الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس "مايكل ملاك" يكتب: مثل الابنين الضالين والأخوة المفقودة

القس مايكل ملاك
القس مايكل ملاك
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الخطة الإلهية للجنس البشرى تبدأ بالأسرة، والتى هى نواة المجتمع الإنساني، فيسرد لنا الكتاب المقدس فى أول صفحاته فى سفر التكوين سفر البدايات، ومع دخول جرثومة الخطية بكسر الوصية فى النموذج الإنسانى الأول (آدم وحواء)، أصاب المنتج البشرى (الأبناء) التشوه، فكانت المحصلة أول جريمة فى التاريخ، الأخ الأكبر (قايين) يقتل أخيه الأصغر (هابيل)؛ فأصبحت النتيجة موت أحدهما وهروب الآخر، ولم يتوقف الأمر عن هذا الحد، لكن الصراع الأخوى داخل الأسرة الواحدة يستمر فى كل المراحل المختلفة من التاريخ، ففى قصة التوءم (يعقوب وعيسو)، نرى كيف سلب يعقوب أخوه مرتين، الأولى بأخذ البكورية مستغلًا إعياء أخيه، والثانية البركة من خلال خداع أبيه، فكانت المحصلة غضب شديد من أخ وهروب الآخر، ويستمر الصراع فيما بعد بين أبناء يعقوب ضد أخيهم يوسف، ولا يزال الصراع الأخوى دائر وإن تعددت الأسباب وتباينت النتائج!
تسجل لنا الكتاب المقدس حياة وتعاليم السيد المسيح التى هى صلب الإيمان المسيحي، فقدم المسيح فى تعاليمه مجموعة من الأمثال، وهى وسيلة كان يتبعها لإيصال الفكرة والهدف بصورة تصل إلى الجميع، ففى إنجيل البشير لوقا يقدم لنا ثلاثة أمثال مختلفة فى الشخصيات لكن متفقة فى الهدف والرسالة، تعددت المسميات للأمثال الشائعة (مثل الخروف الضال- مثل الدرهم- مثل الابن الضال)، كلها قال السيد المسيح ردًا على الكتبة والفريسيين (جماعات يهودية) عندما تذمروا عليه لأنه يقبل الخطاة فيذكر لنا لوقا فى بدء، أراد المسيح أن يوضح عمله ورسالته منتهزًا هذا الموقف، وكانت الصعوبة تكمن فى أن المسيح عليه أن يخاطب نوعين من الناس، النوع الأول المتذمرين والنوع الثانى المنبوذين.
والحديث عن الأمثال الثلاثة يطول، لكن سنفرد المساحة هنا لمثل «الابن الضال»؛ فهو الأهم والذى يحوى فى داخله الكثير من التعاليم؛ فقد قال عنه الكاتب الكبير «تيموثى كلر»: «هذه الحكاية فى ظاهرها ليست آسرة جدًا، غير أنى أعتقد لو شبهنا تعليم السيد المسيح ببحيرة لكان مثل الابن الضال هذه واحدة من أصفى البقع التى فيها نستطيع أن نبصر القاع تمامًا». 
وبالنظر والتدقيق فى المثل بالتوازى مع الفئات المستمعة للمثل، كما أشرنا سابقًا، هناك نوعان من الناس هما فى الأصل إخوة فى الإنسانية (الكتبة والفريسيون) و(الخطاة والعشاريون)، سنجد أن المثل هو إسقاط غير مباشر عليهما؛ فالابن الأكبر فى المثل يقابل (الكتبة والفريسيون) الحافظين للشريعة «الوصية» دون فهم «روح الوصية»، المهتمين بالشكل لا المضمون، وهذا جعلهم فى حالة من «البر الظاهري»، ورفض الآخر المختلف عنهم، وقد وبخهم السيد المسيح قبل ذاك عندما تذمروا أيضا، ويبدو أنها سمة من سمات التعصب لديهما، قال لهم: «السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ»، وكأنه يقول لهم الوصية لخدمة الإنسان وليس الإنسان لخدمة الوصية، أى يحيا روح الوصية.
يكشف لنا المثل عن خبايا الطبيعة البشرية حتى داخل الأسرة الواحدة، فنجد الابن الأصغر يقرر الاستقلال من خلال إعلان غير مباشر بموت الأب، فمن المتعارف عليه أن الميراث يؤخذ بعد موت الأب ليس وهو حى بعد، لقد أراد التجربة بالبحث عن السعادة فى مكان آخر، من دفء الأسرة إلى الكورة البعيدة دون النظر لمشاعر الأب أو الأخ.
هذا ما أظهر المكنونات الداخلية للأخ الأكبر الذى رفض الاحتفال بعودة أخيه والغضب الشديد من أبيه الذى وجه له تهمة الظلم بحرمانه من أبسط الأشياء مقارنة بما فعله مع أخيه الأصغر.