السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"هجوم جندوبة" يُعيد نار الإرهاب إلى تونس

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إضعاف وزارة الداخلية يقوى «داعش والإخوان والقاعدة» 
محمد الطرودى: قرارات عشوائية فى المؤسسة الأمنية تسببت فى الهجوم
ألقى «هجوم جندوبة» بظلاله السوداء على تونس، ورغم أن الأعمال الإرهابية لم تتوقف منذ 2011، إلا أن «هجوم جندوبة»، يعتبر الأشد إيلامًا، لأنه جاء متزامنًا مع بداية الموسم السياحي، الذى كانت تعول عليه البلاد، للخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة، خاصة بعد التقديرات التى أشارت إلى أن عدد السياح هذا العام سيتجاوز عتبة الـ 8 ملايين.
ولعل ما زاد من وطأة الهجوم أيضًا، أنه جاء بعد ثلاث سنوات من الاستقرار النسبي، عقب الاعتداءات الدامية، التى وقعت فى ٢٠١٥، واستهدفت متحف «باردو» فى العاصمة التونسية ومدينة سوسة السياحية فى شرق البلاد، وأسفرت عن مقتل العشرات، أغلبهم سياح أجانب، ما دمر حينها قطاع السياحة، الذى يشكل العمود الفقرى للاقتصاد هناك.
ويضاعف من قتامة الصورة أن الحكومات المتعاقبة منذ الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، لم تستطع معالجة مشاكل الفقر فى البلاد، ولذا فإن أى حوادث إرهابية تلقى على الفور بتداعياتها الكارثية على المشهد السياسى والأمنى والاجتماعى المتأزم فى الأساس.
وجاءت نتائج الانتخابات البلدية، التى جرت فى مايو الماضى وأظهرت فوز القوائم المستقلة، بحصولها على ٣٢.٩٪، متقدمة على حركة «النهضة»، المحسوبة على «الإخوان»، التى احتلت المركز الثانى بـ٢٩.٦٪، لتضيف أبعادًا أخرى للأزمة المحتدمة فى تونس، إذ تسعى النهضة للنيل من حزب «نداء تونس»، وإظهار أنه عاجز عن حكم البلاد قبل الانتخابات الرئاسية، العام المقبل.
وكشفت الاتهامات المتلاحقة لحكومة يوسف الشاهد بـ«بإضعاف» وزارة الداخلية، لإرضاء النهضة، للحصول على دعمها للترشح للانتخابات الرئاسية فى ٢٠١٩، أيضا، أن البلاد مقبلة على الأرجح على فترة جديدة من التناحر السياسي، لن يستفيد منها سوى الإخوان وداعش والقاعدة.
والشاهد هو قيادى فى حزب «نداء تونس» الذى أسسه الرئيس التونسى الحالى باجى قايد السبسى فى ٢٠١٢، وفاز فى الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة ٢٠١٤، إلا أنه سعى مؤخرًا للتودد لـ«النهضة»، وقام مؤخرًا بإقالة وزير الداخلية القوى لطفى براهم، وقام بتعيين غازى الجريبى الذى يشغل منصب وزير العدل كقائم بأعمال وزير الداخلية، رغم أنه يفتقد للخبرة الأمنية، ويتردد أيضا أنه مقرب من النهضة، وتنهال عليه الاتهامات بأن وزارة الداخلية فى ظل قيادته، أصابها الضعف وأصبحت مخترقة من «الإخوان». 
وقال النائب البرلمانى عن حزب «مشروع تونس» محمد الطرودى لموقع «إرم نيوز» الإماراتى فى ٨ يوليو، إن «هجوم جندوبة جاء نتيجة للقرارات الارتجالية، والصبيانية، التى أدت إلى ضرب المؤسسة الأمنية فى كل عناصر قوتها».
وأضاف الطرودى أن «الهجوم يُعد نتيجة حتمية للتغييرات الأخيرة فى الحرس الوطني، والاستعانة بقيادات تفتقر للخبرة الأمنية».
وبدورها، قالت النائبة عن «نداء تونس»، ومقررة لجنة الأمن والدفاع فى البرلمان التونسي، الخنساء بن حراث، إن «الإقالات الأخيرة التى قام بها الجريبي، طالت العمود الفقرى للحرس الوطني، وأضرت به كثيرا».
وفى السياق ذاته، قالت مديرة المركز الدولى للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية فى تونس بدرة قعلول، إن «إقالة وزير الداخلية السابق لطفى براهم كارثة كبرى، سمحت بفتح الباب أمام حركة النهضة لاختراق المؤسسة الأمنية والعسكرية أكثر من السابق». وأضافت قعلول لـ«إرم نيوز»، أن «ما قام به وزير الداخلية الجديد غازى الجريبى لا يعدو كونه إملاءات حزبية».
ويبدو أن الأسوأ لم يقع بعد، إذ توعدت مجموعة تابعة لـ«تنظيم القاعدة فى المغرب الإسلامي»، تطلق على نفسها كتيبة «عقبة بن نافع»، بمواصلة الهجمات فى تونس، وذلك بعد الهجوم، الذى أودى فى ٨ يوليو بحياة ٦ من عناصر الحرس الوطني، فى محافظة جندوبة شمال غربى البلاد.
وتبنت المجموعة فى بيان عبر «التليجرام»، مسئولية هجوم جندوبة، وقالت إنها نفذته بعد رصد وإعداد محكم، زاعمة أن من بين القتلى «ضابط برتبة ملازم أول».
وكانت وزارة الداخلية التونسية، أعلنت مقتل ستة من عناصر الحرس الوطنى فى كمين نصبته «مجموعة إرهابية» الأحد الموافق ٨ يوليو فى محافظة جندوبة، على مقربة من الحدود مع الجزائر.
وجاء فى البيان أن «دورية تابعة لفرقة الحدود البرية للحرس الوطنى تعرضت على الشريط الحدودى التونسى - الجزائرى لكمين تمثل فى زرع عبوة ناسفة أسفر عن استشهاد ٦ أفراد من الحرس الوطني».
وبدورها، ذكرت وسائل الإعلام التونسية أن مجموعة مسلحة نفذت كمينًا لدورية مكونة من سيارتين للحرس الوطنى لدى مرورهما على الطريق الرابط بين منطقتى الشهيد والسرية بمدينة غار الدماء فى ولاية جندوبة فى شمال غربى البلاد، حيث تم استهداف السيارة الأولى التى كان على متنها خمسة أفراد من الحرس الوطنى بقنبلة يدوية، فيما استُهدفت الثانية بالرصاص، وكانت تقل ثلاثة أفراد آخرين من الحرس الوطني.
وبالنظر إلى تواجد كل من تنظيمى القاعدة وداعش فى تونس، فإن البعض لم يستبعد وقوع هجمات جديدة على غرار ما حدث فى جندوبة، خاصة أن البلاد، التى أطلقت الشرارة الأولى لما يسمى «الربيع العربي»، تشهد صراعًا بين العلمانيين والإسلاميين، وتعانى أوضاعًا أمنية هشة منذ الثورة التى أطاحت فى ١٤ يناير ٢٠١١ بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، إذ سارعت جماعات سلفية جهادية لحمل السلاح، فى المناطق الغربية على طول الشريط الحدودى مع الجزائر.
واستنادًا إلى الإحصائيات التى تقدر عدد العاطلين فى تونس بحوالى ٦٥٠ ألف شخص، من بينهم نحو ٢٥٠ ألفًا من خريجى الجامعات، فإن الجماعات الإرهابية لا تجد صعوبة فى استقطاب المزيد من الشباب فى صفوفها، مستغلة فى ذلك ظروف الفقر والبطالة.
وتوجه اتهامات لحركة «النهضة» بأنها السبب الرئيسى فى تزايد العمليات الإرهابية فى تونس، لأنها عندما قادت أول حكومة بعد ثورة ٢٠١١، لم تكن جادة فى ردع الجماعات السلفية المتشددة، وذلك استنادًا إلى تسجيل فيديو مسرب فى نوفمبر ٢٠١٢، على شبكة «الإنترنت»، ظهر فيه زعيم حركة «النهضة» راشد الغنوشي، وهو يقول فى اجتماع مع سلفيين: «إن العلمانيين يسيطرون على كل مفاصل الدولة بما فى ذلك الاقتصاد والجيش والإعلام»، داعيًا السلفيين حينها إلى التحرك بحرية.
ورغم تبرير النهضة حينها تصريحات الغنوشى بأنها جاءت لإقناع السلفيين بالعمل السياسي، إلا أنه بعد ثورة ١٤ يناير، نفذت السلفية الجهادية هجمات ضد أضرحة صوفية، وقامت بحرق حانات، وفى ١٢ سبتمبر ٢٠١٢، هاجم عشرات من التيار السلفى الجهادى مقر السفارة الأمريكية بتونس، وذلك فى أعقاب بث الفيلم الأمريكى المسيء للرسول، والمعروف باسم «براءة المسلمين»، ما تسبب حينها فى حرق مقر السفارة الأمريكية ومقتل أربعة من المهاجمين، بالإضافة إلى إصابة عشرات آخرين خلال مواجهات مع الشرطة.

«عقبة بن نافع» 
بعد اتهام واشنطن لها بالتقصير فى حماية السفارة الأمريكية، وفى محاولة حينها لامتصاص الغضب الداخلى والخارجي، قررت حكومة «النهضة» فى ٢٧ أغسطس ٢٠١٣ تصنيف جماعة «أنصار الشريعة» السلفية الجهادية «تنظيمًا إرهابيًا»، وأصدرت مذكرة اعتقال دولية ضد زعيمها «أبى عياض»، إلا أنه يتردد أن أغلب عناصر كتيبة «عقبة بن نافع»، جاءوا من جماعة «أنصار الشريعة»، فيما تقودها عناصر من الجزائر.
وظهر تنظيم «عقبة بن نافع» فى أواخر ٢٠١٢، وهو الفرع المحلى لتنظيم القاعدة فى تونس، ويقف وراء أغلب الهجمات الإرهابية التى استهدفت البلاد خلال السنوات الماضية.
وتتمركز هذه الجماعة فى الجبال الحدودية بين تونس والجزائر المعروفة بالتضاريس الوعرة والغابات الكثيفة، ولجأت إلى زراعة الألغام فى الجبال من أجل منع تقدم قوات الأمن، وقد أدى ذلك إلى مقتل وإصابة عدد كبير من القوات الأمنية التونسية.
وكانت أولى العمليات الإرهابية التى تبنتها «عقبة بن نافع» فى ديسمبر ٢٠١٢، عندما قتلت الشرطى بالحرس الوطنى أنيس الجلاصى فى مدينة القصرين غرب تونس على الحدود مع الجزائر، ثم تلاها الهجوم الإرهابي، الذى استهدف عناصر من الجيش، حيث قامت بذبح ٨ عسكريين مع موعد الإفطار فى رمضان فى ٢٠١٣ فى كمين نصبته لدورية عسكرية بجبل الشعانبى فى غرب تونس.
وفى مايو ٢٠١٤، نفذت هذه الجماعة هجوما على منزل وزير الداخلية الأسبق لطفى بن جدو سقط خلاله ٤ من عناصر الأمن كانوا يحرسون المنزل، وبعدها بـ٣ أشهر وفى رمضان قتل ١٤ عسكريا فى جبل الشعانبى إثر هجوم هو الأسوأ فى تاريخ المؤسسة العسكرية التونسية منذ استقلال البلاد عام ١٩٥٦.
وفى فبراير ٢٠١٥، تبنت هذه الجماعة أيضا مقتل ٤ أفراد من الحرس التونسى فى منطقة بولعابة بمدينة القصرين، وفى أغسطس ٢٠١٦، أعلنت كذلك تبنيها لهجوم أسفر عن مقتل ٣ عسكريين وإصابة ٩ آخرين فى جبل سمامة بمدينة القصرين إثر نصب كمين لمدرعتين تابعتين للجيش التونسي. وتلقت هذه الجماعة ضربة قاسية أواخر يناير الماضي، عندما قتل قائدها الجزائرى بلال القبى خلال كمين نصبته قوات الحرس التونسى فى المرتفعات الغربية للبلاد.

«جند الخلافة» 
بالإضافة إلى «عقبة بن نافع»، تتواجد فى تونس أيضًا جماعة إرهابية أخرى، هى تنظيم «جند الخلافة»، التابع لتنظيم داعش، ويتركز نشاطه فى جبال المغيلة وسمامة والسلوم بمحافظتى سيدى بوزيد والقصرين وسط غرب تونس، وهى مناطق وعرة ذات غابات كثيفة تصعب مراقبتها فى بعض الأحيان من قبل أجهزة الأمن.
وظهرت هذه الجماعة الإرهابية عام ٢٠١٤ فى الجزائر، حين انشقت عن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وبايعت تنظيم داعش وزعيمه أبوبكر البغدادي، واتخذت من الجبال الشرقية فى الجزائر على الحدود مع تونس مجالًا لنشاطها، قبل أن تتوسع نحو الأراضى التونسية بعد أن نجحت فى استقطاب عناصر متشددة تونسية.
وبدأت هذه الجماعة فى تنفيذ عملياتها فى وسط وغرب تونس مع بداية عام ٢٠١٥ عندما تبنت عملية ذبح أحد رجال الأمن بمحافظة زغوان خلال عودته إلى منزله، قبل أن تعلن مسئوليتها عن الهجوم الدامى الذى استهدف متحف باردو فى العاصمة التونسية فى مارس ٢٠١٥ والذى خلف مقتل ٢١ سائحًا وجرح ٤٧ آخرين، وبعد أقل من شهر شنت هجوما على دورية عسكرية فى مدينة سبيبة بمحافظة القصرين أسفر عن مقتل ٥ عسكريين وإصابة ٨ آخرين.
كما نفذت عناصر هذه الجماعة فى ٢٥ يونيو ٢٠١٥ هجومًا على دورية أمنية قرب محافظة سيدى بوزيد وسط تونس، وقتلت عنصرين من قوات الأمن، وذلك قبل يوم فقط من الهجوم الدامى الذى استهدف مدينة سوسة السياحية، فى ٢٦ يونيو وقتل خلاله ٣٨ سائحا أغلبهم من البريطانيين، كما أعلنت أواخر العام ذاته مسئوليتها عن تفجير حافلة للحرس الرئاسى وسط العاصمة التونسية، قتل خلاله ١٢ عنصرًا أمنيًا.
ويبدو أن الأمر لن يقف عند الجماعتين السابقتين، لأن البيئة المتأزمة فى تونس تشجع على ظهور المزيد من الجماعات الإرهابية.