السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

11 يوليو.. يوم الحرب على الفساد في إفريقيا

القمة الأفريقية
القمة الأفريقية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

باختيار القمة الإفريقية، في دورتها الـ31 التي عقدت بالعاصمة الموريتانية نواكشوط في الأسبوع الماضي، يوم 11 يوليو "يومًا للحرب على الفساد"، في إفريقيا يكون "عام 2018 الحالي"، مرشحًا بجدارة ليكون عام "المكافحة الشاملة الجماعية لآفة الفساد"، على مستوى القارة، حيث تمثل الحرب على الفساد مهمة قتالية، وواحدة من أهم وأشرس معارك الشأن الداخلي.

ومما لاشك فيه أن شعار "الانتصار في مكافحة الفساد.. نهج مستدام نحو تحول إفريقي"، الذي حملته القمة جاء مترجما لعزم الاتحاد الإفريقي وتأكيده على الالتزام بمكافحة الفساد من خلال الآليات التي وضعها لهذا الغرض، وموضوع "مكافحة الفساد"، الذي تناوله باستفاضة رؤساء وزعماء دول إفريقيا خلال مناقشات قمتهم، جاء نابعا من إرادتهم في القضاء على تلك الآفة التي باتت ظاهرة، حيث إن كافة الدول الأفريقية "معنية" بها بطريقة أو بأخرى وبدرجات متفاوتة، وعكس إدراكهم بخطورتها وأثرها في تقويض جهود التنمية، ومدى ما تحتله من أهمية لدى الكثير دول القارة التي تسعى للتصدي للفساد لتحقيق تطلعات الشعوب في العيش الكريم، حيث يعوق الفساد انطلاق قطار التنمية، ويكبد إفريقيا نحو 50 مليار دولار سنويا 

وهناك أدوات هامة متعددة الأطراف في القارة الأفريقية تعمل على مكافحة الفساد، تركزت أهدافها على تشجيع وتعزيز الجهود المبذولة في هذا الصدد، ومنها اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمكافحة الفساد، وبروتوكول سادك لمكافحة الفساد، وبروتوكول الإيكواس لمكافحة الفساد، وتعمل على تعزيز التعاون بين الدول الأطراف لضمان فاعلية التدابير والإجراءات الخاصة بمنعه، والجرائم ذات الصلة في إفريقيا، وتنسيق ومواءمة، وتعمل دول القارة من خلال الاتفاقية الإفريقية لمكافحة الفساد على مناهضته بالآليات اللازمة، والقضاء عليه، وتعزيز التعاون بين الدول الأطراف لضمان فاعلية التدابير والإجراءات الخاصة بمنعه، والجرائم ذات الصلة في إفريقيا، وتنسيق ومواءمة وتسهيل السياسات والتشريعات بين الدول الأطراف، حيث تدرك الدول الأفريقية بوضوح أن الفساد يمثل تهديدا خطيرا للمبادئ والقيم الأساسية، ويعيق الديمقراطية والنمو الاقتصادي، ولذلك فإن هناك قبولا عاما لضرورة معالجة المشكلة بطريقة مستدامة

وفيما يعد الفساد ظاهرة عالمية، والتحدي الأكبر للحكم الرشيد والنمو الاقتصادي المستدام والسلام والاستقرار والتنمية، فإنه يكون أكثر تأثيرا في الدول النامية والفقيرة، حيث يتم تحويل ووضع الموارد التنموية على نحو غير ملائم في أيدي القطاع الخاص الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم الفقر، ووفق العديد من استطلاعات الفساد ينظر إلى إفريقيا باعتبارها المنطقة الأكثر فسادا في العالم، وبالتالي فإن معالجة مشكلة الفساد بطريقة استراتيجية وشاملة يكتسب أهمية قصوى لأولويات التنمية في القارة، وتؤكد الأرقام التي أعدها الخبراء أن الموارد المحولة جراء الفساد بإفريقيا يمكنها لو تم استثمارها أن تعوض اللجوء للمساعدات الخارجية.

وهذا يؤكد أن الفساد هو العدو الأكبر في إفريقيا، ورغم أن له معان كثيرة، فإنه في القارة السمراء التي دائما ما تحتل دولها المراتب الأولى في مؤشرات عدم الشفافية العالمية يترجم هذا المصطلح بالعديد من الأزمات من فقر وجهل وجوع ومرض وحروب وتأخر في التنمية، وما تعكسه من معاناة شعوبها من ضياع وسرقة مقدراته وأحلامه نحو مستقبل أفضل، حيث يمثل تحديا هائلا أمام جهود التحول الديمقراطي وتحقيق الاستقرار وبناء دول وشعوب قوية قادرة على اختيار مقدراتها ومحاسبة المتورطين في إعاقة تقدمهم.

وهناك 6 معوقات تجعل من مكافحة الفساد في إفريقيا أمرًا صعبًا، وهي انعدام الشفافية، قلة المعلومات والإحصاءات والمصادر والأرقام الرسمية عن حجم الفساد، غياب آليات قانونية تطبق على كبار المسؤولين الفاسدين أثناء وجودهم بالسلطة، افتقار وجود آلية منهجية ورؤية شاملة لمكافحة الفساد تستهدف اقتلاعه من جذوره وعلاج أسبابه، غياب الوعي المجتمعي بضرورة المساهمة في القضاء عليه، وأخيرًا عدم وجود خطط قانونية ومؤسسية لمحاربته، إنما يتم الأمر بغرض الثأر والتنكيل السياسي بين المتنافسين والمعارضين السياسيين بعضهم البعض بغرض التنافس على السلطة والطمع في المناصب والامتيازات.

وحدد مؤشر الفساد الذي أعدته منظمة الشفافية الدولية الأشكال الأكثر شيوعا للفساد في القارة، وهى الرشوة، وتزوير الانتخابات، وصفقات العقود المشبوهة مع الشركات متعددة الجنسيات العاملة في قطاع الموارد الطبيعية، وتحويلات الأموال غير المشروعة إلى خارج الدول، وترى المنظمة أن 90% من دول إفريقيا فاسدة فسادا يؤثر بدوره على التنمية التقليدية والمستدامة في غرب إفريقيا، وبالتالي فإنه يؤثر في أغلب الأحيان على الفئات الأفقر والأضعف في المجتمع.

من جانبها، كشفت مؤسسة دعم قدرات إفريقيا، وهي"وكالة متخصصة في الاتحاد الإفريقي في مجال دعم القدرات"، أن المكافحة الفعالة للفساد يمكن أن تساعد إفريقيا في التركيز على الاستثمارات المكثفة والاستفادة من الموارد البشرية، مشيرة إلى أن هذا الخيار سيسهل تنمية القارة من خلال تنفيذ المخططات التنموية الوطنية "لأجندة إفريقيا 2063"، وأهداف التنمية المستدامة التي تسعى من خلال جملة استراتيجيات إلى مكافحة الفساد على مختلف المستويات، باعتباره "قاعدة انطلاق" لكل البرامج التنموية الهادفة إلى بناء وتطوير وتمكين القارة، الآليات والسياسات التي من شأنها منع وكشف ومعاقبة الفساد.

وخطة الاتحاد الإفريقي للقضاء على الفساد في عام 2018، تسلط الضوء على ظاهرة تدفق أموال القارة للخارج ونهب ثرواتها وحرمانها من الاستفادة منها، وتسعى لتوحيد الجهود من أجل القضاء على ظاهرة غسل الأموال، بالتنسيق مع الدول المستقبلة لتلك الأموال حتى تسد الطريق في وجه الفاسدين وتمنعهم من الاستفادة من الأموال المنهوبة وإضافتها لثرواتهم الخاصة، والتنبيه إلى ضرورة تحويل الجهود المبذولة إلى إجراءات فعلية على أرض الواقع حتى تؤتى أثرها وذلك من خلال ترجمتها إلى إجراءات وقوانين تنفيذية يسهم في تطبيقها الجميع "الحكومات والمؤسسات والأفراد".

ولمصر تجربة واقعية ناجحة في منع ومكافحة الفساد يعطى الرئيس عبد الفتاح السيسي أكبر دعم ومساندة لها، وتقودها هيئة الرقابة الإدارية بتوجيه ضربات موجعة للفاسدين أيا كانت مناصبهم، وبها أصبحت مصر دولة إفريقية نموذجية في مكافحة الفساد، حيث طالبت العديد من الدول الإفريقية الاستفادة من التجربة المصرية بعد التعرف على الجهود الوطنية في تنفيذ أهداف الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ونشر قيم النزاهة والشفافية بوحدات الجهاز الإداري للدولة، والتي تتوافق مع محاور الآلية الإفريقية.

وقد عرض الرئيس السيسي تجربة مصر الرائدة في هذا المجال، على الدول الإفريقية خلال أعمال الدورة العادية الثلاثين للاتحاد الإفريقي، التي عقدت في شهر يناير الماضي في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، باعتبارها تجربة واقعية يمكن الاحتذاء بها في مجال مكافحة الفساد والضرب على أيدى الفاسدين، وفى مجال متابعة هذه المكافحة، حتى لا يؤثر الفساد على التنمية، حيث أخذ هذا الموضوع منحى شديد الجدية، منذ تولي السيسي رئاسة مصر، وذلك بإطلاقه المعركة ضد الفساد، ابتداء من العمل على استرداد أراضي الدولة المنهوبة والمعتدى عليها، إلى جانب ضبط عدد من القضايا الكبرى المتورط فيها مسئولين كبار بالدولة

ويستمر دور هيئة الرقابة الإدارية بقوة في العام الحالي بالتوازي مع جهود المكافحة الشاملة الجماعية لآفة الفساد على مستوى القارة.