الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

مدير المخطوطات بمكتبة الإسكندرية في حواره مع "البوابة نيوز": آلاف الوثائق بعيدة عن الأضواء الإعلامية.. إتاحة المحتوى التراثي في صورة رقمية ونشرها على قاعدة بيانات إلكترونية

دكتور مدحت عيسى خلف
دكتور مدحت عيسى خلف في حواره لـ«البوابة نيوز»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تكن مكتبة الإسكندرية القديمة مجرد خزانة للكتب، بل كانت من أهم مراكز الإشعاع الحضارى والثقافى للعالم القديم، تلك المكتبة التى أسست للعلم الحديث فى شتى فروع المعرفة وكانت منارة يهتدى العالم بنورها فى مجالات شتى، ويحكى تاريخ المكتبة القديمة تاريخ عصرين من عصور الاحتلال الأجنبى لمصر، ولا تقل أهمية مكتبة الإسكندرية الحديثة بحال عن أهمية مكتبتها القديمة، فقد تم العمل على مشروع إعادة إحياء هذا الإرث العظيم بالتعاون ما بين مصر والأمم المتحدة، حيث بنيت المكتبة الجديدة بالقرب من الموقع الذى كانت تحتله المكتبة القديمة، فالمكتبة تسير على خطى المكتبة الأم، فهى لا تزال إلى يومنا هذا حلقة وصل ما بين الشرق والغرب، وبوتقة تمتزج فيها مختلف الثقافات الإنسانية. ومما ضاعف من أهمية المكتبة تلك التقنيات الحديثة التى زودت بها، خاصة أرشيفها على شبكة الإنترنت، ومن بين أهم المراكز داخل أروقة المكتبة «مركز المخطوطات» والذى نظرا لأهميته أجرينا هذا الحوار مع دكتور مدحت عيسى خلف، مدير مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية.

■ لمكتبة الإسكندرية القديمة دور مهم فى تاريخ العلم والعلوم.. فما دور المكتبة الآن؟
- الأصل الذى بنيت عليه المكتبة قديمًا وحديثًا هو المعرفة، فمثلما قدمت مكتبة الإسكندرية القديمة العلم اليونانى ممزوجًا بالحكمة المصرية على أيدى علمائها الكبار، تقدم المكتبة الجديدة المعرفة فى ثوب محدث وباستخدام التكنولوجيا العصرية التى تتناسب والتطور غير المسبوق فى تاريخ البشرية.
المكتبة القديمة أنتجت فلسفةَ أوريجين والأفلاطونيين المحدثين، وأنتجت محاولةَ التوفيق بين الدين والفلسفة، واحتوت مكتبتُها القديمةُ على أعظم كنوز المعرفة الأكاديمية، ولمعتْ فيها أسماءُ علماءَ كبارٍ من أمثال: أقليدس، وديميتريوس الفاليري، وهيبارخوس، وكلوديوس بطلميوس، وثيون، وهيباتيا.. وها هى مكتبتها الجديدة تشرُف بأن تحتضنَ بين أروقتِها العلميةِ المؤتمرات والندوات العلمية المتخصصة، حيث يلتقى صفوةُ العلماء والمفكرين لمناقشةِ قضايا تراثية وفكريةٍ تسهم فى كشف الحجب عن تراث الإنسانية عمومًا، والتراث العربى الإسلامى خصوصًا. بالإضافة إلى برنامج ثرى لكل الفنون الأدائية.

■ بصفتكم مدير مركز المخطوطات بالمكتبة، فهل سحب المركز البساط من دار الكتب والوثائق المصرية، وما أهم الفروقات بين الهيئتين؟
- ليس هناك منافسة بين المؤسسات الكبيرة، بل ثمة نوع من التعاون والتكامل فيما بيننا، قد تكون دار الكتب متميزة فى امتلاكها كنوزًا كثيرة من المخطوطات والوثائق المملوكية والعثمانية النادرة، أما مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية فإنه بالإضافة إلى ما يمتلكه من كنوز من المخطوطات الأصلية، يقدم خدمات بحثية متخصصة للباحثين المتخصصين فى التراث المخطوط، حيث يقيم المركز دورات متخصصة فى الفهرسة والتحقيق وفنون المخطوط، للمهتمين بالشأن التراثي، ويحاضر فيها عدد من خبراء الفهرسة وأساتذة علم المخطوطات، وقد نجحت هذه الدورات فى استقطاب باحثين مصريين وعرب من حملة الماجيستير والدكتوراه بالإضافة إلى مفتشى الآثار المهتمين بمجال المخطوطات.
■ ما طبيعة عمل مركز المخطوطات بالمكتبة؟
- تركز سياسة المركز الخاصة بتنمية محتواه على الآتي: أولًا: مجموعة المخطوطات الأصلية التى تقارب الخمسة آلاف مخطوط؛ ثانيًا: فهرسة المجموعات الخطية التى يمتلكها المركز (الأصلية، والمصوَّرة)؛ ثالثًا: التوجه الأكاديمي، وما يتضمنه من فعاليات علمية تحافظ على التراث وتتيحه للباحثين. ويهتم مركز المخطوطات- فى سبيل تحقيق ما يصبو إليه- بعقد شراكات مع المؤسسات العالمية ذات الخبرة فى مجالات العمل التراثي، سواء بشكلٍ دائمٍ، أو دوري من خلال المؤتمرات والندوات والمعارض، ويهدف المركز إلى إتاحة المحتوى التراثى فى صورة رقمية، عن طريق رقمنة المجموعات الخطية المحفوظة بالمكتبة ونشرها على قاعدة بيانات إلكترونية.
■ ما ضوابط الاطلاع على الوثائق فى المركز؟
- الحصول على المخطوطات أمرٌ ميسَّر فى مكتبة الإسكندرية، بشرط استيفاء شرط كون طالب المخطوط باحثًا متخصصًا فى علم المخطوط الذى يرغب فى الحصول عليه، ويمكن للباحث أن يحصل على صورة ورقية من المخطوط أو صورة إلكترونية، أما مجرد الإطلاع فقط على المخطوط فهو من حق الجميع. وليس هناك أى حظر على إتاحة أى نوع من المخطوطات. ونحن فى مكتبة الإسكندرية- مثلًا- لا يتعدى وقت حصول الباحث على نسخته المصورة نصف ساعة.
■ يقوم المركز بإصدار بعض المطبوعات، ويشكو بعض الباحثين من ارتفاع أسعار الكتب التى تصدرونها، فهل أسعار كتبكم باهظة الثمن فعلًا وكيف يتسنى للقراء الاطلاع عليها؟
- بعض كتب المركز تصدر فى طبعات أنيقة، وتتكلف طباعتها كثيرًا، ولكن أكثر الكتب تكون فى متناول الجميع طلابًا وباحثين.

■ ما أهم المخطوطات التى تحتفظ بها مكتبة الإسكندرية؟
- لدينا فى مكتبة الإسكندرية بعض نوادر المخطوطات، ومنها: مخطوط «الرَّد على المعطِّلة» لأبى عبد الله محمد بن على بن الحسين الترمذي، الملقب بالحكيم الترمذي، المتوفَّى ٣٢٠ ه، ومخطوط «السُّنن» الجزء التاسع، للإمام محمد بن يزيد، المعروف بابن ماجه، المتوفى ٢٧٣ هـ، ومخطوط «سبعة مجالس فى الحديث» من إملاء الحافظ أبى الفضل عبد الرحيم العراقى الشافعي، المتوفى ٨٠٦ هـ. ومخطوط «رسالة أبى داود إلى أهل مكة» للإمام أبى داود سليمان بن الأشعث السجستاني، المتوفَّى ٢٧٥ هـ. ومخطوط «سَد الأرَب من علوم الإسناد والأدب» للشيخ محمد الأمير الكبير المالكي، المتوفى ١٢٣٢ هـ. ومخطوط «مجموع إجازات» الشيخ على بن حسن الأزرارى السَّكندرى المالكى الخلوتي، كان حيًّا ١٢٧٦ هـ. ومخطوط معرفة علوم الحديث وأنواعه. المؤلف: الحاكم النيسابورى (أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن محمد الشافعي) المتوفى ٤٠٥ هـ / ١٠١٤م.
■ ما أهم المخطوطات التى لم يسلط عليها الضوء حتى الآن؟
- آلاف المخطوطات لم يسلط الضوء عليها حتى الآن، فعملية نشر المخطوطات نشرة علمية محققة تسير ببطء لا يتناسب مع حجم التراث المخطوط، ولا بد من الاهتمام بالتراث العلمى المخطوط أولًا.
■ فى تاريخ مصر الحديث كانت هناك ألوان مختلفة من الاستعمار، واستطاعت قوى الاستعمار وبعض الفاسدين فيما بعد تهريب عدد كبير من المخطوطات، فهل هناك طريقة لاستعادة هذه المخطوطات مرة أخرى؟
- تهريب المخطوطات يتم منذ القدم، أما استعادة هذه المخطوطات فيتم بالطرق الرسمية من خلال وزارة الآثار ووزارة الثقافة ووزارة الخارجية، وإن كان كثير من المخطوطات لا يتم الإعلان عنه- بعكس الآثار- وهو ما يجعل المعلن عنه من المخطوطات أقل، فتقل بالتالى فرص استعادته، ولا ننسى أن حركة انتقال المخطوطات عبر العالم كبيرة، وهو ما يصعب أمر إثبات ملكية بلد ما للمخطوط؛ إلا فى حالة كون المخطوط من النوادر المشهورة عالميًّا.
■ هناك بعض الكتاب والمثقفين يوصون بالتبرع بمكتباتهم الخاصة بعد موتهم لمكتبة الإسكندرية، فكيف تستفيد المكتبة بهذه المكتبات؟
- بالفعل لدينا العديد من المخطوطات والكتب النادرة المهداة من قبل أصحابها أو من قبل الورثة، ومن أهم هذه الإهداءات مخطوطات الشيخ الحصري، ونوادر كتب ومخطوطات عبدالرحمن بدوي، وإهداءات عبد العزيز باشا السنهوري، وكل هذه الإهداءات تتم بدون مقابل مادي؛ إيمانًا من المهدين بأن مكتبة الإسكندرية هى أفضل بيئة لحفظ هذا التراث من الضياع، ولتأكدهم من أن إهداءاتهم ستتاح للبحث والدراسة والاطلاع، ولن تبقى حبيسة الخزانات الزجاجية. وتظل المخطوطات المهداة تحمل اسم مُهديها مدى الحياة.
■ ما دور مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية فى نشر المعرفة التراثية؟
- يعمل مركز المخطوطات التابع لقطاع البحث الأكاديمى بمكتبة الإسكندرية على المساهمة الفعالة فى إنتاج ونشر المعرفة التراثية من خلال ثلاثة محاور: أولًا: التأليف وإعداد البحوث التراثية.. وهو ما يُوليه المركز عناية خاصة، حيث قام المركز خلال العام المنصرم بنشر كتاب (الآثار العربية.. منتخبات من أبحاث المؤرخ جواد علي). كما انتهى من تأليف وإعداد كتاب بعنوان (أثر مدرسة الإسكندرية المتأخرة فى الفلسفة الإسلامية)، وهو جزء فى سلسلة يُخطط لها لتصدر فى خمسة كتب تبحث الأثر الواضح لفلاسفة مدرسة الإسكندرية المتأخرة فى فكر الفلاسفة المسلمين. وصدر مؤخرًا تحقيق لمخطوط (الأوزان التى لم يأتِ مثلها فى كلام العرب)، وكتاب الأعمال البحثية الخاصة بندوة (الحسن بن الهيثم بين الشرق والغرب). هذا ويُراعى فى كل الأبحاث والكتب التى تصدر عن المركز أن تمر بمرحلة التحكيم العلمى الدقيق قبل النشر.
ثانيًا: الترجمة.. وتأتى كثانى المحاور التى يقوم من خلالها المركز بنشر وإنتاج المعرفة، حيث أصدر المركز خلال هذا العام ترجمة عربية لمجموعة بحوث إسبانية تحت عنوان (التراث الموريسكى المخطوط). كما يعمل حاليًا باحثو المركز على ترجمة أبحاث من الإنجليزية والفرنسية فى مجال علم صناعة المخطوط أو ما اصطلح على تسميته بالكوديكولوجي، بالإضافة إلى الانتهاء من ترجمة أبحاث ومقالات المستشرق والطبيب الألمانى ماكس مايرهوف فى تاريخ الطب العربي.
ثالثًا: إقامة الفعاليات الأكاديمية.. ويأتى هذا المحور الثالث كمُكمل لدورى المحورين الأول والثاني.
■ ما الصعوبات التى تواجه التراث المخطوط؟
- هناك صعوبات قاهرة كالحروب والكوارث الطبيعية، وهناك صعوبات خاصة بالكوادر البشرية كنقص الكوادر المتخصصة فى الكوديكولوجيا والفهرسة والخطوط العربية، ومن الصعوبات كذلك غلبة الروتين على بعض المؤسسات التى يناط بها إتاحة صور المخطوطات للباحثين، وهو ما يجعل الباحث يعانى كثيرًا للحصول على نسخة مصورة من مخطوط. أما الصعوبة الأكبر فى نظرى فهى عدم وجود فهارس لكل الخزانات الخطية فى العالم، ما يجعل الباحث غير عالم بمحتوى كل خزانة من المخطوطات، فنظل جاهلين بتراثنا المخطوط.
■ ما نوعية المخطوطات الموجودة بالمكتبة؟
- فى مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية مجموعة مميزة من المخطوطات الأصلية فى كل العلوم المختلفة (طب، فلك، رياضيات، صيدلة، كيمياء، فلسفة ومنطق، علوم شرعية، وعلوم لغوية، ومجموعة مميزة من المصاحف). بالإضافة إلى أكثر من مائة ألف مخطوط مصور من المكتبة البريطانية، ومكتبة تشستر بيتي، ومكتبة الإسكوريال، والمكتبات الإيرانية والتركية، ومعهد المخطوطات العربية.
■ من المهتمون بالمخطوطات؟
- المترددون على مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية كثر، منهم الباحثون فى العلوم الشرعية وعلوم اللغة، وكذلك المختصون بالعلوم التطبيقية، ودارسو الفن، والأثريون. أما الحصول على المخطوط فهو مختص بأماكن محددة مثل مكتبة الإسكندرية، ودار الكتب والوثائق، والأزهر الشريف، ووزارة الأوقاف، ومعهد المخطوطات العربية. وأظن أن أغلب هذه المؤسسات تضع مجموعة ضوابط للحصول على نسخة مصورة من أى مخطوط، ويأتى على رأس هذه الضوابط تخصص الباحث فى العلم الذى يحويه المخطوط.