الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

غير الطبيعي.. طبيعي أيضًا "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أول شىء يتعلمه الطفل هو «الطبيعي» «the normal.. أول قانون يُزرع فى عقله هو أن الاختلاف شىء غير محبب بالكلية.. عندما تصل قطعة اللحم الضئيلة، التى يشكلها البشر المختلّون لتصبح مثلهم إلى سن الثالثة، تجده يلاحظ المختلف ويشير إليه بتعجب.. هذا الطفل المتوحد، غريب لأنه يتحرك وينظر حوله بتلك الطريقة.. تلك الفتاة تمتلك شعرًا ورموشًا بيضاء، تبدو بشعة.. ذلك الفتى الذى يرتدى نظارات طبية خلفها عينان جاحظتان، ما خطبه؟ تلك المرأة العجوز التى تسكن شارع بيته، لديها شعر أشعث وملابسها رديئة ومتسخة، لا بد أنها الساحرة الشريرة التى رآها فى أفلام الكارتون.. هذا الرجل الذى يمتلك رجلًا واحدة، هل هو «أبو رجل مسلوخة» الذى يخيفونه به طوال الوقت بأنه سيأكله إذا فعل أمرًا يغضبهم؟ ثم يكبر هذا الطفل، بهذه الرؤية، ويلاحظ كل من حوله.. طالما أنهم غير طبيعيين، يملكون علامات تميزهم عن الباقى، ولا يشبهونهم، فمن الأفضل له الابتعاد عنهم، وظن أنهم غرباء، لا يشبهونه من الداخل كما من الخارج.. ليسوا بشرًا مثله، بكل بساطة.
ظاهرة التنمّر «bullying» فى مدارس الأطفال، لم تكن موجودة، لو أن الطفل تعلم من أول يوم وجد فيه على الأرض، أن جميع البشر واحد، ولا يوجد أى اختلاف، سوى فى الظروف.. لن يعتدى على زميله المنعزل، لأنه يعى جيدًا، أن سبب انعزاله هو أمر قاسٍ مرّ به، وربما يصبح مكانه يومًا ما.. لن يخرج بعد ذلك إلى العالم الخارجى بشخصيته المضطربة، حيث يريد لكل الناس أن يشبهوه من الخارج، كى يستحقوا الاحترام.. إننى مما تعلمته من هذا العالم المشوه، أنه لا يعرف قيمة الإنسانية، وحقيقة أن جميع البشر واحد سوى اثنين فقط، الطفل فى أول سنتين من عمره، وهذا الشخص الذى يطلقون عليه لقبًا مختلفًا.. لقد تركنا الطبيعى لكم، انعموا به، فلن تحظوا أبدًا بقلب المختلف، ولا عقله، الذى يجعله يعرف، كم أن جميعكم مجرد صور منسوخة عن بعضكم البعض، لا اختلاف، ورغم ذلك دائمًا ما يكون بينكم خلاف.
تقول لى نفسى: «يجب أن ترد على الناس الذين ينتقدونك.. تبدو تعليقاتهم وكأنهم لم يستمعوا لكلماتك بإمعان!!» فيرد عقلى: «إن الحديث مع الأشخاص الذين ينشغلون عن الكلمات التى تُقال لهم بتجهيز الرد عليها لا يُجدى الكلام معهم نفعًا أبدًا، إنهم لا يسمعوننى على كل حال! لا أريد أن أكون مثلهم، فأنشغل بالتفكير فى تعليق أرد به عليهم، بينما أقرأ ما كتبوه عنّى، فلربما كانوا على صواب لا أدركه أنا. ثم إننا بذلك سندخل فى دائرة مغلقة من نقاش، كل شخص فيه يحدّث نفسه بدون أن يعى كلام الآخر، لأنه ليس مكانه، لا يعرف السبب الحقيقى وراء كلماته، ببساطة لأنه ليس هو! سيخرج كل منّا ظانًا نفسه قد انتصر على الآخر، وأثبت صحة وجهة نظره المقدسة بنفس القدر، ولا أحد منّا اكتسب فكرة واحدة جديدة من الممكن أن تزيد من مداركه لبعض الأمور التى غفى عنها سهوًا.. الرد إضاعة للوقت وإرهاق للنفس.. دعيهم يا نفسى يعتقدون ما يريدون، لأن النهاية فى الحالتين هى نفسها، إذا أنا حاولت مقاومة اعتقاداتهم تلك أو لم أفعل! ضعاف العقل فقط هم من يصرخون، واضعين أيديهم على أعينهم خشية نور الشمس أن يعميهم، أما العقلاء، فيراقبون بعين صقر فى صمت مضجر.