الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

تركيا بعد فوز أردوغان.. نحو مزيد من السلطوية أم الانفتاح والمصالحة

 أردوغان
أردوغان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انتهت الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت في تركيا قبل يومين ووصفت بأنها أهم انتخابات في تاريخ تركيا منذ تأسيس الجمهورية التركية على يد كمال أتاتورك ، بفوز الرئيس رجب طيب أرودغان بولاية رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات بعد حصوله على حوالي 53 % من أصوات الناخبين وبفوز حزبه العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية بأغلبية مريحة في مجلس النواب.
لكن الجدل والانقسام حيال مستقبل تركيا السياسي وأوضاع الحريات السياسية والعامة فيها عقب هذه الانتخابات لم ينته في الشارع التركي لاسيما في ضوء المخاوف من ترسيخ نظام حكم الفرد الواحد على ضوء تغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي ، وفي ضوء الصلاحيات الواسعة التي سيحظى بها الرئيس التركي في هذا ظل النظام حساب باقي مؤسسات الدولة وخصوصا البرلمان.
وعكست تصريحات محرم أنجه المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية والذي حصل على نحو 30 % من أصوات الناخبين المنافس الخاسر لأرودغان في الانتخابات الرئاسية ، هذه المخاوف التي تساور قطاعا كبيرا من الأتراك ولاسيما في صفوف المعارضة فرغم إقراره بالهزيمة وبفوز أردوغان في هذه الانتخابات إلا أن "أنجه" حذر مما وصفها ب" فترة خطيرة مقبلة من حكم الرجل الواحد" .. قائلا : "لقد عشنا انتخابات ستؤثر في ديمقراطيتنا وفي حياتنا اليومية مستقبلا" .. داعيا أردوغان ليكون رئيسا لكل الأتراك.
ويخشى معارضو أرودغان من أن تقود التعديلات الدستورية التي أقرت في استفتاء شعبي في أبريل 2017 وحازت على موافقة 51 % من الأتراك لتغيير النظام السياسي في البلاد من برلماني لرئاسي ونقل السلطات التنفيذية كلها لرئيس الجمهورية إلى ترسيخ نظام حكم سلطوي في البلاد يكون على حساب الديمقراطية والحريات السياسية في البلاد ، فوفق التعديلات سيتمتع الرئيس التركي بصلاحيات واسعة إذ سيجمع في يديه كل الصلاحيات التنفيذية بعد إلغاء منصب رئيس الوزراء وستقتصر مهمة البرلمان في ظل هذا النظام على التشريع والمراقبة وستنزع منه صلاحية تعيين الوزراء وأعضاء الحكومة بينما سيكون ضمن صلاحيات أرودغان في فترة رئاسته الثانية تعيين كبار المسئولين العامين بما فيهم الوزراء ونواب الرئيس وسلطة التدخل في النظام القضائي وفرض حالة الطوارئ في البلاد.
وعلى مدى السنوات الماضية ولاسيما منذ تولي رئاسة الجمهورية وهو منصب بلا صلاحيات حقيقية ، سعى أردوغان لتغيير النظام السياسي في تركيا من نظام برلماني إلى رئاسي بدعوى أن النظام الرئاسي هو النظام المناسب لأوضاع تركيا والمشاكل التي تواجهها.
وفيما بدا أنه رد على هذه المخاوف لاسيما ما يتعلق منها باستقلال القضاء في البلاد .. أكد أردوغان أن القضاء في عهده سيكون أكثر استقلالا وتعهد بالإسراع في تنفيذ برنامجه الذي يتضمن إصلاحات سياسية واسعة.
وتعيش تركيا في ظل حالة الطوارئ منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في يوليو 2016 ، ومنذ ذلك الوقت تم فصل أكثر من مائة ألف موظف عسكري بينما تم القبض على أكثر من 50 ألف شخص لايزالون محتجزين في السجون حتى الآن انتظارا للمحاكمة بتهمة التورط في هذه المحاولة الانقلابية.
ومنذ وقوع هذه المحاولة فرضت الحكومة التركية مزيدا من التضييق على الحريات الإعلامية والسياسية فيما تحولت تركيا في ظل حكم أرودغان لأكبر سجن للصحفيين في العالم ؛ إذ أنها الدولة الأولى في العالم من حيث عدد الصحفيين المسجونين بها.
كما تتهم المعارضة الحكومة التركية باستخدام القضاء لإسكات خصومها السياسيين ، إذ تنظر المحاكم التركية حاليا آلاف الدعاوى القضائية التي أقامها محامون موالون للرئيس التركي ضد سياسيين وصحفيين ونشطاء بسبب انتقادهم لأردوغان سواء عبر وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من ذلك فإن المراقبين يرون أن نسبة المشاركة غير المسبوقة في الانتخابات التركية الأخيرة والتي تجاوزت 87% من إجمالي الناخبين الأتراك(نحو 60 مليون ناخب) والأغلبية البرلمانية التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية ، قد تمنح أردوغان حق الإدعاء بأنه بات يملك تفويضا سياسيا من الشعب التركي لإجراء التغييرات السياسية والاقتصادية التي يريدها على النظام السياسي في البلاد خلال السنوات القادمة يضاف إلى ذلك ما أظهرته نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية من ضعف المعارضة التركية وتدني شعبيتها وحضورها في الشارع التركي وعجزها عن تقديم بديل سياسي مقنع للأتراك عن حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان.
فقد فشلت أحزاب المعارضة رغم التحالف فيما بينها في إنهاء سيطرة حزب العدالة والتنمية على البرلمان والمستمرة منذ 16 عاما كما أخفقت حتى في إجبار أردوغان على الذهاب لجولة إعادة في الانتخابات الرئاسية مع أقرب منافسيه.
لكن بعض المحللين يعزو هذا الفوز الذي حققه أردوغان وحزبه وهزيمة المعارضة بهذا الشكل في الانتخابات إلى سببين مهمين : أولهما توقيت إجراء هذه الانتخابات وهو توقيت يصب في مصلحة أردوغان الذي فاجأ الجميع في شهر أبريل الماضي بالدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة وهي الانتخابات التي كان يفترض أن تجرى في نوفمبر 2019 ، فقد جاء إعلان أردوغان عن الانتخابات المبكرة في وقت كانت كل المؤشرات تمنحه فوزا مريحا فيها خصوصا في ظل التحديات الأمنية التي تواجه البلاد والمعارك التي يخوضها الجيش التركي في سوريا في مواجهة المسلحين الأكراد ومن تصفهم تركيا ب" الجماعات الإرهابية " التي تهدد أمن ووحدة البلاد وهو الأمر الذي استثمره أردوغان وحزبه سياسيا ودعائيا بشكل جيد لإقناع الأتراك بأنه لا بديل عن حزب العدالة والتنمية وأردوغان للحفاظ على أمن واستقرار ووحده تركيا.
كما أن الوضع الاقتصادي والتراجع اللافت في قيمة الليرة التركية كان أحد القضايا المهمة التي هيمنت على أجواء الانتخابات ، حيث فقدت الليرة التركية خمس قيمتها خلال الأشهر الأخيرة بينما وصلت معدلات التضخم إلى نحو 11 % ورغم أن هذه النقطة لم تكن في مصلحة أردوغان وحزبه إلا أنه تمكن من تحويلها لصالحه من خلال التأكيد على أنه الأقدر على إنقاذ تركيا من التراجع الاقتصادي كما فعل من قبل .
ورغم أن تدهور قيمة العملة التركية يعود لأسباب اقتصادية على رأسها ، كما يرى المحللون الاقتصاديون ، ارتفاع نسبة التضخم والخلاف بين أردوغان والبنك المركزي على السياسة النقدية فإن المتحدث باسم الحكومة التركية بكر بوزداغ تحدث عن مؤامرة وراء هذا الأمر واتهم جهات عديدة لم يحددها بالوقوف وراء تدهور قيمة الليرة التركية بهدف التأثير على نتائج الانتخابات بينما أنحت وسائل الإعلام التركية الموالية لأردوغان باللائمة على "اللوبي اليهودي" في الانخفاض المفاجئ في قيمة العملة التركية.
وفيما يتعلق بمستقبل المشهد السياسي التركي في ضوء نتائج هذه الانتخابات ، يرى محللون أن هناك احتمالين لما ستتجه إليه الأوضاع السياسية في تركيا مستقبلا وكلاهما يتوقف على قراءة أردوغان وحزبه للفوز الكبير الذي حققه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ، الاحتمال الأول : أن يتعامل أردوغان مع ما جرى باعتباره تفويضا شعبيا يمكنه من إحكام قبضته على البلاد وما قد يترتب على ذلك من اتجاه البلاد نحو مزيد من السلطوية وترسيخ حكم الفرد وارتفاع وتيرة القمع لخصومه السياسيين.
أما الاحتمال الثاني فإن أردوغان وبعد أن تمكن من إنجاز مشروعه الأهم وهو تغيير النظام السياسي كما كان يحلم وبعد هذا الفوز الذي منحه السيطرة على مقاليد السلطة لمدة خمس سنوات قادمة ، قد ينتهج سلوكا سياسيا أكثر انفتاحا وتصالحا مع المعارضة وفتح قنوات حوار معها سواء لمواجهة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تواجه البلاد أو بهدف لتحسين صورته وصورة تركيا السياسية في الخارج ولاسيما الغرب وهي صورة تضررت كثيرا في السنوات الأخيرة من حكمه.