الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

زعيم إثيوبيا يواجه المعارضة للتصالح مع إريتريا.. و30 عامًا صراع بين الدولتين

رئيس الوزراء الإثيوبي،
رئيس الوزراء الإثيوبي، آبى أحمد علي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مر على الأزمة الحدودية بين إثيوبيا وإريتريا قرابة العقدين، تفاوتت خلالهما ديناميكيات تعامل البلدين مع تلك الأزمة، ورغم ذلك لم تتحرك الأمور قُدمًا، بل ظل الوضع ساكنًا حتى تولى رئيس الوزراء الإثيوبي، آبى أحمد علي، السلطة نهاية مارس الماضي.
منذ ذلك الحين بدأ آبى أحمد فى بلورة سياسات أكثر انفتاحًا فيما يتعلق بالملفات الخارجية الشائكة، لا سيما ملف المصالحة مع إريتريا، ما ينذر بحقبة جديدة وتحول خطير فى السياسة الخارجية الإثيوبية تجاه جيرانها.
جذور الصراع بين أديس أبابا وأسمرة
بدأ الصراع بين الجانبين عام ١٩٦١، حينما قررت جبهة تحرير إريتريا الانفصال عن إثيوبيا؛ فشنت حملات متوالية، تمكنت خلالها من السيطرة على كافة الطرق المؤدية إلى أسمرة ومعظم المدن الإريترية الكبرى، الأمر الذى دفع القوات الإثيوبية إلى التدخل لإيقاف تقدم الجبهة.
ومن هنا توالت المواجهات بين الجانبين، حتى نجحت إثيوبيا مؤقتًا فى استرداد بعض المدن، واتجهت حينذاك نحو إثارة المشكلات على الحدود مع الجانب السوداني، لدفعه عن إيقاف المساعدات لأسمرة.
ورغم النجاحات التى حققتها القوات الإثيوبية، إلا أنها لم تدم طويلا؛ بعدما فشلت فى إحكام قبضتها على منافذ وصول الأسلحة للقوات الإريترية، إلى جانب تفاقم الأوضاع فى العاصمة أديس أبابا، وتصاعد الحركات الانفصالية بإثيوبيا على غرار جبهة تحرير إريتريا، ما أدى فى نهاية المطاف لنجاح إريتريا فى الحصول على استقلالها عام ١٩٩١، بعد حرب دامية استمرت قرابة الثلاثين عاما.
تجدد الصراع الحدودى بين الدولتين
ظن البعض أن انفصال الدولتين ربما ينهى عقودًا من التناحر، لا سيما فى ظل وجود مصالح حدودية مشتركة؛ إلا أن واقع الأمر عكس خلاف ذلك، حيث اشتعلت مجددًا حرب حدودية بين الطرفين عام ١٩٩٨؛ أسفرت حينها عن خسائر بشرية تقدر بمئات الآلاف من البشر، وأخرى مادية تقدر بملايين الدولارات، وذلك على خلفية تصاعد الخلافات بشأن ملكية منطقة «بادمي» الواقعة على الحدود الجنوبية الغربية، إلى جانب إدراك أديس أبابا خطورة الانفصال الإريترى عنها وانعكاساته على الأوضاع الاقتصادية، ومن ثم مساعيها نحو السيطرة على ميناء عصب ليمون «منفذها البحرى» الوحيد.
اتفاقية الجزائر ومحاولات كسر الجليد
ظلت المواجهات مستمرة بين الطرفين، إلى أن تم التوصل فى يونيو عام ٢٠٠٠ إلى اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية، أعقبه التوقيع على اتفاقية السلام الشامل ديسمبر عام ٢٠٠٠ بالجزائر تحت مسمى «اتفاقية الجزائر»، والتى نصت على تأكيد وقف إطلاق النار والمواجهات العسكرية بين الطرفين، إلى جانب تشكيل لجنة دولية لترسيم الحدود، بحيث يصبح قرار اللجنة نهائيا وملزما للأطراف. 
وبالفعل أقرت اللجنة أحقية إريتريا للمنطقة المتنازع عليها، إلا أن أديس أبابا لم تستجب لقرارات التحكيم الدولى وظلت متمسكة بأحقيتها للمنطقة، ما أدى إلى تأزم الوضع وحدوث مواجهات عسكرية أسفرت عن خسائر عميقة فى صفوف الطرفين، إلى جانب استغلال قوى إقليمية ودولية لتلك الخلافات للتأثير على ملفات أخرى، لعل أبرزها ملفا سد النهضة وانفصال جنوب السودان.
تأزم مسار المفاوضات 
رغم قبول الطرفين للتوقيع على اتفاق السلام الشامل، الذى نص على إعادة ترسيم الحدود وفقًا «لاتفاقية الجزائر» التى سبق الإشارة إليها؛ إلا أن ممارستهما التى أعقبت التوقيع على الاتفاق أدت إلى مزيد من عرقلة الأمور.
فبالنظر إلى حكومة أسمرة، نجدها اتخذت جملة من الإجراءات التى تسببت فى إعاقة عملية التفاوض، لاسيما تلك المتعلقة بفرض الحظر الجوى على طائرات بعثة الأمم المتحدة الخاصة، المنبثق عنها لجنة ترسيم الحدود، إلى جانب إصدارها قرارا بطرد بعض أعضاء البعثة الأممية بحجة مواجهة تهديدات أمنية يمثل هؤلاء الأعضاء مصدرها.
فى حين بدأت إريتريا التوجه نحو دعم جماعات متشددة بغية مساندتها فى أى مواجهات عسكرية مرتقبة، وهو الأمر الذى ترتب عليه فرض عقوبات أممية على أسمرة كان أبرزها تلك التى طبقت عام ٢٠٠٩.
بينما كان الجانب الإثيوبى أكثر نشاطًا فيما يتعلق بعرقلة تنفيذ اتفاق السلام، لا سيما فى ظل تصاعد غضب المعارضة الإثيوبية، ومطالبتها للحكومة بالتراجع عن اتفاق ترسيم الحدود؛ فكان أبرز ما اتخذته الحكومة الإثيوبية قرارها بتوطين عدد من الإثيوبيين فى قرية «دمبى منقول» على الحدود مع إريتريا، ما تسبب فى مزيد من التوترات بين الجانبين. 
وفى سبتمبر ٢٠٠٣، تقدمت إثيوبيا برسالة لمجلس الأمن أوردت فيها اعتراضها على قرارات لجنة ترسيم الحدود، بل وكثفت أديس أبابا من تواجدها العسكرى على الحدود، ما ترتب عليه رد فعل إريترى مناظر، الأمر الذى أسفر عام ٢٠١٦ عن مواجهة دامية على جبهة «تسورونا» الجنوبية، كانت هى الأشرس من بين مواجهات الطرفين. 
وقد تزامنت تلك المواجهة الدامية مع تنامى الجماعات «الراديكالية» وانتشار أعمال القرصنة بالبحر الأحمر، بجانب توترات الداخل السوداني، وهو ما انعكس بشكل مباشر على خريطة تحالفات المنطقة. 
وتعددت الأقاويل حينذاك ما بين تيار يرى أن التصعيد الإثيوبى يهدف إلى احتواء غضب المعارضة الإثيوبية على خلفية موافقة أديس أبابا على قرار ترسيم الحدود، وآخر يرى أن رد الفعل الإريترى كان متعمدا فى ذلك التوقيت، خاصة بعد ظهور تقارير دولية حقوقية تدين انتهاكات النظام فى إريتريا، ما دفع أسمرة لمحاولة خلط الأوراق والتصنع بالدفاع عن سيادة أراضيها. 
حكومة «آبى أحمد» وبوادر الانفراجة
جاء اختيار آبى أحمد علي، رئيسًا للوزراء الإثيوبي، ليكشف عن تحول جديد فى السياسة الخارجية الإثيوبية تجاه العديد من الملفات، لعل أبرزها ملف المصالحة مع إريتريا.
وكان أولى قراراته فيما يتعلق بهذا الملف إعلانه يونيو الجارى عن قبول ترسيم الحدود وتطبيع العلاقات مع إريتريا، وتأكيده مرارًا على ضرورة إنهاء عقود من المواجهات الدامية بين الطرفين، وهى المواقف التى لاقت قبولًا إيجابيًا من أسمرة، حيث كشفت وسائل إعلام إريترية عن زيارة لوفد إريترى رفيع المستوى إلى واشنطن لإحراز مزيد من التقدم بشأن تحقيق مصالحة شاملة مع أديس أبابا.
وفى السياق ذاته أعلن الرئيس الإريترى أسياس أفورقي، ترحيبه بالموقف الإثيوبى الجديد إزاء ملف المصالحة، عازمًا على إرسال وفد إريترى للعاصمة أديس أبابا لإجراء محادثات حول آليات تنفيذ بنود «اتفاقية الجزائر» وتفعيل نتائج لجنة ترسيم الحدود، ويعد هذا الوفد هو الأول الذى ترسله أسمرة لأديس أبابا منذ اندلاع الحرب عام ١٩٩٨.
وجاءت ردود الفعل الدولية مرحبة بشكل كبير بالطفرة الجديدة فى علاقات الطرفين؛ حيث وصف الاتحاد الأوروبى التصريحات المتبادلة بين إثيوبيا وإريتريا بالخطوات الجادة نحو تفعيل اتفاق السلام، بينما أكد الاتحاد الأفريقى استعداده التام للمساعدة فى مواجهة أى معوقات محتملة تعرقل استكمال مسار تطبيع العلاقات بين البلدين، وإنهاء عقود من الأوضاع غير المستقرة التى شهدتها علاقات الجانبين.
مصير النزاع الحدودى 
تتعدد السيناريوهات المستقبلية حول مصير ملف المصالحة الإثيوبية الإريترية، لاسيما فى ظل تحولات الموقف الإثيوبى الأخيرة؛ حيث يتمثل السيناريو الأول فى استمرار التجاوب ما بين حكومة آبى أحمد، والرئيس الإريترى أسياس أفورقي، وصولًا إلى إعلان الطرفين التفافهما حول النتائج التى توصلت إليها لجنة ترسيم الحدود الدولية عام ٢٠٠٣ بشأن أحقية إريتريا فى «مثلث بادمي»، ولكن فى هذه الحالة نصبح أمام احتمالين غاية فى الخطورة يتعلقان بمستقبل «آبى أحمد» فى الحكم؛ وبالأخص فى ظل اعتراض فئة ليست بالقليلة على التوقيع على اتفاق السلام منذ البداية.
ومن هنا يصبح الاحتمال الأول ممثلًا فى تصفية آبى أحمد، وهو ما يمكن استشراف ملامحه من محاولة الاغتيال الفاشلة التى تعرض لها فى الثالث والعشرين من يونيو الجاري، أو عزله سياسيًا حتى لو تطلب الأمر تجاوز القانون والدستور الإثيوبي.
فيما يصبح الاحتمال الثانى ممثلًا فى قبول المعارضة لما ستتوصل إليه الحكومة الإثيوبية من قرارات تتعلق بهذا الملف، وهو احتمال يصعب تحقيقه.
ويتجسد السيناريو الآخر فى احتمالية تأثر رئيس الوزراء الإثيوبى بمحاولة اغتياله الفاشلة، بحيث يبدأ فى التراجع عن بعض سياساته، خاصة المتعلقة بملف النزاع الحدودى الإريتري، وحينذاك يصعب التكهن بردود الفعل الإريترية إزاء تراجع الموقف الإثيوبي، لكن الأكثر وضوحًا أنه فى حالة تراجع رئيس الوزراء الإثيوبى عن موقفه، سيكون ذلك بمثابة تكرار للأوضاع المأساوية التى شهدتها المنطقة الحدودية المتنازع عليها على مدار العقدين الماضيين.
وإجمالًا؛ يبدو أن الفترة المقبلة ستحمل المزيد من المفاجآت بشأن ملف المصالحة الإثيوبية الإريترية، وبالأخص عقب محاولة اغتيال رئيس الوزراء الإثيوبى على خلفية توجهاته الإصلاحية ومواقفه المعتدلة تجاه الأزمة مع أسمرة. وتظل التساؤلات قائمة حول مصير النزاع الحدودى الإريترى الإثيوبي، وإلى أى مدى يمكن أن تؤثر محاولة الاغتيال الفاشلة لآبى أحمد فى فرص السلام والمصالحة.