الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

الباحث خزعل الماجدي في حواره لـ"البوابة نيوز": العراق كسر ظهر "داعش".. والغرب تخلصوا من النزعتين الدينية والقومية

الدكتور خزعل الماجدي
الدكتور خزعل الماجدي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الدكتور خزعل الماجدي هو أكاديمي وباحث في علوم وتاريخ الأديان والحضارات والأساطير وشاعر وكاتب مسرحي عراقي، حاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ القديم من معهد التاريخ العربي والتراث العلمي للدراسات العليا في عام 1996، عمل في الإذاعة والتليفزيون والمجلات والصحف العراقية، واتحاد الأدباء والكتاب ودائرة السينما والمسرح بين الأعوام 1973-1998، ثم عمل أستاذًا جامعيًا في جامعة درنة في ليبيا 1998-2003، وفي هولندا حاضر في جامعة "لايدن" وعمل في عدد من الجامعات المفتوحة في أوروبا، ويشغل منصب عميد كلية الحضارات والأديان في جامعة ألبورج في الدانمارك، ويقيم حاليًا في هولندا.
له مجموعة من المؤلفات، ففي حقل تاريخ الحضارات والأديان والميثولوجيا له 45 كتابًا منها "علم الأديان، حضارات ما قبل التاريخ، الحضارة السومرية، الحضارة المصرية، ميثولوجيا الأردن القديم، متون سومر، المعتقدات الكنعانية، المعتقدات الآمورية، المعتقدات الآرامية، آلهة شام، المندالا الميثولوجية، ميثولوجيا الخلود، بخور الآلهة، إنجيل سومر، إنجيل بابل، أنبياء سومريون".. وغيرها. 
كان لـ"البوابة نيوز" حوارًا معه بشأن كتابه الأخير "أنبياء سومريون.. عشرة ملوك سومريين تحولوا إلى أنبياء"، وبشأن قضايا ثقافية وفكرية أُخرى مثارة على الساحة.. وإلى نص الحوار: 
ما السبب الرئيس لـ"أسطرة" الإنسان للعالم ولنفسه؟
ـ كانت وسيلته الوحيدة التي يستطيعها آنذاك، قبلها جرّب السحر لكن السحر كان يتداوله السحرة بينهم لأنهم يتمتعون بقوة براسايكولوجية لا يتمتع بها غيرهم، ولذلك ظل محدودًا ومقتصرًا على النخبة.. أما الأسطورة، ثم الدين، فقد أصبحت تشمل الجميع وتحوّلت المكانة الاجتماعية والروحية المميزة من الساحر (الشامان) إلى رجل الدين (الكاهن).
الإنسان يبحث في كل حقبة زمنية كبيرة عن وسيلة (علمية وعملية... هكذا يراها !!) ليفسر بها العالم ونفسه وليصنع من خلالها أدوات وتقنيات يسيطر بها على العالم ونفسه، هذا ماحصل مع السحر ثم الأسطورة ثم الدين ثم وصلنا الى الفلسفة، وأخيرًا العلم.
لكن مصداقية هذه الحقول متفاوتة، ومنجزها متفاوت، وسيبقى ماينفع الناس ومايحقق لهم فهمًا أدق ووسيلة أعظم تخص وجودهم وحياتهم.. هذا لا يعني أن الحقول الأخرى من غير العلم يجب أن تُدفن وتموت..لأنها تحمل فائدة من نوع آخر.. فائدة للإشباع الروحي والتوازن السايكولوجي.
لماذا استمرَّت الأسطورة ماثلة في أذهان الشعوب حتى بعد ظهور العلم الحديث؟ 
العلم يضيء بدقة الجانب الذي يكتشفه من العالم والإنسان، أي أنه يعطينا المكونات والأسباب والنتائج من خلال التجربة التي تتكرر في الزمان والمكان وتحافظ على قوانينها العامة.. أما الجانب الذي لم يكتشف ولم تضيؤه العلوم فيبقى غامضا ومظلما، وفي هذا الغامض والمظلم تنتعش الأسطورة والباطنيات والأسرار والغيب والتي تعطي إجابات غامضة وافتراضية وغير متحقق من مصداقيتها، وهذا أمر طبيعي بحكم أدواتها القاصرة، أما العلم فلا يدّعي ذلك ولايمكنه فعل ذلك. ولأن هذه المناطق المظلمة والغامضة حجمها كبير فستبقى الأساطير والغيبيات تمرح فيها وتنتعش إلى أزمان قادمةٍ طويلة.
البعض يقول إنك تولي حضارات بلاد ما بين النهرين اهتمامًا كبيرًا انتصارًا لوطنك العراق.. هل هذا صحيح؟
ـ هذا غير صحيح أبدًا.. ولكن دعني افسّر لك ما يمكن أن يعطي مثل هذا الانطباع، وهو أني اشتغل في ثلاثة مشاريع كبرى من سلاسل الكتب الفكرية وهي: سلسلة تاريخ الحضارات، سلسلة تاريخ الأديان، سلسلة المثولوجيا.. وكل واحدة من هذه السلاسل تبدأ بعصور ماقبل التاريخ ثم يليها مباشرة كتبي عن سومر وبابل.. ثم مصر .. والخ، ولهذا تجد أن كتبي الأولى في الحضارات والأديان والأساطير تمر منذ البداية على بلاد وادي الرافدين، وهذا يعطي انطباعًا عن ذلك لأن الكتب التي تلي وادي الرافدين ومصر مازالت قيد الإنجاز ودور النشر لا تتحمل إصدار كتب كثيرة لي كل عام.. فضلا عن ذلك هناك مشروع (عراقولوجي) الذي قررت التأليف فيه لأنه علم جديد وغير مطروق ووجدت نفسي قادرًا على إنجازه وصدر منه الكتاب الأول.. كل هذا الأمور تكرّس هذا الانطباع.
لكني، بالمقابل، نشرت عن مصر كتابين هما الدين المصري والحضارة المصرية، ونشرت كتبًا مختلفة عن الإغريق والرومان والأردن القديم وتاريخ القدس وليبيا والأنباط والشام وكنعان وآرام.. وقريبًا ستصدر لي كتبا عن الحضارات والأديان الهندية والصينية والفارسية.
هل أردت أن تتناول البعد الاجتماعي والسياسي لظاهرة النبوة في كتاب "أنبياء سومريون؟
ـ لا. ليس هكذا، بل أردت أن أقول أن التوراة وضعت تاريخًا أسطوريًا للبشرية على هواها اعتمادًا على تحريف واضح ومقصود لتراثٍ سومري دونته سومر لمرحلة نهايات عصور ماقبل التاريخ وصولًا الى ماعرف بالطوفان، أردت أن أقوضّ أول المقولات المقدسة حول الفردوس الذي سقط منه آدم وحواء بسبب خطيئة مفترضة لا وجود لها، وكيف أن هؤلاء الآباء/ الأنبياء منذ آدم إلى نوح ماهم إلًا ملوك حكموا مدنًا معروفة في بلاد وادي الرافدين.
قلت في أحد حواراتك "الفرق بين العقل المسيحي والعقل الإسلامي أن الأول توقف واستبدلته المجتمعات المسيحية الغربية بالعقل العلمي"، لماذا تبدو في هذا المقطع وكأنك تضع العقل في مقابل الدين.. أليس يختلف موضوع العلم عن موضوع الدين؟ ألا يعتبر سؤال العلم الرئيس "كيف"، بينما يعد سؤال الدين الأساسي "لماذا" شأنه شأن الفلسفة والفن؟ 
-أنت الذي لا تفرق بين العقل والعلم، وتعتبر العقل هو العلم.. أنا قلت أن هناك عقلا دينيا ساد في القرون الوسطى، والمسيحية جزء من هذا العقل، الغربيون منذ عصر النهضة كافحوا بقوة لوضع حد لهذا العقل الديني المسيحي وتمكنوا من ذلك منذ منتصف القرن التاسع عشر وبذلك حلّ العقل العلميّ محل العقل الديني ونشأت الحضارة الغربية الحديثة. لقد وضعت العلم في مقابل الدين، وليس العقل في مقابل الدين.. وحين استخدم مصطلحي العقل الديني والعقل العلمي فإني أقصد الدين والعلم على التوالي ولكن بكليتهما وشمولهما، أي من خلال العقل الفلسفي.
وبغض النظر عن سؤالك أقول لك يجب أن تفرّق بين العقل كمعطىً فلسفيّ وليس علميّ، والعلم كمعطىً تجريبي مختبري. فهذا سينفعك كثيرًا في حلّ الكثير من المشكلات.. أما الدين فمعطىً غيبي وأسطوري ولا علاقة له بالفلسفة أو العلم.
وهل أهدى العقل العالم الغربي الخلاص وقد شهد بعد القرن التاسع عشر -قرن انتصار العلم- أكبر الحروب العالمية وسقوط أكبر عدد من الضحايا؟ 
ـ كان الغرب قد تخلص من النزعة الدينية بعد الحروب الدينية التي خاضها في فترة نشوء وازدهار الحضارة الغربية الحديثة وهي: حرب الأربعين عامًا بين الكاثوليك والبروتستانت في فرنسا في عام 1562 واستمرت قرابة الـ 40 عامًا، في ثماني حروب قضت على مملكة فرنسا القديمة، عندما هجمت الجماهير الكاثوليكية على الأقلية البروتستانتية في مختلف المدن والأرياف الفرنسية فما كان من البروتستانت الفرنسيون إلا الفرار إلى مختلف أنحاءأوروبا.. وهناك حرب الثلاثين عامًا وهي حرب قامت بين الكاثوليك والبروتستانت خلال القرن الـسابع عشر في ألمانيا، وانتهت بأوبئة ومجاعات وتدمير شامل بكافة النواحي عام 1648 م. وبمرور الوقت أصبحت البروتستانية هي الأغلبية في ألمانيا، فما كان من الكنيسة الكاثوليكية إلا استخدام محاكم التفتيش لبث الرعب في نفوس الناس وردعهم عن الخروج عن الكاثوليكية، ومحاكمة الهراطقة والمرتدين والمخالفين لأوامر الكنيسة، فقامت بإبادة الملايين بالخنق والإحراق والإغراق والإعدام شنقا وكافة وسائل التعذيب المروعة المتبعة في محاكم التفتيش آنذاك. 
كانت هذه الحروب الدينية قد جرت في زمن كان العلم يشق طريقه لبناء حضارة الغرب الحديثة، وكانت تعبر عن نزعة دينية متطرفة بدأت بالخفوت بعد أن لمس الأوربيون فداحتها. 
فهل يحق لنا أن نقول أن العلم كان سببها لأنها نشأت في عصر العلم؟
والأن أعود لسؤالك وأقول، أن الغرب بعد أن نبذ الشكل الديني لدوله ظهرالشكل القومي الذي كان هو الآخر خطرًا ولا يقل خطورة عن الدين، وحين احتقنت النزعة القومية في أوروبا كان نتيجتها ظهور حربين عالميتين هما الأولى والثانية.. حصل هذا والعلم يتصاعد ويبني الحضارة الغربية، فهل يحق لنا القول أن العلم كان سبب هاتين الحربين لأنهما ظهرتها في عصر ازدهار العلم.
أنت تقطّع الأمور كما تريد وتخلق أسبابًا غير صحيحة للنتائج، الغرب تخلص من النزعتين الدينية والقومية كراسبين ماضويين بعد أن ذاق مرارتهما وضيق رؤيتهما للحياة، وتمسك بانتصار العلم ومازال ليبني حضارة عملاقة تسود العالم الآن.
قيل إن أراضي كثيرة سكنها الإنسان خلت من التمدُّن والحضارة ولكن لم تخلُ أرض إنسانية من المعابد.. إلى أي مدى يعد هذا صحيحًا؟ 
ـ إذا كنت تحسد البدائيين على نعمة جهلهم وعيشهم الرث (وهم الذين خلت أرضهم من التمدن والحضارة وحضرت فيها العبادات) فهذه كارثة، هل تعتقد أن حياة هؤلاء فيها كرامة إنسانية؟ هل تعتقد أنها تحمل الحد الأدنى من العيش المحترم الذي يليق بالبشر وهم المعوزين للسكن الجيد والطعام الجيد والمواصلات والاتصالات وآلاف الأمور؟
لماذا فشلت ثورات الربيع العربي في تحقيق أهدافها في نظرك؟ 
ـ الربيع العربي ليس ثورات بل هو مؤامرة كبرى لصنع الشرق الأوسط الجديد الذي خططوا له ليكون مجموعة كانتونات طائفية وعرقية محتربة فيما بينها، وقد وجدوا لهذه المؤامرة مصادر تمويل مالي معروفة ووجدوا لها من الإرهابيين من نفذوها، البداية كانت بغطاء مهلهل هو الحجة في التخلص من الأنظمة (الدكتاتورية، الثورية، الجمهورية.. كذا)، وحين تحشدت الحشود الشابة والغاضبة ضد هذه الأنظمة وأطيح بها، ظهر إرهابيو التأسلم السياسي ليستلموا الأمور جاهزة، وليدمروا البلدان ويجهزوا على بعض ما تبقى من الحياة المدنية التي أكلتها الفوضى وصدئت وجوهها وتعطل عملها النوعيّ.. ولولا ما حصل من استدراك للأمور في مصر ثم تونس وصمود سوريا، لغرقت المنطقة كلها في ظلام الإسلام السياسي، وكنا سننتظر عقودًا حتى نستعيد بعض ماكنا عليه في ظل الأنظمة التي سموها بالدكتاتورية والشمولية، وهم أعتى الدكتاتورية والشمولية.
- ما سبب استعادة داعش للأراضي التي كان قد خسرها في وقت سابق على يد الجيش العراقي؟ 
ـ العراق كسر ظهر داعش وأنهاها وخلّص العالم من شرورها في أكبر ملحمة عسكرية وسياسية خاضها الجيش والشعب، وقدم فيها تضحيات جسام من أبنائه وثروته، ولا يمكن أن نسمي مناوشات الخلايا الجريحة والنائمة لها الآن هنا وهناك باستعادة أي أرضٍ أو قرية أو مدينة، هم يظهرون ويضربون ويهربون وهذا الحال موجود في مصر الآن وفي سيناء على وجه الخصوص.. ولا يمكن أن نقول أن داعش استعادت أرضًا مصرية لها. داعش تنتشر حتى في العالم الغربي كله وهي سرطان العصر وتقتات على الفصل الطائفي المقيت الذي يسود العالم الإسلامي، لكنها والوهابية والأخوانية والسلفية وكل التشدد الإسلامي إلى زوال.
كيف رأيت المشهد الثقافي بمصر في زيارتك الأخيرة؟ 
لم تسمح لي الفرصة لأطلع على تفاصيل المشهد الثقافي المصري بسبب سرعة الزيارة وقصر أيامها، لكني أمتلك فكرة لا بأس بها عنه، ولطالما كنت أرى في الثقافة المصرية طليعة للثقافة العربية، لكنها اليوم تتصارع بصعوبة مع التصحر الفكري والنزعات الدينية والفوضى السياسية في العالم العربي كلّه.
ثقتي كبيرة جدًا أن مصر تلد دائمًا أجيالًا جديدة تحمل راية التنوير والعلم والثقافة الحقيقية، وسيكون لها ما تريد، وسينكسر المشروع الظلامي الذي أراد لها التراجع عن دورها التنويري.