الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإنسان والتكنولوجيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أحدثت الحقيقة الواقعية للاكتشافات والاختراعات المتعددة التى نجمت عن «الثورة التكنولوجية» خلال هذه المرحلة من مراحل التطور الحضارى للإنسان، ثورة تلقائية فى حياة المجتمعات الإنسانية، تختلف عن مثيلاتها فى الماضي؛ لأنها نشأت نتيجة لما طرأ من تغيير فى الظروف الاقتصادية التى ترجع إلى تطور الأساليب التقنية والصناعية، التى تدين بدورها إلى تطبيق المعرفة التكنولوجية. فما شاهد الإنسان فى هذا العصر، من تقدم تكنولوجى يفوق أى عصر مضى؛ حيث سيطر على الفضاء واختصر المسافات، واخترق النطاق الذري، بل واكتشف إمكانات كونية جديدة جعلته يُطلق طاقات جديدة متجددة. وهكذا أصبحت «التكنولوجيا» تشكل العالم الحديث، وأخذت تسيطر - بصفة خاصة - على جميع المجالات فى الحياة المعاصرة، إلى الحد الذى أصبح يحيا فيه الإنسان ويتحرك من خلال نسيج تكنولوجى يكاد ينسج وجوده برمته.
ومن هنا فإن أدق ما تُوصف به هذه المرحلة المعاصرة من تاريخ الجنس البشري، أنها مرحلة «الثورة التكنولوجية»، إذ احتلت هذه الثورة مكانة لم تحتلها فى أى مرحلة سابقة؛ وآية ذلك أننا نشاهد لها آثارًا على الإنسان فى شتى جوانبه لم تقتصر على كم الإنتاج ونوعه، بل تحكمت فى أبرز ما يميز الإنسان ويسمو به، وهو الجانب الإبداعى، وأثرت فى علاقة الإنسان بالمجتمع الذى يعيش فيه، وعلاقته بالطبيعة التى يسعى للسيطرة عليها.
لذلك اكتسبت التكنولوجيا موضعًا محوريًا فى الحياة الإنسانية، مما دفع بعض المفكرين إلى تعريف الإنسان بأنه: «كائن تكنولوجي»، بمعنى أن التغير التكنولوجى هو العامل الفيصل فى التطور البشري. وهذا ما عبر عنه «فيكتور فيركيس» المفكر الأمريكى الشهير فى كتابه: «الإنسان التكنولوجي»، حينما قال: «إن ثمة نموذجًا بشريًا جديدًا ألا وهو «الإنسان التكنولوجى» أخذ ينبثق من أحضان المجتمع الصناعى المعاصر، وأيا ما كانت سماته الأخرى فهو كائن تكنولوجي، لأن التكنولوجيا أساسية لا غنى عنها لصميم حياته الإنسانية».
إن علاقة الإنسان بالتكنولوجيا ليست علاقة خارجية، بمعنى أن التكنولوجيا ليست شيئًا منعزلًا عن وجوده؛ إنها تتأسس من خلال وجود الإنسان نفسه. ومن ثم، لا يمكن فهم العلاقة بينهما، كما لا يمكن ترسيخ بنية التكنولوجيا ذاتها إلا عن طريق تواجدها مع الإنسان. وعلى هذا الأساس يتحدد معنى التكنولوجيا من خلال البنية الوجودية التى تربطها بالإنسان. وهذا ما أشار إليه المفكر الوجودى «مارتن هيدجر» إلى المعنى الوجودى للتكنولوجيا وعلاقتها بالحياة اليومية للإنسان. بمعنى أن العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا علاقة تفاعل متبادلة تتجلى بوضوح فى تحكمها فى مقدرة الإنسان على اتخاذ قرار، وهنا يربط الوجوديون بين معنى التكنولوجيا وماهيتها بوصفها أداة؛ بمعنى أن الكشف عن المفهوم الأداتى للتكنولوجيا يتم من خلال تحليل الحياة اليومية للإنسان.
ولا تقتصر التكنولوجيا عند «هيدجر» على الماكينات والأدوات التى يتم منها صنع منتجات التكنولوجيا، بل تتسع لتضم كل العناصر التى تتمثل فى تلك الموجودات التى تختلف فى نمط وجودها عن الإنسان؛ والتى تتشابك فيما بينها لتشكل البُعد الوجودى للتكنولوجيا. وبنًاء على ذلك، فإن التكنولوجيا إمكانية وجودية للإنسان تتأسس بنيتها من خلال تفاعلاته فى العالم. وتتحدد العوامل التى تتأسس عليها علاقة الإنسان بالنظام التكنولوجي، فى كيفية المحافظة على الميراث الإنسانى الحضاري، وكيفية إعادة تنظيم هذا المجتمع وكيفية المحافظة على حقوق الإنسان.