الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس إكرام ناجي يكتب.. مونديال 2018 ونحميا 544 ق.م (2)

القس إكرام ناجي
القس إكرام ناجي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كل الفنون التى تحدثنا عنها فى المقال السابق تبنى الأوطان، ولكن بالجهد والعرق وليس بالجلوس وجَلد وطننا الذى فيه تراثنا ومستقبلنا. ارتحلنا بحاضرنا تائهًا بين الحقيقة والوهم، وبين الرؤية والسراب، وبين الحلم والعجز. لنبدأ أن نجسد عظمة وروعة وقدسية وعبقرية هذا الشعب بالعمل والجهد والمكاشفة، هذا الشعب الذى أفتخر أن أكون من أبنائه، لنجد لأنفسنا مكاننا الحقيقى ونحصّن موقعنا فى تاريخ وأذهان العالم. دع العزلة والأنانية والعالم الوهمى بين صفحات السوشيال ميديا، وتعال نبنى عالمًا نُغنيه بشخصيتنا ونزيّنه بقدراتنا ونحافظ عليه بإمكانياتنا. إن حياتك هى رصيد قيم، أضف عليه كل يوم شيئًا من العظمة وسترى أن مثابرتك وجهادك وسعيك ستكشف أمامك قممًا جديدة تتسلقها كل يوم ومعارك جديدة تربحها كل ساعة. إن الحياة العظيمة رائدةٌ لا مُقادة فى كنف أوهام الذين اعتلوا منابر أذهاننا لتحطيم معنوياتنا وأوطاننا بثورةٍ وهمية. إن الثورة الحقيقية أروع تجسيد لها تم سرده من خلال كلمة الله المقدَّسة سنة 544 ق.م فى حياة نحميا النبي، وتظهر فيها أن بذار التغيير والتجديد لحياة شخص وطنى كانت داخل نفسه لإنقاذ وطنه.

قصة «نحميا» هذا الوطنى المهاجر تبدأ بالسؤال عن شعبه وبمعرفة ما وصل إليه حال إخوته وشعبه ومدينته من تدهور وعار ومآسي، فكان رد فعله الطبيعى أنه حزن حزنًا عميقًا عندما علم أن سور مدينته ما زال منهدمًا بسبب عقبات خارجية متمثلة فى أعداء شعبه، والأصعب عليه وجود صعوبات داخلية متمثلة فى النظام الاجتماعى غير العادل وما كان يسببه من تراخٍ وعدم استكمال للبناء. ولكن نحميا بدلًا من أن يُحبَط أو يفشل أو يلجأ إلى نقد شعبه أولًا لجأ إلى الله «فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا الْكَلاَمَ جَلَسْتُ وَبَكَيْتُ وَنُحْتُ أَيَّامًا وَصُمْتُ وَصَلَّيْتُ أَمَامَ إِلَهِ السَّمَاءِ». ثانيًا، كان قائدًا ماهرًا عرف كيف يقود شعبه بعد أن أعيتهم المحن، وما يميز قيادته هو تواضعه وانضمامه للشعب فى مشكلتهم، ولم يتعالَ عليهم، وكانت مشكلة وطنه قد أصبحت مشكلته هو الشخصية. ثالثًا، كان يدرك حجم العمل وصعوبته والحالة التى وصلت إليها بلاده ووضع خطةً معتمدةً على روح الفريق، فالعمل هائل ويحتاج لمشاركة الجميع، ومن خلال تقسيم العمل وتنظيم دقيق على البيوت والعائلات، فكان لكل واحد نصيبه من العمل مما جعل للشعب قلبًا واحدًا للعمل، وهذه الخطة ساعدت فى بناء السور فى اثنين وخمسين يومًا فقط. إننا نحتاج جميعًا هذه الأيام أن يكون كل شخص فينا نحميا، وأن يرجع كل واحد فينا من الأماكن التى تم سبيه فيها لسنوات، ويبدأ بالعمل فى جميع أنواع الفنون وليس فن الرياضة فقط، ونبنى جميعًا أمام بيوتنا الأسوار التى تهدمت.

والكلمة الأخيرة عن نجاح أو فشل الحياة، تأتى مع آخر نفَس فى حياتك. أنت محارب مستديم، حياتك بين الفشل والنجاح هى كالمد والجزر تارة تدخل الكرة فى مرمى خصمك، وطورًا تلقاها بمرارة فى مرماك، لكن الكر والفر على ملعب الحياة لا ينتهى إلا بصفارة انتهاء الحياة. ابدأ تحرك من الكرسى الذى اعتليته لتلقى فشلك على الآخرين فى السوشيال ميديا فتشعر أنك بريء أو شهيد، وتُبعد عن نفسك تمامًا مسئولية الوضع الذى وصلت إليه. بلادنا الغالية مصر تحتاج إلى جهدك أكثر من كتاباتك، ومثابرتك. وإذا كانت بلادنا مرت بفترات تقهقر فى حضارتها فالسبب هو فشل أفرادها.
دعوة لكل شخص لإيقاظ نحميا داخلنا لبناء أسوار بلادنا مرة أخرى، ويبدأ كل شخص فينا بعمل مونديال فوز للخاسرين. ابدأ بنفسك فى إرسال طاقة إيجابية مختلفة إلى هؤلاء الأبطال الشجعان الذين بسببهم استرجعوا لنا بارقة أمل جديدة وشعاع نور وبداية بناء واسترجاع سور فن الكرة المصرية للعالمية مرة أخرى لاشتراكنا فى مونديال 2018 بعد غياب 28 عاما عن أنظار العالم. نريد أن نقف مع منتخب بلادنا ومع شعبنا حتى يكتمل هذا السور، الذى هو محط أنظار الكثيرين، ونبهر أنفسنا أولًا وعالمنا ثانيًا ببناء الأسوار المنهدمة أمام كل وطنى فينا من قادة هذا الوطن، من الآباء والأمهات الذين يقودون ويبنون أسوار بيوتهم، ومن قيادات التعليم والفن والاقتصاد والسياسة. لا يشغل فكرنا غير حب الوطن وحب شعبنا العظيم مصر، آماله من آمالنا، جراحه من جراحنا، ومستقبله من مستقبلنا. أن نتقاسم العيش معًا وأن نخوض جميعًا معاركه من أجل حياة أفضل لجميع أبنائه، ونحميه من قبور المؤامرات التى تنسجها له طيور الظلام، متحدين معًا بقوة وبلا تهاون، ننظر وننتظر غدًا أفضل.
لتبقى مصر دائمًا للتنوير والمتنورين، للحضارة والمتحضّرين، لنكون جزءًا من مسيرة العصر وحضارته ونثق فى ولادة جديدة لمصرنا لكى تعود أم الدنيا كلها.