الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

تعددت الصور و"المسيح" واحد.. رسوم مختلفة لـ"يسوع" من أفريقيا إلى روما.. وأقدم اللوحات في "أتيكا" باليونان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
غربيون وشرقيون ومن كل بقاع الأرض، رسموا لوحات وأيقونات للسيد المسيح، كل منهم رسم المسيح بوجهة نظره وتخيله، وكل منهم رسمه طبقًا لمعيار ومفهوم الجمال المتفق مع ثقافته وبيئته.
فنجد السيد المسيح أفريقيًا ذا بشرة سوداء وشعر مجعد وشفاة كبيرة، أما فنانو أوروبا فقد رسموه - وهو الشكل الشائع فى غالبية صور المسيح - ببشرة بيضاء وعيون ملونة ما بين زرقاء أو بني، وذلك طبقًا لطبيعة البلاد الأوروبية وبشرة الغالبية العظمى من سكانها. 
أما عن كنائس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد تم تجسيد المسيح ورسمه فنيًا وسينمائيًا وفقًا لمعايير الجمال بالمنطقة، فيظهر المسيح أسمر البشرة، عسلي العيون، وبشعر أسود ليس بناعم أو مجعد، وفي آسيا، رُسم المسيح طبقًا لطبيعة البشرة الآسيوية، ذات الشعر الأسود الكثيف والناعم والعيون السوداء. 
وقال العلماء إن أغلب صور المسيح الشائعة غير دقيقة، والحقيقة المؤكدة أن المسيح كان يهوديًا، وعلى الأغلب كان خمري البشرة والعينين والشعر أسودان، على عكس صورة المسيح الحديثة ذات البشرة الفاتحة والشعر الأصفر والعينين الزرقاوين.
- الفن ابن الطبيعة
«الفن ابن بيئته»، فعندما يطلب من طفل مصري أن يرسم بيتًا، فهو بالتأكيد سيرسمه على الطريقة المصرية، وإذا طُلِب من طفل أفريقي أن يرسم شجرة فلن يرسم الأرز اللبنانية بل شجرة بيئته.
وعلى عكس الغربية، فقد كانت الأيقونات الشرقية أكثر تجردًا من تأثير الفنون، حيث كانت الغربية تتخذ بحسب تطور الفنون المدنية أشكالًا جديدة ومتنوعة، بينما حافظت الأيقونات الشرقيّة، نوعًا ما، على نفس الأسلوب.
وكثيرًا ما وُجهت انتقادات للوحات الدينية الغربية التي قد تظهر المسيح والعذراء، شكلًا، خلافًا لما يتصوره أبناء المشرق، يأتي الانتقاد سطحيًا أو غالبًا ما يقع في فخ مقارنة خطوط اللوحات الغربية بخطوط الأيقونات الشرقية فنقع في جدلية الأشكال وليس المضمون. 
وقد رسم الفنانون الغربيون اللوحات الدينية استنادًا إلى نصوص كتابية بعد دراسة وتحليل، لتخرج اللوحة حاملة للبُعد اللاهوتي للمشهد.
ويظهر الطفل يسوع في معظم اللوحات الغربية أشقر الشعر أزرق العينين أبيض البشرة، ما يدفع الشرقيين والأفريقيين للاعتراض ورفض الأمر، فطبيعة هذه الشعوب سمار البشرة والعيون والشعر الأسود.
ومن جانبه، قال الفنان عادل نصيف، أستاذ الأيقونة القبطية، إن هناك ردة في تناول الفن القبطي، والذي كان من أوائل الفنون التي رسمت وجه السيد المسيح، ولكن للأسف الشديد فقد تركت الكنيسة المصرية الفن القبطي الأصيل، وراحت تنسخ من صور الغرب.
وأضاف نصيف لـ«البوابة القبطية»، أننا نجد مثلًا وجه السيد المسيح في اللوحات الكنسية داخل كنائسنا مأخوذا من الصور الغربية، وليس الوجه الذي نراه في صوره الموجودة بالمتحف القبطي وجداريات الكنائس المصرية القديمة والتي توضح ملامحه الشرقية، وتؤكد ذلك أيضًا صورته على الكفن المقدس، فهي شرقية الملامح.
وطالب فنان الأيقونة القبطية، الكنيسة المصرية بعمل مراجعة، والرجوع إلى فن الآباء والذي جسد صورة المسيح الشرقية، وهي الأقرب إلى الحقيقة، وتستبدلها بالصور الغربية التي ملأت جدران الكنائس، مشيرًا إلى أن الفن القبطي غني بمعانيه ولا يحتاج إلى الاستعانة بمساعدات خارجية.
- البانتوكراتور
الترجمة الحرفية للكلمة اليونانية «بانتوكراتور» هي «الذي لديه سلطة على كل شيء»، أما الصورة فهي أقدم صورة «بانتوكراتور» في العالم، رُسمت بين القرنين السادس والسابع، ويظهر فيها المسيح يرفع يده اليمنى كالمعلم في حين يحمل الإنجيل في اليسرى، ولا تزال الصورة موجودة في دير القديسة كاثرين في جبل سيناء في مصر، وهو من أقدم الأديرة في العالم.
- أيقونة صورة العذراء.. مريم الشرقية ذات الوجه الأوروبي 
عن وجه السيدة العذراء، يقول عادل نصيف، أستاذ الأيقونة القبطية إن أيقونة وجه العذراء يختلف رسمها حسب كنائس العالم، موضحًا أن هناك خطأً شائعًا برسمها بملامح أوروبية، في حين أنها «ابنة الشرق الأوسط»، مؤكدًا أن العذراء ترسم حسب ثقافات الشعوب، فأحيانًا نجدها بملامح أفريقية وآسيوية، وأن هذا خطأ شائع يجب أن يتوقف.
ويؤكد نصيف «أن الفن الديني والتعبير عن الروحانية واستخدام الأيقونات لشرح الإيمان، يتم باستخدام ملامح الشخصيات من البيئة والمكان، بمعنى أننا نجد ملامح العذراء في أفريقيا سمراء، في الصين بملامح الصينيين، وبأوروبا بملامح أوروبية، ولكن المصيبة أن تلك الملامح انتشرت بالكنيسة القبطية، بسبب نسخ ملامح غربية، وأيضًا عدم المعرفة بخصوصية وجمال فننا القبطي، والأهم أن ملامح الرسل والمسيح والسيدة العذراء هي ملامح شرقية، وبالتالي إن كنا صادقين ومدققين فلابد من رسم ملامح شرقية.
- أقدم صورة للمسيح «الأيقونة القبطية»
أجرى علماء بحث بريطانيون دراسة في ٢٠١٥، أظهرت صورة جديدة للمسيح من خلال تحليل هياكل عظمية لليهود، يرجع تاريخها إلى أكثر من ٢٠٠٠ سنة باستخدام التقنيات الحديثة والبرامج المتطورة والرجوع إلى الوثائق التاريخية. 
وأكد فريق البحث أن هذه الصورة هي الأدق من بين الصور المتعارف عليها على نطاق واسع في الفن المقدس، التي يظهر فيها بعينين لونهما أزرق وبشرة شقراء وشعر لونه أصفر، ولكن الدراسة الحديثة أظهرته بلحية سوداء وشعر مجعد وعينين وبشرة داكنة، وجاء ذلك بحسب ما ذكر موقع«discovery». 
ويشار إلى أن الباحثين زاروا العديد من الكنائس التي تتواجد بها صور ليسوع المسيح على مدار التاريخ البشري، موضحين أن هناك الكثير من الفضول حول وجه المسيح الذي لديه المليارات من أتباعه في جميع أنحاء العالم، مؤكدين أن صورة السيد المسيح قد تغيرت على مر القرون.
ورصد الباحثون الصور المتعددة والمتغيرة للسيد المسيح، ومنها صورة وجدت على كنيسة يهودية في المدينة السورية، وسُميت اللوحة باسم «شفاء مشلول»، وكان يسوع أصغر من أن تنمو لحيته، ووصفته بأن شعره مجعد يرتدي سترة وصنادل بقدميه، ومنها صورته وهو ملتحٍ وشعره طويل في أوائل القرن الـ١٤، وانتشرت هذه الصورة على نطاق واسع.
وتواجدت صورة ضريح «جالا بلاسيديا» ويعود تاريخها إلى القرن ١٥، وقد ظهرت الصورة بأنه غير ملتحٍ، ولكنه ارتدي الألوان الملكية الأرجوانية.
وظهرت صورة أخرى للمسيح «الراعي الصالح»، وانسحبت من إنجيل يوحنا، وكان يسوع يحمل مظهر الرومانية القديمة، كما ظهرت صورة ليسوع وهو طفل في لوحة فنية ترجع تاريخها على منتصف القرن الرابع، وتواجدت هذه اللوحة في كنيسة آيا صوفيا وظهرت فيها مريم العذراء تحتضن الطفل يسوع. 
وابتداءً من القرن الخامس تواجدت صورة فنية ليسوع وهو على الصليب، وتُعد أقدم الصور ليسوع وهو المصلوب جنبًا، ومعه اثنان من اللصوص المدانين كما قيل في الكتاب المقدس.
يعود مصدر هذه الصورة إلى الأناجيل، لكن حتى قبل المسيحية، كان اليونانيون يعتمدون في منحوتاتهم صورة الـ«موسكوفوروس» أو حامل العجل، وتعود هذه المنحوتة إلى العام ٥٧٠ ما قبل المسيح، إذ صممها للمرة الأولى نحات غير معروف في أتيكا اليونانية، واعتمد الرومان هذه الصورة المألوفة من سجل الصور القديمة لتزيين منازلهم وقصورهم، وتم اعتماد هذه الصورة بسهولة لتمثيل المسيح كالراعي الذي يرعى القطيع ويعطيهم الحياة.
- وصف يوحنا الدمشقي 
ومما يستحق الانتباه، هو وصف يوحنا الدمشقي - القرن السابع - فيقول إن السيد المسيح كان طويل القامة، مندمج الجسم، ذا عينين جميلتين، وأنف مستقيم طويل، له لحية سوداء متوسطة، وشعر طويل أجعد، كث الحاجبين، رأسه مائل إلى الأمام، حنطى اللون مشابه لأمه العذراء الطاهرة.
وكذلك وصف الكاتب نيكوفور كاليست، من القرن الـ١٤، السيد المسيح بأنه كان مستدير الوجه، طول قامته نحو سبعة أشبار، وشعره طويل متوسط في الكثافة، أسود الحاجبين مستقيمهما، وعيناه نجلاوان ساجيتان، وأنفه طويل مستقيم، ذو لحية قصيرة، ورقبة مائلة بملامح رصينة وديعة شبيه بأمه.
- تأثر الكنيسة القبطية بالغربية 
تأثرت الكنيسة القبطية الحديثة بالفن الغربي، وابتعدت أحيانًا عن الفن المصري القبطي، حيث يفسر فنانون هذا الوضع بأن الكنيسة تتجه لاستيراد الفنون الغربية في الكنائس التي يتم تشييدها حديثًا، وهو ما يوحى وكأننا بلا جذور ونقوم بالاستيراد من الخارج.
- «المخلص».. أحدث الأفلام الشرقية عن المسيح 
وأشار عادل نصيف أستاذ الأيقونة القبطية «نصيف» إلى أن الأيقونة البيزنطية هي الأكثر انتشارًا في روسيا واليونان، ولها ملامح وقواعد في الرسم، ولا يستطيع أي فنان الخروج عنها، وتختلف عن الأيقونة القبطية التي هي في الأساس أيقونة محلية، وتتسم بصفات مصرية صميمة، فيرسم الفنان الملامح المصرية ويهتم بوجه المصلى، ولا يهتم بالمنظور مثل الفن الفرعوني، لأنه يعتبر اللوحات «المنظورة» خداعًا نظريًا، لتبسيط أيقونة لم تؤسسها سلطة، فهي شعبية. 
وتابع: فالأقباط في مصر لم يشغلوا منصب إدارة البلد، ولذا فالأيقونة تظهر نقية جدًا وشعبية، وفيرة في الخامات والجودة ولكنها قوية في التأثير، وخاصة الأيقونات التي كانت ترسم حتى القرن الثامن، والتي كانت نواة للفن القبطي.
وأضاف «نصيف»: بعد القرن الثامن تعثرت الأيقونة القبطية بسبب الظروف السياسية والدينية للبلاد، فتوقف تقريبًا إنتاج الأيقونة، وظهرت بعض «الريسكات» في القرنين ١٢ و١٣، تلتها في القرن التاسع عشر محاولات من بعض المستشرقين، ونفذها يوحنا الأرمني وغيره من الذين جاءوا من فلسطين وسوريا وأنتجوا الأيقونات المحلية الموجودة في مصر القديمة وبها الروح المصرية، فاستطاعوا أن يعبروا عن ملامح الأيقونة المصرية. 
فالفن القبطي معناه أنى مصري قبطي أرثوذكسي، فالأقباط بدأوا فن الأيقونة مبكرًا، ولكنهم للأسف توقفوا، ففي الوقت الذي نجد فيه احتفاء بالفن القبطي، ونجد متاحف مثل اللوفر بها لوحة قبطية من القرن السادس وهنا ننسخ الفن الغربي، فهذا يسبب اغترابًا وعزلة عن تاريخنا القبطي. 
في ٢٠١٤ وقع الاختيار على الفنان الفلسطيني شريدي جبارين، صاحب الملامح الشرقية، ابن مدينة أم الفحم والمقيم في ألمانيا، لتجسيد دور السيد المسيح في فيلم «المخلص».
ويقول المخرج الفلسطيني روبرت سافو، إن مدة التصوير استغرقت ٢٧ يومًا بين بلغاريا والأردن، وهذه أول مرة في التاريخ تصور قصة حياة يسوع المسيح كاملة باللغة العربية، وتم ترجمة الفيلم إلى ٢٥ لغة وعرضه في مختلف المحافل والشاشات الدولية، والمميز في هذا الفيلم، هو أن المخرج كانت له رؤية جديدة عن شخصية المسيح، ليست مشابهة للرؤية الأوروبية التي تناولتها الأفلام السابقة، لذلك وقع اختيار المخرج على الفنان الفلسطيني شريدي جبارين، صاحب الملامح الشرقية.
- لوحة مخلص العالم 
رسم الفنان العالمي ليوناردو دافنشي، لوحة مخلص العالم، في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، والتي صور فيها المسيح وهو يرتدي لباسًا من عصور النهضة، جالسًا ورافعًا يده اليمنى في وضعية منح البركة، حيث يبدو إصبعان مرفوعان لأعلى هما السبابة والوسطى، في حين يحمل في يده اليسرى المفتوحة كرة من الكريستال البلوري ترمز إلى الكون والسماء.
ولفترة طويلة ظلت اللوحة الأصيلة التي رسمها دافنشي غير محددة، إلى أن تم اكتشافها وأُعيد عرضها في العام ٢٠١١ في المعرض الوطني بلندن، بعد أن خضعت لعملية ترميم، ضمن معرض ضخم لأعمال الفنان دافنشي؛ أقيم في نوفمبر من ذلك العام.
ورُسمت اللوحة بين عامي ١٥٠٦ و١٥١٦ لأجل الملك لويس الثاني عشر ملك فرنسا وآن بريتاني التي كانت حاكمة ودوقة بريتاني والملكة القرينة لفرنسا، وقد كانت ضمن المجموعة الفنية التي يملكها تشارلز الأول ملك إنجلترا في القرن السابع عشر.