السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سلاح الغدر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«ليت قومى يعلمون حجم المخاطر الجمة التى تُواجهها الدولة المصرية»، جُملة سمعتها من عدد من المسئولين منذ أحداث 25 يناير 2011، وسمعتها كثيرًا جدًا بعد ثورة 30 يونيو 2013، وأصبحت على لسان جميع المسئولين فى مصر بعد أحداث فض اعتصام رابعة فى 14 أغسطس من نفس العام، وبطبيعة الحال كان المسئولون الأمنيون هُم الأكثر ترديدًا لهذه الجُملة.. أتذكر أن وزارة الداخلية عقدت مؤتمرًا صحفيًا فى مقر مصلحة الأمن العام فى العباسية فى أغسطس 2011 للواء أحمد جمال الدين مساعد وزير الداخلية للأمن العام وقتها، وقد حضرت هذا المؤتمر وسألت «جمال الدين»: لماذا لا يشعر المواطنون بالأمن؟ فقال: بالأرقام التى أمامى أستطيع القول بإننا نجحنا فى الوصول لقضايا كثيرة جدًا بالمقارنة بالأعوام الماضية، وهذا يدل على المجهود المُضاعف الذى نبذله.. قُلت لـ «جمال الدين»: لكننى أشعر بأن السلاح مُنتشر بالمُقارنة بالسنوات الماضية.. فقال: أنا معاك جدًا فى كلامك دا، لكن «مربط الفرس» هو: السلاح مع مين؟ ساعدونا فى القيام بمهامنا واعملوا وعى للناس بمخاطر انتشار السلاح بهذه الكميات المهولة.
بعد إنتهاء المؤتمر بدقائق، صممت على الحديث مع اللواء أحمد جمال الدين مرة أخرى على انفراد، وقد رحب جدًا وقال لى: عارفك هتسألنى عن السلاح، وقبل ما تسأل هجاوبك وهأقولك (نحن نُعانى من انتشار السلاح بين مجموعات محسوبة على تيار مُعين والسبب تهريب السلاح، فيه عمليات تهريب سلاح لمصر، عمليات مُنظمة هدفها إدخال سلاح لمصر أحدث من السلاح الذى تستخدمه الشرطة، سلاح جيوش يعنى، ونحن نتصدى لهم على قدر استطاعتنا).. سببت هذه التصريحات صدمة لى، وظهرت علىّ علامات الاندهاش، فقال اللواء جمال الدين: أيوه، فيه سلاح بيتهرب بطريقة مُنظمة لمصر لجماعات مُنظمة داخل مصر.
حاولت الربط بين ما قاله اللواء جمال الدين، وبين ما حدث فى 5 مارس 2011 من اقتحام لمقرات أمن الدولة فى توقيت واحد، والهجوم على المقر الرئيسى لجهاز أمن الدولة بمدينة نصر، وظلت دولة كبرى بحجم مصر بدون جهاز أمن دولة لمدة 60 يومًا، من 5 مارس 2011 حتى 5 مايو 2011.
كان جهاز الشرطة يعانى ولم يسلم من يد المتربصين به، ودخلت ملايين قطع السلاح لمصر.. وكان هُناك عدد من الأسئلة المُلحة، كُنت أسأل المسئولين وأهل الخبرة والتقيت بعدد من المعنيين بالأمر، وطوال فترة البحث كانت تحدث مواقف تعطى لى خيوطًا جديدة وتساعدنى فى التوصل لحقائق لا يمكن التشكيك فيها، ومنها:
- بعد حالة الفوضى التى حدثت فى ليبيا، كانت هناك مخازن سلاح كثيرة تم اقتحامها وأصبحت فى متناول يد المواطنين الليبيين، وتم تسليح عدد من الميليشيات الإخوانية هناك بعد سيطرتهم على كل شئون البلاد، ونادت عدد من الدول العربية والأوروبية بضرورة نزع السلاح من المواطنين الليبيين لكن دون جدوى، فقد كان حمد بن خليفة أمير قطر وقتها، داعمًا بقوة للإخوان فى ليبيا ويُسيطر على القرار هناك، ورفض فكرة تسليمهم للسلاح.
- زادت عمليات تهريب السلاح من ليبيا إلى مصر عن طريق عدد من العصابات التى كانت تحصل على أموال طائلة بالدولار مُقابل التهريب، وهذه العصابات بعضها إخوان والبعض الآخر من المتحالفين معهم، والبعض الآخر من المستفيدين منهم، والبعض الآخر من المرتزقة.
- كانت عمليات تهريب السلاح تتم عبر مدينة «درنة» الليبية حتى «الكفرة» على الحدود، ثم «واحة سيوة» وفى بعض الأحيان يُنقل السلاح إلى أسيوط ومنها إلى سفاجا حتى يصل إلى سيناء، وفى أحيان أخرى يُنقل من واحة سيوة إلى القاهرة ثم الإسماعيلية ليصل إلى سيناء.
هنا تم الكشف عن حقيقة هامة، وهى أن السلاح المُهرب يكون اتجاهه إلى سيناء، وبعد تولى جماعة الإخوان الحُكم شاهدنا جميعًا قيام محمد مرسى، مندوبهم فى الرئاسة، بإصدار قرارات عفو رئاسى عن كبار «فطاحل» الإرهاب المنتمين لتنظيم القاعدة، ومنهم: عبدالعزيز الجمل مسئول التدريب فى تنظيم القاعدة، وأحمد سلامة مبروك، أحد المُقربين من أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة، وأبوالعلا عبدربه قاتل فرج فودة، ومحمد جمال عبده الكاشف، المتخصص فى صناعة المتفجرات بتنظيم القاعدة، وبعد الإفراج عن الأربعة الكبار ذهب ثلاثة منهم إلى سوريا وشاركوا فى تأسيس «جبهة النُصرة» الموالية لتنظيم القاعدة، ليظل محمد جمال عبده الكاشف فى مصر وينتقل إلى سيناء ويُشكل معسكرات تدريب للإرهابيين الذين حصلوا على السلاح المُهرب الذى أتى إليهم من ليبيا، لكن على ما يبدو كانت أجهزة الأمنية ترصد جميع التحركات، وتم القبض على «الكاشف» فى أحداث خلية مدينة نصر، وقد كشفت التحقيقات فى هذه القضية عن كارثة مُدوية وهى: إثبات أن مُعظم المتهمين فى القضية على علاقة بتنظيم القاعدة، وجاءت لهم كميات هائلة من السلاح من ليبيا ويقومون بتجنيد الشباب للانضمام لمعسكراتهم فى سيناء، وشملت المضبوطات فى القضية «لاب توب»، وبتفريغ محتوياته تم الكشف عن قيام أحد المتهمين بإرسال رسالة لأيمن الظواهرى يطلب فيها زيادة المساعدات المالية، لأنهم يدفعون أموالا باهظة مقابل شراء السلاح، وأموالًا أخرى مقابل نقل هذا السلاح إلى سيناء، وعملية دفع الأموال يتم حسابها على قطعة السلاح الواحدة كالآتى: نقل القطعة الواحدة من «سلاح الكلاشنكوف» من ليبيا لمصر يتكلف 1000 جنيه بخلاف ثمن السلاح، ونقل «الصاروخ» يتكلف 2000 جنيه بخلاف ثمن الصاروخ، واختتمت الرسالة بالجملة الآتية: «عملنا القادم يتطلب أسلحة ثقيلة مثل «الهاون وصواريخ جراد» وهذا يجعلنا فى حاجة للأموال».
وتمر الأيام ويخرج علينا الفريق السيسى، وزير الدفاع وقتها، ويقول: «لن نسمح لأحد برفع السلاح على المصريين».. هنا لا بد أن نتوقف عن التصريحات بالصوت والصورة التى خرجت من «محمد البلتاجى القيادى بجماعة الإخوان» بعد بيان 3 يونيه 2013 مباشرة، والتى قال فيها: «إن ما يحدث فى سيناء يتوقف فى نفس الثانية التى يعلن فيها «السيسى» تراجعه»، لكن ماذا كان يحدث فى سيناء؟ كان السلاح الذى جاء من ليبيا مُتاحًا فى يد التنظيمات الإرهابية التى تتبع الإخوان وتم تدريبهم فى مُعسكرات التدريب التى أنشأها قيادات تنظيم القاعدة المُفرَج عنهم للدفاع عن الإخوان، ورفعوا السلاح فى وجه الشرطة وحاصروا أقسام الشرطة فى العريش والشيخ زويد، واقتحموا جميع المقرات الحكومية، وأعلنوا فى مؤتمر حضره جميع الإرهابيين عن دفاعهم عن الإخوان و(تشكيل مجلس حرب) ضد الدولة.
رحل الإخوان وبقيت تنظيماتهم المُسلحة، وتصدى لهم رجال على قدر المسئولية، بقيت تنظيماتهم لتقتل أغلى الرجال وأطهر وأنقى الشباب الأبطال، رحل الإخوان وما زلنا ندفع الغالى والنفيس للحفاظ على مصر من غدرهم، (مصر) التى لا يعرفونها والتى قال عنها المولى عزوجل (اُدْخُلُوا مِصْر إِنْ شَاءَ اللَّه آمِنِينَ).