الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الباحث الدكتور رياض فارس يتحدث عن تكريم أجساد القديسين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
‎بعض الكنائس يضع أنابيب فارغة لجذب الأقباط.. والكنيسة تركز على بعض القديسين دون غيرهم وتتمسك بإبرازهم لدى الأقباط 
‎معظم الشهداء الذين لهم صيت فى الكنيسة القبطية من خارج القطر المصرى.. و«فيسبوك» أصبح يحدد شعبية القديسين 
‎لأجساد القديسين مكانة متميزة فى نفوس الأقباط، والكثير من الكنائس القبطية أصبحت تخصص أماكن قيمة للرفات وتتباهى بعددها واحتضانها لها، وحول هذا الطقس، والذى عرفته الكنيسة المصرية قبل قرون بعيدة، ومكانته التاريخية.. التقينا بالباحث الدكتور رياض فارس، الحاصل على الدكتوراه من معهد الرعاية، ليحدثنا عن هذا التقليد أو الطقس الكنسى فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. 
‎< لماذا يتم تكريم أجساد القديسين عند الأقباط؟ 
- ‎نكرّم أجسادهم ونحترم تعاليمهم ونسير على خطاهم ونتشفع بهم طالبين العون منهم، للتغلب على الشر والأشرار، لأنهم قهروا الممالك الأرضية وذاقوا أشد أنواع الهوان والعذاب، فثبتوا فى إيمانهم، وأضحوا مثالا للقداسة وباتت ذخائرهم صلة الوصل بين الإنسان والله، يُطلَب بواسطتها نعمة أو شفاء أو خلاصًا أو حلًا لوضع مؤلم أو لعقبات ومصاعب، شفاعة القديسين هى من الأمور المستقرة فى عقيدة الكنيسة القبطية، وحتى الكنيسة الكاثوليكية بخلاف الكنيسة البروتستانتية، فهى لا تؤمن بها. 

< ‎منذ متى تم تكريم ذخائر القديسين؟
- منذ القرن الثانى انتشر تقليد تكريم ذخائر القديسين، ودرج الناس على اعتبارهم شفعاء لهم لدى الآب السماوي، لأن نعمة المسيح شاءت أن تصل إلى البشر مشفوعة بتعاليم هؤلاء القديسين وصلواتهم وآلامهم واستشهادهم، وهى شفاعة توسلية وليست شفاعة كفارية، لأن المسيح وحده من قام بالفداء عنا. 
‎ولكن تعرضنا لموضوع تكريم أجسا القديسين، الهدف منه إعادة تعليم المبادئ المسيحية بشكل خال من التطرف والمبالغة والعادات الشعبية التى أدخلت على طقوسنا، فأصبح لها قوة الطقس الذى يدافع عنه البعض لأغراض بعيدة كل البعد عن الإيمان والعقيدة. 
< ‎ما الفرق بين الرفات والذخائر والأجساد؟
- ‎بالنسبة للرفات فلتوضيح المعنى لو قلت رُفاتُ الأَثاثِ وتعنى (ما تَحَطَّمَ وَتَكَسَّرَ مِنْهُ وَبَلِيَ) أى تعنى الحُطامُ، الفُتات. فعندما نقول تَحَوَّلَتْ عِظامُهُ إلى رُفاتٍ- نُقِلَ رُفاتُهُ إلى مَسْقَطِ رَأْسِهِ- جُثَّتُهُ. المعجم: الغنى رُفات: رُفات: حُطامٌ وفُتاتٌ من كل ما تكسر واندقّ وبلِي، توفى بالخارج وتم نقل رفاته إلى بلده الأصلي، رُفات طائرة. 
‎أما معنى أجساد فى معجم المعانى الجامع - معجم عربى أجْساد (اسم): أجْساد: جمع جَسَدُ جَسَد (اسم) الجمع: أَجْسَادٌ الجَسَدُ: الجسم جسدًا وروحًا بالكامل، وبالتالى فإن ما نسمعه من الآباء الكهنة أن هذه الأنبوبة تحتوى على جزء من ملابس أو شال أو أى متعلقات بأنها رفات هذا المفهوم خاطئ طبقا للمعنى الوارد فى معجم اللغة العربية.
‎أما مصطلح ذخائر، فإن المفهوم العام للعبارة بقايا (ذخائر) فى الأصل تعنى reliquise، وهى تعنى فى اللغة اليونانية بقايا الأموات، وتطورت إلى أن أخذت معنى دينيًا فى الكنيسة وخصصتها إلى (بقايا القديسين)، وكل ما يختص بهم كالأدوات التى استعملها القديس خلال حياته فى الأرض، وأيضا الأدوات التى تألم بها وأدت إلى استشهاده.

< ‎كيف بدأت فكرة تكريم الرفات؟ وما مسار تطورها فى الكنيسة؟
- ‎ظهر هذا الاتجاه فى التخصص فى القرن الرابع، حيث كثر عدد الذين استشهدوا على اسم المسيح، وظهر معه كتابات آباء الكنيسة بخصوص أهمية تكريمهم وقدرتهم على الشفاء بمجرد اللمس، وفى القرن الرابع يذكر المؤرخ الكنسى باسيليوس القيصرى عن الاحتفال الرسمى الذى كان يحدث فى تذكار يوم استشهادهم.
‎وفى القرن الرابع والقرن الخامس تطور إكرام ذخائر الشهداء كطقس ليتورجى، مرتبط بالعبادة، حيث أصبح تقسيم أجزاء الأجساد وتنقلها من مكان إلى مكان أسلوب عبادة.
‎وفى القرن الأول لم تعرف فكرة الاحتفاظ بالرفات لشهداء العهد الجديد، فالكتاب المقدس اهتم فى سفر أعمال الرسل أن يذكر لنا أول سيرة شهيد استشهد على اسم المسيح، وهو الشماس اسطفانوس، أحد الشمامسة السبعة الذين اختارهم الرسل (أع 6، 7)، ولكن لم يشر التاريخ إلى أن المؤمنين احتفظوا بجسده أو أنهم وضعوه فى مكان معين، وأيضا يعقوب أول أسقف لمدينة أورشليم قطعت رأسه على يد هيرودس الحفيد، ولم يذكر أين وضعوا جسده ولم نسمع عن تكريم لهذا الجسد. 
أيضا القديسة كاترين أول شهيدة فى العهد الجديد، وبولس الرسول نفسه لم نجد أى بشارة عن جسده ومن أخذه وأين وضع؟. فضلا عن جسد القديس بولس والقديس بطرس اللذين استشهدا فى عصر نميرون عام 67، أحدهما بقطع رأسه خارج روما، والآخر على صليب منكسًا لأسفل- حسبما جاء فى رسالة كلمنضدس الرومانى إلى أهل كورنثوس فصل 95.
‎وهو ما يشير إلى أن الكنيسة الأولى لم تنم فى عقيدتها فكرة تكريم القديسين من الشهداء الذين استشهدوا على اسم الرب يسوع على الأقل خلال القرن الأول بأكمله، رغم أنه من المفترض أن كل الرسل والتلاميذ قد استشهدوا فيه، بخلاف القديس يوحنا الإنجيلى الذى مات بعد شيخوخة لسن المائة تقريبا، وبالتالى فإن أول إشارة لتكريم القديسين كانت رسالة، هى كانت للقديس كبريانوس، أشار إلى تكريم الشهداء وأيضا كتابات أثناسيوس فى القرن الرابع على أكثر احتمال.
‎وفى ظل الاضطهادات التى كان المسيحيون يتعرضون لها، أثيرت مسألة أجساد الشهداء فعقد مجمع قرطاجنة برئاسة القديس كبريانوس عام 257 وأصدر 120 قانونا، وخص القانون رقم 83 وتعرض لمسألة رفات القديسين، بسبب كثرة عدد الشهداء وانتشار تجارة بيع الرفات أو أجزاء منها، فكثر بناء الكنائس الصغيرة فى الحقول وعلى جوانب الطريق، فقرروا هدمها وإلزام الأساقفة بذلك، وأيضا ضرورة قراءة قصص الشهداء.
‎ولم تتعرض المجامع المسكونية «العالمية» لمسألة تكريم الشهداء أو القديسين، وحتى لم تذكر أن الكنائس تبنى على أسمائهم فلن نجد فى القرون الأولى كنائس بأسماء قديسين، وإنما كانت تسمى باسم المنطقة التى بنيت فيها. 
‎ ولعل أول إشارة لمجمع يتصدى لهذا التكريم فى قوانينه بضرورة تكريم الشهداء، بل ووضعت عقوبة على عدم هذا التكريم، هو مجمع غنغرة الذى لم يحدد المؤرخون ميعاد انعقاده بوقت محدد. 

< ‎ومتى تم استخدام الحنوط؟
- ‎الحنوط هى كلمة يونانية (اروما) ومعناها رائحة أو عطر، وكان أول ذكر لاستخدام هذه الظاهرة فى قيامة السيد المسيح، حيث أخذت مريم المجدلية وبعض النسوة حنوطا ليدهن به جسد الرب يسوع.
‎وأخدت الكنيسة هذه الفكرة بأن يوضع الحنوط على الأنبوبة الخشبية أو على قبره بهدف إعطاء رائحة زكية، ويبدو أن استخدام الحنوط لتكريم أجساد القديسين قد جاء متأخرا، حيث إن الآباء الأولين كانوا يؤكدون فى كتاباتهم أن أجساد القديسين تبعث رائحة طيبة من ذات نفسها، ونرى هذا فى سيرة القديس بوليكاربوس الذى كان جسده يفيض رائحة زكية (كان الشهيد يقف فى الوسط لا كلحم يحترق بل كخبز يشوى أو ذهب أو فضة وضعت فى البوتقة وكنا نتنسم رائحة كأنها البخور أو عطور نادرة).

< ‎وهل هناك آباء فى الكنيسة كانوا ضد هذا التكريم؟
- ‎نعم.. فمثلا جاء فى كتاب سيرة حياة الأنبا أنطونيوس التى دونها البابا أثناسيوس الرسولي، وهو البطريرك رقم 20 فى سلسلة بطاركة الإسكندرية، وقام بترجمها (القمص مرقص داود فصل ٩٠)، تؤكد أن تحنيط الأجساد بحجة «التبرك» بها ما هو إلا عادة وثنية ورثها المصريون عن الفراعنة، مثل الكثير من العادات الأخرى التى طغت على جوهر الإيمان المسيحي، فصارت مثل تلك العادات هى نفسها الإيمان المسيحي.. ولما ألح الإخوة ليمكث (أنطونيوس) معهم ويموت هناك رفض لأسباب كثيرة، كان ينم عنها التزامه الصمت، وكان أخصها هذا السبب: أن المصريين معتادون إكرام أجساد الصالحين ـ لا سيما أجساد الشهداءـ بالخدمات الجنائزية، ولفها بالأقمشة الكتانية عند الموت، وعدم دفنها تحت الأرض بل وضعها على أرائك، وحفظها فى منازلهم، ظانين أنهم بهذا يكرمون الراحلين.
وطالما حث أنطونيوس الأساقفة لإعطاء النصائح للشعب فى هذه الناحية، كذلك علّم العلمانيين ووبخ النساء قائلا: «إن هذا الأمر لا هو شرعى ولا هو مقدس على الإطلاق، لأن أجساد الآباء البطاركة الأولين والأنبياء محفوظة إلى الآن فى مقابر. ونفس جسد الرب أودع قبرًا وضع عليه حجر، وبقى مختبئًا إلى أن قام فى اليوم الثالث، وإذ قال هذا بيَّن لهم أن من لم يدفن أجساد الموتى بعد الموت تعدى الوصية، حتى وإن كانت الأجساد مقدسة، لأنه أى جسد أعظم أو أكثر قداسة من جسد الرب؟ ولما سمع هذا الكثيرون دفنوا الموتى منذ ذلك الوقت تحت الأرض. وشكروا الرب إذ تلقوا التعليم الصحيح».

< ‎ما مظاهر تكريم الكنيسة القبطية أجساد القديسين؟
- ‎أولا: جمع وحفظ بقايا قديس فى الأماكن التى قضوا فيها حياتهم واستشهدوا فيها أو كانوا رعاة لكنائسها، وذلك منذ القرن الثانى، ثانيا: بناء كنائس ومذابح. ثالثا: تأسيس تواريخ لذكرى هؤلاء القديسين واكتشاف رفاتهم. رابعا: من قوانين الكنيسة التى تلزم بوضع رفات الشهداء القديسين على المذابح لتكريسها وإقامة القداس الإلهى، خامسا: نقل رفات قديسين إلى أماكن غير التى عاشوا فيها، والهدف من ذلك هو الانتفاع من تذكر سيرتهم وقدوتهم التى عاشوها وسط شعبهم أو ديرهم والتشفع بصلواتهم، ولهذا لا يسمح بإقامة تذكارات الشهداء إلا حيث توجد أجسادهم (طبقا خلاف المعمول به حاليا) أو بعض رفاتهم أو مكان معيشتهم فى حياتهم على الأرض.
< ‎لماذا تركز الكنيسة على بعض القديسين وتترك البعض؟ 
- ‎الكنيسة تركز على بعض القديسين دون غيرهم وتتمسك بإبرازهم لدى الأقباط وتكثر من بناء المذابح لهم وتتجاهل باقى القدسين ويصبحون مهملين ولا أحد يعرف عنهم شيئا، وهذا يتناقض مع ما نتمسك بها فى تعاليم الكنيسة بأن القديسين مقبولين أمام الله وأنهم متساوون فى القوة، لأنهم أرواح الله وهياكل الروح القدس التى صعدت على اسم ربنا يسوع المسيح.
‎ومن ناحية أخرى، من العجيب أننا نتمسك بهويتنا القبطية ومع ذلك معظم الشهداء الذين لهم صيت فى كنيستنا هم من خارج القطر المصرى وليسوا مصريين، والأمثلة كثيرة ولا أحد يستطيع أن ينكرها والسؤال، أين هم الشهداء والقديسون المصريون ومكانتهم فى التكريم؟ ولصدق الاستنتاج يمكن أن تقارن بين شعبية مارجرجس مثلا وشعبية بولس الرسول، فهل أحد يطلب شفاعة القديس بولس الرسول الذى قضى حياته فى خدمة توصيل رسالة المسيح لكل المؤمنين من أقاصى الأرض لمغاربها؟ وكم عدد الكنائس التى تحمل اسمه.
< ‎وماذا عن تأثير «فيس بوك» فى وجود شعبية لبعض القديسين؟
- بعض الأسماء لم نسمع عنها إلا من خلال «فيس بوك» باعتباره وسيلة للنشر على أوسع نطاق، وإن كان بعض الناس يروجون لأسماء قديسين ومعجزات بدون فحص ولا تمحيص، فمثلا سيرة القديسة «فيلومينا» لم يكن لها أى ذكر قبل عام 1802م، حينما تم اكتشاف رُفاتها (أى عظامها) فى مدينة روما بمقبرة بريسيلا (إحدى المقابر القديمة التى تتخذ شكل سراديب تحت الأرض)، وإلى جوار الرُفات وجدت بعض الآثار والنقوش التى تُشير إلى اسمها، وقد أظهر الباباوات الكاثوليك الكثير من الاهتمام والتكريم تجاه الرُفات.
وفى أغسطس عام 1833م، كانت إحدى راهبات الدومنيكان وتدعى«مريم لوسيا» تُصلى ليسوع أمام تمثال للقديسة فيلومينا وتدور فى رأسها التساؤلات حول حياة هذه القديسة، إذ فجأة بالتمثال يحدثها ويكشف لها عن سيرة حياة هذه القديسة التى كانت أميرة يونانية استشهدت فى روما وعُمرها 13 سنة على يد الإمبراطور دقلديانوس الذى حكم ما بين عامى 284- 305م، لتُصبح «فيلومينا» منذ تاريخ هذه الرؤيا واحدة من أشهر القديسات فى الغرب.
ومؤخرًا بدأت سيرة القديسة «فيلومينا» فى الانتشار بين الأقباط، فضلًا عن الكثير من الإضافات المرتبطة بالفلكلور والفبركات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بينها أكذوبة وجود جسدها كاملًا بدون فساد فى أحد أديرة مصر القديمة! وأنه وجد جزء من رفاتها فى دير قبطى بطريقة ما، لكن ذلك لا يعنى أن «فيلومينا» تحظى باعتراف رسمى من الكنيسة القبطية، أو أنها تتمتع بأى مكانة طقسية كالتى يتمتع بها القديسون والشهداء فى الطقس القبطي، وهنا تجد أسئلة كثيرة بلا إجابات، منها هل كل الكنائس لديها أجساد؟ ومن أين يأتون بها؟ وما موقف الكنائس التى تضع أنبوبة مكتوبا عليها اسم قديس وليس بها أى شىء لهذا القديس؟ فمثلا رأيت إحدى الكنائس تقدم حنوطا لأنبوبة فى احتفال مهيب للقديس أثناسيوس الرسول، مع أن جسد هذا الرسولى ليس موجودا سوى فى المزار المخصص له أسفل الكنيسة الكبرى بالكاتدرائية بالعباسية، وأحضر جزء من رفاته فى حبرية قداسة البابا شنودة الثالث فى احتفال مهيب يليق بمكانته، ولم ولن يوزع منه شىء على الكنائس.
وهو ما يجعلنا نتساءل ماذا يوجد بداخل هذه الأنبوبة؟ لعل يوجد مجيب. أيضا فى إحدى كنائس إيبارشية شبرا الخيمة بقرية صغيرة وجدت أنبوبة مكتوبا عليها اسم القديس مرقس الرسول، ونحن نعلم مدى حقيقة وسعى البابا كيرلس السادس للحصول على جزء من رفات هذا القديس مؤسس الكنيسة المصرية، وبمجرد وصوله للأراضى المصرية، وضع بالمزار المعد له أسفل الكنيسة الكبرى بالكاتدرائية ونفس السؤال السابق.. فماذا بداخل هذه الأنبوبة؟.