الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مئوية مولانا الفنان "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فقد الشيخ إمام عيسى بصره بعد شهور من مولده، فى الخامسة.. ذهب إلى الكُتاب لحفظ القرآن الكريم، تشكل وعيه الموسيقى فى السابعة مع أمه وعماته وهن يغنين أثناء تنقية القمح وفى مناسبات الحج، قال لى إن الحال كان يصل بهن إلى البكاء، كانت «أبوالنمرس» تتبع الجمعية الشرعية (مقرها الرئيسى فى المغربلين)، وكان من أهداف هذه الجمعية عندما يحدث «فرح» فى بلد يتبعها يخرج واحد من الجمعية ليلقى محاضرة تتناول مراسم الزواج، وما يجب أن يحدث، وآخر يلقى تواشيح بعد المحاضرة.. يتم اختيار ثلاثة للعمل ككورال لهذه الموشحات.. وكان أبو إمام دائما وسط الكورال المختار.. وبالتالى مولانا معه، أعجب أحد المشايخ الكبار بالطفل، وطلب من أهله الذهاب إلى الجمعية بعد إتمام المصحف لتعلم التجويد وشئون الدين، عندما ختم المصحف جاء القاهرة مقيما.. حيث الجمعية، كان مؤسسها من الصوفيين الأفاضل، وهوالشيخ محمود خطاب السبكى.. تعلم التجويد على أحد رجال الجمعية، وكان إماما من أئمة علم القراءات.. وعمل مساعد موشح ثم تمت ترقيته حتى أصبح موشحا.. ظل فى هذه الجمعية حوالى أربع سنوات إلى أن توفى مؤسسها الشيخ السبكى.. كان الراديو فى ذلك الوقت حديثا، وكان محمد رفعت العلم الوحيد للإذاعة، يقرأ مرتين كل أسبوع (جمعة وثلاثاء)، وكان الشيخ مفتونا به، أما فى الجمعية فكان سماع القرآن فى الراديو حرامًا.. إلى أن «ضبطه» أحدهم وهو يستمع إلى الشيخ رفعت فى الراديو فذهب وأبلغ الجمعية عنه.. ففصلوه!
وعندما علم الأب بخبر فصله، ضربه وشتمه، فأصبح بلا مأوى يجلس نهارا فى جامع سيدنا الحسين وليلا ينام فى «الأزهر»، وعن هذه الفترة يقول: «شاهدت الويل.. وعرفت الكثير.. كم سرقت منى (عمم) وأحذية فى (الأزهر) وأنا نائم.. كنت (أتلفلف) فى الحصيرة مثل (الكرنبة)، وأستيقظ أجد نفسى (مقرفص) والجو ثلج بلا عمة ولا حذاء وحالتى (كدر)».
فى هذه الفترة جاءه رجل وهو جالس ذات يوم فى جامع سيدنا الحسين وقال له: السلام عليكم يا سيدنا الشيخ، فرد: عليكم السلام.. وقدم له نفسه.. وقال إنه يعمل عند باشا يدعى عبدالنور باشا.. ودائما يكلفه بجلب مقرئين من «الحسين» للقراءة عنده كل خميس، ويعطى «نفحات»، وقال إنه سمعك ويريد أن يأخذك للقراءة عنده.
يوم الخميس كان مولانا على أهبة الاستعداد، لابسًا الجبة والقفطان.. جاء الرجل.. وخرجا، كان الجو صيفا فى عز بؤونة فى الواحدة بعد الظهر، وظلا يمشيان لأكثر من ساعة وسط اللهيب، إلى أن دخلا إلى مكان أحس إمام أن فيه نسيما وقال الرجل له: نحن الآن فى حديقة الباشا.. والباشا عادة ما يكون نائما فى هذا الوقت.. وباستطاعتك أن تنام قليلا، وسوف أوقظك فى الرابعة لتلبس ملابسك وتصعد له.. وقال اخلع «هدومك» لكى أعلقها لك، فرد إمام: عندما أدخل الغرفة التى سأنام فيها فقال له بأنه سيأخذه وملابسه بعد ذلك إلى تلك الغرفة.. فقال: إننى لا أستطيع إلا داخل الغرفة فأخرج سكينا وقال: تقلع ولا تتقطع؟ فخلع كل ملابسه، باستثناء ما يستر العورة.. وأخذ كل شىء وتركه.
يحكى مولانا عن هذه الواقعة المفزعة والدموع تتساقط من عينيه:
«ظللت أبحث فى تلك الحديقة عن أى شىء.. دون جدوى، فانهمرت فى البكاء.. لا ذبابة ولا عصفورة.. تعبت من البكاء ومن الوقوف ومن الجلوس.. ثم جاءتنى فكرة.. أبحث عن الباب الذى دخلنا منه.. وأقف إليه.. رحت أبحث دون جدوى إلى أن وجدت المدخل.. وبعد فترة سمعت صوت أقدام.. فتصدرت لصاحبها.. فخاف.. وظننى عفريتا.. كل هذا وأنا على يقين أننى فى حديقة.. وصرخت فى الرجل: أنا بنى آدم.. وأخيرا جاء.. وعايننى وتأكد أننى إنسى.. وعندما سألته عن صاحب الحديقة قال لى: أنت فى مقابر اليهود.. وحكيت له الحكاية.. فأخذنى إلى قسم البوليس لعمل محضر.. ثم أخذنى إلى بيته وأعطانى جلبابا وحذاء.. وأمر زوجته بخدمتى وجلست عنده ثلاثة أيام.. لا أذكر اسم هذا الرجل الكريم.. الذى كان يسكن فى منطقة تسمى «كوم الشيخ سلامة».
بعد الأيام الثلاثة قادته قدماه إلى «حوش قدم» الحارة التى كانت تغنى مصر بحنجرتها.. وللحديث إذا أراد الله بقية.