الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مقاومة| "أولاد نوفمبر".. قصة طفل ضحى لأجل حرية بلاده

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قدم المخرج الجزائرى موسى حداد، للسينما العربية عام ١٩٧٥، واحدًا من أهم الأفلام التى وثقت للمقاومة والنضال، إبان فترة الاحتلال الفرنسى للجزائر، وهو فيلم «أبناء نوفمبر»، والذى يحكى عن الموجات الثورية والعمليات البطولية التى قام بها المجاهدون الجزائريون، والتى أثمرت عن ثورة التحرير الوطنى الجزائرى التى اندلعت فى الفاتح نوفمبر ١٩٥٤، وحاولت حكومة «منداز فرانس» سجن كثير من أبطالها فى محاولة فاشلة لإحباطها. 
الفيلم العربى «أولاد نوفمبر»، يعد شاهدًا وموثقًا لنضال أبناء الشعب الجزائرى ضد المعتدى الفرنسي، من خلال رصد عمل الجماعات الفدائية من جهة، وكذا التعامل الوحشى من قبِل قوات الاحتلال من جهة أخرى، ولعل ما يُميز هذا الفيلم عن غيره من الأفلام التى وثقت للثورة الجزائرية، أن بطله المجاهد الذى وقف صلبًا أمام جنود الاحتلال كان طفلًا لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره إلا أنه ضرب مثلا يحتذى به فى التضحية للدفاع عن بلاده، ومحاولة تطهيرها من عُهر الاحتلال، وهو عن قصة حقيقية للمجاهد «مراد بن صافى»، والذى كان واحدًا من فتيان الجزائر الذين انضموا لصفوف المقاومة وهم فى سن صغيرة، وجسد دوره الفنان الراحل «عبدالقادر حمدي». 
تدور أحداث الفيلم منذ البداية حول الفتى الصغير «مراد» الذى يعانى من مرض بالصدر، إلا أنه ورغم مرضه يعمل بائعًا للجرائد فى شوارع وطرقات القصبة العتيقة بالجزائر العاصمة، ليعيل والده المريض وأمه المتقدمة بالعمر، فتى مغمور كتب له أن يُسطر اسمه بين العظماء بحروف من ذهب، وأن يُصبح حديث العاصمة فى طرفة عين، بسبب حصوله على أوراق مهمة تخص المجاهدين، ومطلوبة لدى البوليس السرى الفرنسي. فيتحول مراد من مجرد طفل صغير يبيع الجرائد، لمجرم مطلوب لدى البوليس السري، ولفدائى وبطل كبير لدى أبناء الجزائر، فبينما يطوف مراد شوارع العاصمة بحثًا عما يعيل به أسرته جراء بيعه للجرائد، يُكسر نعل حذائه البالى فيذهب إلى «عم العربي» الإسكافى لإصلاحه، وبينما يجلس مع العربى يدور بينهما حديث مقتضب عن أسرة «مراد» ومرض والده ومن ثم يتطرق الحوار للسياسة فيقول له مراد: «هذه الجرائد لا تخصنا، ولا تخض أحوالنا وأحوال بلادنا، وإنما هى للفرنسيين يكتبونها لأنفسهم، ويكتبون بها ما يحلو لهم «ماهياش مخدومة لينا»، وكأن الطفل الصغير كان يعلم أنه على موعد مع القدر ليكون واحدًا من أبطال المقاومة. يشكر «مراد» عمه «العربي» لإصلاح حذائه.
قبل أن ينطلق ليواصل سعيه فى شوارع القصبة العتيقة يقول له «العربي»: «مراد يا وليدى كون راجل»، وفى هذه الأثناء وبينما يجتمع رجال المقاومة ليتحدثوا عن الأوراق التى بحوزة زميلهم المجاهد «العربي» وما لها من أهمية، والتى سيسلمها إلى «الطباخ»، ومن ثم سيذهب له أحد رجال المقاومة ليستلمها منه؛ يغلق العربى محله من الداخل ويستخرج الأوراق المهمة ويخفيها بين طيات ملابسه، ويختبر سلاحه قبل أن يخرج من المحل متجهًا إلى «الطباخ»، إلا أن أحد الخونة والذى يُدعى «مروان» ويعمل بأحد الحانات كان قد وردت إليه معلومات بخصوص الأوراق المهمة وقام بإبلاغ البوليس السرى الذى داهم «العربي» لحظة خروجه من محله، ولتبدأ المطاردة المسلحة فى شوارع وطرقات القصبة العتيقة، فيصاب العربى بطلقة نارية فى قدمه. يسمع «مراد» صوت الرصاص فيتوقف وهو فى حالة خوف، إلا أن فضوله يدفعه ليعرف من المُطارد، وفجأة يكتشف أنه «العربي»، فيقترب منه وهو يصيح بصوت خافت «عمى العربي»، ويساعده على الحركة تحت أمطار الرصاص الفرنسي، وبعدما يتأكد «العربي» أنه غير قادر على الحركة تمامًا يستخرج الأوراق ويوصى «مراد» أن يصل بها إلى «الطباخ» ويسلمها له يدًا بيد، ويحذره أن تقع فى يد البوليس نظرًا لما لها من أهمية، ويطلب منه أن يُكرر عليه ما قاله، ويأمره بالانطلاق سريعًا، ثم يُسلم نفسه للبوليس السرى الفرنسى بعد أن آمن هروب المجاهد الصغير الذى تحول فى لحظة من مجرد طفل إلى بطل فى صفوف المقاومة. 
تبدأ رحلة البحث والمطاردة، فالطفل الصغير مصاب بأحد الأمراض التى تمنعه من الحركة السريعة، إلا أنه يواصل الركض إلى أن يصل إلى «مولود الطباخ» فيجده مقبوضا عليه من البوليس السري، فيذهب إلى منزلهم ليخفى ما لديه من أوراق فى مخبأ سرى اعتاد أن يخفى به أشياءه وهو طفل صغير ولا يعرف هذا المخبأ سوى أمه، يواصل الطفل ركضه بحثًا عن طريقة لإيصال الأوراق المهمة إلى جماعات المقاومة، إلا أنه لا يجد سبيلا إلى ذلك، حيث باءت كل محاولاته بالفشل بدءًا من ذهابه إلى زوجة «العربي» التى ارتابت فيه ونهرته، وصولا إلى أحد أقربائه الذى احتد عليه حينما أخبره بالأمر وكاد يضربه. فى الوقت ذاته يبدأ البوليس السرى بالبحث عنه من جهة، وجماعات المجاهدين من جهة أخرى، وبينما هو ذاهب إلى بعض رفاقه من الأطفال الذين يقيمون فى أحد المنازل المهجورة فى أطراف المدينة، وصلت معلومة للبوليس السرى من الخائن «مروان» - الذى قتل على يد أخيه المجاهد جزاءً لخيانته - أنه هناك، فذهب البوليس السرى يترقب وصوله، وقاموا بمطاردته حتى سقط مغشيًا عليه بعد أن قطع مسافة كبيرة وهو يواصل الجرى دون توقف، وأثناء احتجازه بالمستشفى استطاع رجال المقاومة تهريبه إلى مخبأهم الآمن، وأحضروا والدته، واصطفوا جميعًا حول الطفل الصغير بما فيهم «العربي» الذى هرب من رجال البوليس السري. 
وبينما يقف الجميع، يهذى الطفل وهو فى حمة المرض ويقول بصعوبة شديدة: «عمى العربى لى وصانى لا لا، ما لازمش يطيحوا فى يد البوليس، عمى العربى اللى وصاني»، وبين نحيب الأم لما وصلت إليه حالة ابنها الوحيد، وتأثر «العربي» الذى يمسح على رأسه قائلًا: «رانى هنا مراد، رانى هنا وليدى»، يفيق الطفل على هزات أمه التى تحتضنه ويقول لها وهو يلفظ أنفاسه: «ياما تعرفى المكان إللى أخبى فيه، به الأوراق أعطيهم للمجاهدين». وينطق البطل الصغير جملته الأخيرة ويسلم روحه إلى بارئها وسط دموع الحضور، ونحيب أمه، ليقدم للعالم رسالة خالدها، مؤكدًا بشهادته أن كل شيء يهون فى سبيل عزة ورفعة وحرية الأوطان.