الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مونديال ترامب.. بوتين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أمام الفشل الذى يطارد ترامب فى سياسته الدولية فإن أمله الوحيد أن يحقق انتصارًا معنويًا فى الشرق الأوسط لكى يستعيد الهيبة والاحترام الذى فقدهما من خلال ممارساته العشوائية خاصة وأنه حديث العهد بالقيادة السياسية حيث أثبتت تجربته المريرة أنها بحاجة إلى دروس خصوصية لعلاج أمراض الحماقة والتهور فهو لم يبلغ بعد سن الرشد السياسي.
اختار ترامب أن يكون لقاؤه مع بوتين فى ختام المونديال الناجح الذى أعاد قراءة العالم لروسيا من خلال المعطيات، ولعل هذه المسابقة التى أبهرت العالم أكبر انتصار حققته روسيا منذ الحرب العالمية الثانية.
إن هذا اللقاء الذى يعقد عادة فى عاصمة محايدة وكل ثانية من مدة اللقاء محسوبة بالورقة والقلم وظلت أجهزة مراسمية واستراتيجية واقتصادية تعد جدول الأعمال الذى سيطرح على القادة سواء على المستوى الثنائى، ويبدأ بالمصافحات التى تتخذ طابع التكلف، وربما تتخللها مداعبات رئاسية للكاميرات تكون عادة سياسية طابعها ثقيل الظل فلا يظهر من ملامحها أى تعبير فهى رسائل كل منهما يوجهها إلى شعب الآخر، أما البيان الختامى فهو غالبًا سابق التجهيز لوغاريتم يصعب قراءته، والذى سيلفت نظر العالم هو مونديال المنافسة فى أصول الشياكة بين القطبين وسيفوز فيها بوتين الذى مازال يحتفظ بشبابه ولياقته، وهو حتى الآن معشوق النساء بينما يخسرها ترامب مهما ارتدى أحدث صيحة فى عالم البدل.
العالم العربى يضع يده على قلبه من الوثائق التى سيخصصها الرئيسان لبحث قضاياها فهى قد لا تزيد على خمس دقائق رغم أنها شائكة، وعلينا أن نعترف بالالتزام الأدبى والمعنوى بضمان أمن إسرائيل، وإن كانت ضمانات مؤقتة لكن الميديا لعبت دورًا أساسيًا فى عرض خطابها، وأن الأمة العربية نسجوا وهمًا اسمه «الوحدة العربية»، وقادوا ما سمى بحركات التحرير وأطلقت الدوائر الغربية عليهم «العالم الثالث».
وتقول الدوائر الإسرائيلية إن العرب هم الذين هزموا المشروع الناصرى وليس الغرب، فالخلاف المذهبى بين عبدالناصر وحزب البعث أشد شراسة من الخلاص بين التقدمية والرجعية، وطرحت إسرائيل مشروع (فتنة) كعادتها بين العرب وروسيا رغم أن العلاقات الاستراتيجية حاليًا بينها فى أوج مراحلها فهى تريد لهذا العالم الانشطار إلى أدنى مستوياته وتنقل للعالم أن هؤلاء المرضى يتصورن مكانة متقدمة على أجندة الاهتمام العالمى أكثر من حدودهم المحدودة، فإن ما يجمع الرئيسان عقلية اقتصاد السوق، ولم تباعد الخلافات والمبادئ العقائدية فى المسافات وربما جعلت هذه المستجدات الرؤية للعالم العربى من خلال نظرة اقتصادية خاصة الصناعات الثقيلة، وهذا يعنى أن العرب سيكونون مجرد ضيف شرف على جدول أعمال القمة لأن مفردات القضايا عديدة، ولايتصور أى مراقب منصف للموقف أن كل زعيم سوف يحكى همومه للآخر كصديق، فالمصالح هى المتحدث والراعى الرسمى للقمة، فهل سترفع أمريكا العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو، وهل الملف الروسى المتداول حاليًا فى الكونجرس حول الانتخابات الرئاسية، ومصير القرم وعوائد النفط وحقوله ودورها فى جهود المصالحة الليبية، وهل سيكون حلف الناتو والنشاط النووي، وهل ستكون سوريا وإيران داخلة ضمن أى صفقة رغم أن تكهنات الميديا بأن العلاقات فى أسوأ حالتها بين البلدين والرد هل هذه مقدمة لتغطية اعتزام الزعيمين أن يعيدا تبادل الأدوار ليتحول إلى (سايكس بيكو) التى قسمت الوطن العربى ويعاد استنساخه بعد التعديل ليكون «ترامب/بوتين» والسؤال اسم من سيتقدم الآخر، والمفاجأة القاسية التى أدخلت الرأى العام العالمى غرفة التفاوض بدون استئذان هو التفوق الكروى الذى حققته أوروبا المريض العجوز حيث استعادت شبابها واحتكرت المربع الذهبى فى المونديال لكى يعيد إلى الأذهان لياقته البدنية، وهى مقدمة لرفع معنويات الأوروبيين ويؤكدوا أنهم استعادوا لياقتهم السياسية ويذكرون الأجيال بالامبراطورية التى لم تغب عنها الشمس وشقيقتها وشريكتها وغريمتها فرنسا وهو التعاون (الأنجلوفرنس) ويتم الترويج حاليًا لمصالحة بين إسرائيل ولبنان لاختراق مواقف الصمود العربى الإقليمى، والمؤكد أن الشرق الأوسط لم يصبح أحد الميادين المتقدمة للحرب الباردة، ولم يعد هناك وزن سياسى لسفارات القومية العربية والأممية الشيوعية، لم تعد المشاعر الدينية بعد أن أساء الإسلام السياسى إلى هذا الدين العظيم إما بفعل فاعل أو تدبير لئيم ودخل ساحة الجدل وتحولت العلاقات فى ظاهرها إلى فرع من الود المتبادل لكن الخطر أنها تخفى فى باطنها حقول ألغام لم تتوصل إليها أجهزة الكشف والتفجير والتطهير ويبدو أن الجميع أصبح يحكمه حاليًا مؤسسات النظام الدولى الجديد وهى صندوق النقد الدولى والبنك الدولى للإنشاء والتعمير فقد سقطت كل التحفظات العقائدية على الدور الفاعل التى تقوم به هذه المؤسسات التى أصبحت تحكم بل وتتحكم.
لايمكن أن ينكر أى منصف الدور الذى قام به الاتحاد السوفيتى السابق كصديق وفى دعم حركات التحرر العربية وسواء كانت مساعدات معنوية ساخنة عندما تصل الأمور إلى النقطة الحرجة أو السلاح وغيرها من المعونات الفنية ودعم فكرة الصناعات الثقيلة لكن حساباته ترتكز أساسًا على ألا يصل أى صراع يؤدى به إلى صدام مع الولايات المتحدة رغم أسلوب المناورات الذى اتبعه لاستعراض عضلاته السياسية لكنها كانت مجرد مناورات أو بمعنى أدق تظاهرات فقط.