاطف مسئولى إدارته مع أطماع الإخوان، كما دفعت الإعلام ومراكز البحوث إلى الترويج لاعتبارها أكبر تنظيم سياسى معارض!. 
جموح الرئيس الحالى ترامب ومغادرة وجوه مؤثرة من مسئولى إدارته أبرزهم، مستشار الأمن القومي، وزير الخارجية، وزير الدفاع، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، لتحل مجموعة «صقور» سياسية، لا ينفى التزام ترامب بوعوده الانتخابية.. لعل أهم ما يمس المنطقة العربية توقيع قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، ثم ما حدث منذ أيام من إجماع إدارة الرئاسة الأمريكية بالتوافق مع أهم لجان الكونجرس، المؤسسة الدستورية الأعلى والهيئة التشريعية فى النظام السياسي، إلى الجمع بين الإخوان والتنظيمات الإرهابية بعدما أخفقت لجنة الشئون الخارجية داخل الكونجرس فى الحصول على موافقة وزير الخارجية السابق لمناقشة إدراج الجماعة ضمن قوائم الإرهاب خلافًا لتوجهات الوزير الحالى بومبيو، وصقور إدارة ترامب خصوصًا مع التقاء أجندة أولوياتهم التى تقتصر على قضية أمن أمريكا القومى فقط بعيدًا عن أى اعتبارات أخرى مع طرح جلسة الاستماع من جهة مؤثرة ونافذة مثل لجنة الأمن القومى المعنية بأمن أمريكا القومى وليست لجنة الشئون الخارجية.
مشهد الفصل جديد من المواجهة بين أمريكا وتنظيم الإخوان يستدعى تعبير شائع فى جهاز الموساد الإسرائيلى عند صدور قرار تنفيذ اغتيال شخصية ما هو «إخراج الملف من الدرج».. بالتالى تتجه الشواهد إلى تأكيد وعود ترامب منذ دخوله البيت الأبيض إدراج الجماعة على قوائم الإرهاب، تحديدًا وأن بيان لجنة الأمن القومى حول هدف الجلسة ذكر بوضوح «كلمة السر» وراء الضربة الأمريكية المرتقبة للإخوان «التهديد الذى تشكله تنظيمات الإخوان على الأمن القومى والمصالح الأمريكية» ما يدعم جدية قرار «إخراج ملف الإخوان من الدرج». قراءة أخرى فى إطار العودة إلى تاريخ أمريكى حافل بمناورات «حروب التصريحات» العلنية ضد دول وجهات راعية للإرهاب، مثل إيران أو حتى مسميات مختلفة لتنظيمات الإخوان، بينما هى تستخدمها منذ عقود ورقة ضغط لتوجيه مصالحها فى المنطقة العربية.. هنا يطرح السؤال نفسه، هل قررت أمريكا طى ورقة الضغط - مؤقتًا - إلى حين اقتضاء مصالحها مستقبلًا إبرازها من جديد.
الجلسة أسقطت «ورقة التوت» التى طالما سترت بها أمريكا عورات إحدى أدواتها - تنظيم الإخوان - حيث بلغ الخلط ذروته عام 2011 بالجمع بين الديمقراطية وكذبة «جماعة معارضة سياسية منظمة جاءت للحكم عن طريق الانتخابات!».. بصرف النظر عن ملابسات هذه الانتخابات وعدم ثبوت نزاهتها، ما يؤكد أن وهم «صناديق انتخابات الإخوان» لم يكن سوى كذبة كبرى كشفت عن الممارسات الديكتاتورية للجماعة.
قرار أمريكا وضع حدًا لمشاهد «المتسكعين» بين طرقات مبنى الكونجرس واستجداء من يسمع أكاذيبهم، مع وضع إدارة ترامب ملف الإرهاب كأولوية، من شأنه خلق إطار من التنسيق أو الضغط على «حلفاء» آخرين، فى ملف احتضانهم أنشطة جماعات الإخوان خصوصًا إذا ما لوحت أمريكا بأوراق الاستثمار والمبيعات العسكرية والدور الأمنى الذى توفره.. وإمكانية تعرضها للخطر فى عدم تحجيم هذه الأنشطة.