الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

اللواء محمد صادق وكيل أمن الدولة الأسبق في حواره لـ"البوابة نيوز": الإخوان "منبع" الجماعات الإرهابية في كل بلاد العالم.. مرسي وراء انتشار الإرهاب في سيناء

اللواء محمد صادق
اللواء محمد صادق في حواره لـ البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أنقذتُ جثة الشيخ الذهبي من إلقائها في أحد المصارف على يد الإرهابيين
اكتشفنا محاولة اغتيال السادات قبل وفاته بشهرين.. والتخطيط الأول لاستهدافه أثناء زيارة له في المنصورة
المراجعات الفكرية نجحت بكل المقاييس.. ومن تراجعوا عنها ليس دليلا على فشلها 
1974 ظهر أول تنظيم جهادي فى مصر بالمعنى التكفيري للكلمة تحت مسمى «تنظيم الفنية العسكرية» بقيادة صالح سرية السوري من أصل فلسطيني
1977 تكون تنظيم «التكفير والهجرة» بقيادة شكرى مصطفى ثم تنظيم «الجهاد» عام ١٩٧٩
13 قيادة بالجماعة الإسلامية على رأسهم ناجح إبراهيم وأسامة حافظ وكرم زهدي طلبوا منا أمهات الكتب الإسلامية لمقارنة أفكارهم بما جاء في هذه الكتب
هو أحد أهم خبراء الملف الأمني في مصر، وأحد مسئولى الأمن خلال فترة التسعينيات، وهي الفترة التى شهدت مصر أثناءها أحداثًا إرهابية عديدة ومتلاحقة، إنه اللواء محمد صادق، مساعد وزير الداخلية الأسبق، ووكيل جهاز أمن الدولة الأسبق، وفي حواره لـ«البوابة» كشف اللواء صادق كواليس المراجعات الفكرية التي أعلنتها الجماعة الإسلامية من داخل السجون.. وإلى نص الحوار: 

■ في البداية.. ماذا عن تاريخ الجماعات التكفيرية والجهادية في مصر؟
- أول تنظيم جهادي في مصر بالمعنى التكفيري للكلمة، يعود تاريخه لمنتصف سبعينيات القرن الماضي؛ حيث بدأ تحت مسمى «تنظيم الفنية العسكرية»، بقيادة صالح سرية؛ السوري من أصل فلسطيني، فتحقيقات النيابة أثبتت ضلوع «سرية» في التنسيق مع الإخوان للقيام بعمليات إرهابية عام ١٩٧٤.
وبعد «الفنية العسكرية» ظهر تنظيم «التكفير والهجرة»، بقيادة شكري مصطفى، والذي تكون عام ١٩٧٧، ثم تنظيم «الجهاد» عام ١٩٧٩، وتمكن هذا الأخير من خطف سلاح عسكري من حرس القنصلية البريطانية، وقتلوا جندي الحراسة.
بعد ذلك اغتالوا الرئيس محمد أنور السادات، فيما عُرِف إعلاميًّا بحادث المنصة، وأحيل ٢٤ متهمًا في حادث المنصة، بينهم خالد الإسلامبولي إلى محاكمة عسكرية، وقضية أخرى أمام محكمة أمن الدولة العليا.

■ باعتبارك واحدًا من الذين أشرفوا على المراجعات الفكرية للجماعات الجهادية.. هل يمكن أن تنجح مثل تلك المراجعات مع الإخوان؟
- الموضوع مختلف، فتلك الجماعات أثناء فترة التسعينيات لم يكن لها تنظيم دولي، يقرر ويتصرف في شئونها، بل كان القادة داخل الزنازين، أما الإخوان فلا يستطيعون الآن اتخاذ قرار بالمراجعات الفكرية، دون استشارة مسئولي التنظيم الدولي للإخوان.

■ كيف ترى علاقة الإخوان بالجماعات التكفيرية بسيناء؟
- بدايةً؛ يجب أن يعرف الجميع أن كل الجماعات الإرهابية، هي فروع شيطانية نبتت من شجرة جماعة الإخوان، مَرْوِيَّة بأفكار سيد قطب الجهادية والتكفيرية، إلا أن ما تخوضه قواتنا المسلحة الباسلة حاليًّا في سيناء، ليس مجرد مواجهة مع جماعات إرهابية؛ بل هي حرب حقيقية بين مصر وعدة دول ومخابرات أجنبية، تستهدف إنهاك الجيش المصري.

■ لماذا تمكن الإرهابيون في فترة التسعينيات تحديدًا في تنفيذ العديد من العمليات ضد الدولة؟
- في منتصف التسعينيات وبالتزامن مع عودة الكثير من الجهاديين من الحرب في أفغانستان، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، زادت هجمات الجماعات الجهادية؛ حيث كانت تلك الجماعات تخوض حربًا بالوكالة عن إسرائيل وأمريكا، وبالتالي نجح كلٌّ من الموساد (جهاز المخابرات الإسرائيلي) والـ«سي. آي. إيه» (جهاز الاستخبارات الأمريكية)، في تجنيد المقاتلين العرب وإلحاقهم بإرهابيي أفغانستان، وفي تلك الفترة قامت الجماعة الإسلامية- في الصعيد- بمذبحة الدير البحري والكنائس.

* كيف تم إلقاء القبض على قاتلي الإمام الذهبي؟
- كنتُ أحد الضباط الذين ألقوا القبض على مجموعة التكفير والهجرة، والتي اغتالت الإمام محمد الذهبي (وزير الأوقاف الأسبق)، في يوليو ١٩٧٧، والذي ألف كُتبًا ضد فكر التكفير، وقبضت عليهم فى شارع الأندلس بالهرم، وكانوا يخططون لإلقاء جثة الإمام الذهبي في ترعة الزمر بالعمرانية، ومن ضمن المقبوض عليهم مصطفى عبدالمحسن، أحد أعضاء جماعة التكفير والهجرة.
كذلك تصديتُ لمحاولة اغتيال كلٍّ من الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، واللواء حسن أبو باشا، واللواء نبوى إسماعيل، وزيري الداخلية السابقين، كما طاردتُ مجدى الصفتي، أحد قيادات التنظيم، وتمكن من الهرب عام ١٩٨٨ إلى ليبيا، وعندما عاد تمكنت من ضبطه عام ١٩٩٢.
أيضًا شاركتُ فى القبض على تنظيم «الناجون من النار» وجماعة «التوقف والتبين» التي كان منهجها: «كل مسلمى مصر لا يحكم لهم بالإسلام إلا بعد أن نتبين حقيقتهم».
كل هذه الجماعات كان أصحابُها أعضاء في جماعة الإخوان؛ وبعد خروجهم من السجن، تأثروا بفكر سيد قطب، وشَكَّل كلٌّ منهم جماعة، واعتنق فكر التكفير والعنف ضد الدولة.

■ هناك تفاصيل خاصة بواقعة اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات ماذا عنها؟
- ذهبتُ لتفتيش منزل عبود الزمر قبل ١٣ يومًا من اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات؛ حيث كانت لدينا معلومة بأن تنظيم الجهاد -الذي يضم عبود وطارق الزمر- يخطط لاغتيال السادات، وذهبنا وعثرنا على أوراق خطيرة تفيد تخطيطهم لاغتيال السادات، خلال جولة له بالمنصورة لافتتاح بعض المشروعات.
إلا أن خطة «الجهاد» تغيرت بعدما جاء لهم خالد الإسلامبولي، وحدثهم بأنه من المكلفين بأداء العرض العسكري، وسيعتذر عن هذه المهمة، هنا جاءت فكرة اغتيال السادات في المنصة، والتي نفذها الإسلامبولي، وخلال شهرين ألقينا القبض على عبود الزمر وطارق الزمر، وعبدالله سالم، خلال التعامل معهم بالسلاح، واستشهد أمين شرطة في هذه الواقعة.
وكان عبود الزمر يعمل ضابطًا بالمخابرات الحربية في تلك الفترة، وكان يتردد على مسجد أنس بن مالك، في شارع العراق بالمهندسين، وكان إبراهيم عزت، أمير جماعة التبليغ والدعوة، يلقي به الخطب والدروس، كما التزم في هذا المسجد عبدالسلام فرج، صاحب كتاب الفريضة الغائبة، والذي يعد دستورًا بالنسبة للجماعات الجهادية.



■ وماذا عن مبادرات الجماعة الإسلامية للمصالحة مع الدولة؟
- نعم كنت من المشاركين فى هذه المراجعات، وكانت المشكلة التي تواجه الجهاز الأمني، أن هناك أكثر من ٤٥٠٠ عضو في الجماعة الإسلامية معتقل، بناءً على قانون الطوارئ؛ لأن أغلبهم قضى فترة عقوبته، وكانت المشكلة: «ماذا سنفعل في هؤلاء لو أُلغيت حالة الطوارئ؟».
من هنا بدأنا كجيل من ضباط أمن الدولة يؤمن بأن الفكر لا يحارب إلا بالفكر، وأن المواجهة الأمنية تأتي بعد المواجهة الفكرية، فقمنا بالعمل على تهيئة حدوث المراجعة الفكرية.
كان هناك ١٣ قيادة بالجماعة الإسلامية، على رأسهم ناجح إبراهيم وأسامة حافظ وكرم زهدي وحمدي عبدالرحمن وفؤاد الدواليبي، طلبوا منا أمهات الكتب الإسلامية لمقارنة أفكارهم بما جاء في هذه الكتب، وبالفعل عكفوا شهورًا على دراستها، وجمعناهم في سجن العقرب بدون علم القيادة السياسية في ذلك الوقت، فتناقشوا مع بعض لدرجة الخلاف والمشاجرات داخل السجن.
كنا نوفر لهم اتصالات مع القيادات الهاربة في الخارج، ومنهم بعض الهاربين في أفغانستان، وأعطينا لهم الفرصة كاملة للمراجعة، واقتنعوا في النهاية بضرورة نبذ العنف، وسمحنا لهم بالتنقل بين السجون للمناقشة مع أعضاء الجماعة، وإقناعهم بضرورة نبذ العنف.
وهذه التجربة خير دليل على أن المواجهة الفكرية مع الجماعات المسلحة، أهم من المواجهة الأمنية، وأننا نجحنا بالفعل في تجنيب الدولة خطر ٤٥٠٠ شاب، كل واحد منهم كان من الممكن أن يكون قنبلة موقوتة ضد الدولة.

■ لكنْ هناك أصواتا من الإعلاميين ترى أن المبادرة فشلت.. فما تعليقكم؟
- بالقياس على حالة عاصم عبدالماجد أو صفوت عبدالغني، يزعم البعض فشل المراجعات، لكن يجب أن نضع في الحسبان أن السجون كان بها أكثر من ٤ آلاف عضو بالجماعة الإسلامية، والمراجعة نجحت معهم بنسبة كبيرة، لدرجة أن بعض شباب الجماعة الإسلامية، نزلوا من الجبال لتسليم أسلحتهم، واعترفوا بجرائمهم، وهم الآن موجودون في المجتمع بكلِّ حرية، فكيف يدعى البعض فشل المبادرة؟!

■ وماذا عن عاصم عبدالماجد وطارق الزمر بعد أن تَبَنَّيَا من جديد منهج العنف وشوهدا على منصة رابعة العدوية؟
- هذان اثنان فقط، من مجموعة كبيرة اشترت جماعة الإخوان ولاءها بالأموال، وأغرتها بالامتيازات، وكل الذين انتهجوا العنف بعد خروجهم من السجن نتيجة المبادرة، لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، وبالتالي المبادرة نجحت بنسبة ١٠٠٪.

■ قلت إن التنظيم الدولي للإخوان عقبة في طريق مراجعتهم الفكرية.. فهل الإخوان أصلًا على استعداد للقيام بالمراجعات؟
- كما أوضحتُ سلفًا، فإن لجماعة الإخوان تنظيمًا دوليًّا، وقيادات في معظم دول العالم، هذه القيادات لها مصالح في استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه، من توتر وإنهاك للجيش المصري، فالقيادات في قطر وتركيا ولندن يعيشون على قواعدهم البشرية في مصر، وتكسبهم ثقلًا.
كما أن الأفكار «القطبية» تسيطر على قيادات الجماعة، والتيار القطبي يرى أن المجتمع كافر، والحاكم كافر، ويجوز الخروج عليه، ويجب ألا ننسى تاريخ الإخوان، فالإخوان في فترة حكم الملك ارتكبوا عمليات عنف، واغتالوا النقراشي باشا، والمستشار الخازندار وغيرهما، فهؤلاء اعتادوا القتل منذ بداية تنظيمهم، رغم أن تلك الفترة كانت بها تعددية حزبية، وكانت الحكومة تتغير كل شهرين.
وبعد ثورة ١٩٥٢ تم التصالح معهم، والثورة حلَّت جميع الأحزاب عدا الإخوان، لكنهم اصطدموا بعد ذلك بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لمطالبتهم بالحصول على الحكم، وأخرجهم الرئيس الراحل أنور السادات من السجون، وسمح لهم بالعمل السياسي، ودمجهم في المجتمع، وفي النهاية قتلوه.

■ هل ترى أن هناك فئات معينة من الشباب تستهدفها التنظيمات المسلحة؟
- التنظيمات بصفة عامة، تحاول جذب الشباب الجاهل بالعلم الشرعي، والذي لا يمتلك أي ثقافة معرفية أو دينية، فهناك شباب كثيرون اندمجوا في هذه التنظيمات، نتيجة ضعف العلم الشرعي عندهم، فرغم الهجوم الموجود على الأزهر فإن الجماعات المسلحة كانت لا تستطيع جذب أي شاب من خريجي الأزهر، نظرًا لحصوله على العلم الشرعي، الذي مثَّل بالنسبة لهم درعًا تقيهم من استدراج هذه الجماعات.

■ على ذكر الأزهر.. هناك هجوم من بعض التيارات على تلك المؤسسة العريقة.. فكيف ترى هذا الهجوم؟
- الهجوم على الأزهر في غير محله، فمحاولات تنحية الأزهر عن دوره قديمة، بل إنها تزامنت منذ نشأته، لكن لا شك أن الأزهر مؤسسة دينية وطنية، تعمل على بثِّ روح التسامح، وتعتمد المنهج الوسطي المعتدل، ولا أبالغ حين أقول إن أي محاولة لهدم الأزهر بمثابة خطر يُهدد الأمن القومى المصري، بل والدولة المصرية نفسها.
ويجب أن نعلم جميعًا حقيقة مخيفة؛ وهي أنه في حالة القضاء على الأزهر وهدمه، سيكون البديل الجاهز هو هذه الجماعات الإرهابية، مثل «القاعدة» أو «داعش»، وغيرهما من التنظيمات، فتلك الجماعات المتطرفة تستغل زعزعة ثقة الشباب فى رموزه الدينية وتستقطبهم، فما بالك لو تم هدم قلعة الرموز نفسها؟!

■ بمناسبة تنظيم «داعش» كيف ترى ظهوره وإعلانه الخلافة في سوريا والعراق ثم انهياره واندثاره بهذا الشكل؟
- «داعش» تطور طبيعي لتنظيم القاعدة، وتنظيم القاعدة كان تطورًا بديهيًّا لجماعة الجهاد التي أسِّست فى مصر، وهذه الجماعات منبثقة كلها من جماعة الإخوان، وبداخلها اختراق كبير، وتستخدمها مخابرات دول أجنبية، لتنفيذ حروب الجيل الرابع بالوكالة.
وهذه الحروب تعتمد على قاعدة مهمة، وهي «التكلفة الصفرية في الحروب.. دمر نفسك بنفسك»، فإسرائيل مثلًا هي أكبر فائز مما يُعرف بثورات الربيع العربي؛ لأن أجواء مناخ الفوضى، وهدم المؤسسات، هو ما يترعرع فيه التكفيريون والإرهابيون، وكل هذه الجماعات تُموَّل وتحصُل على سلاحها من دول خارجية، معادية لاستقرار الوطن العربي بأكمله.

■ كيف ترى نجاحات «العملية الشاملة- سيناء ٢٠١٨» وما هي توقعاتك لهذه الحملة؟
- هذه العملية كانت ضرورية للغاية، فأغلب القيادات التكفيرية والجهادية، التي كانت داخل السجون المصرية، وأفرج عنها المعزول محمد مرسي، في عام حكمه، هم من يواجههم الآن الجيش المصري في سيناء، إضافة إلى عدد من الإرهابيين الفارين من سوريا إلى سيناء، وبالتالي كان لابد من خوض هذه الحرب، وهؤلاء تقف وراءهم مخابرات ودول أجنبية، على أمل زعزعة استقرار مصر.

■ تتحدث عن دور لمخابرات أجنبية تعمل في سيناء فمن تقصد على وجه التحديد؟
- الولايات المتحدة الأمريكية، هي المحرك الرئيسي لجميع الجماعات الإرهابية الموجودة في العالم، وهو أمر معلوم لكل من اشتغل في أي جهاز معلوماتي، وأمريكا دائمًا وأبدًا تكيل بمكيالين، وفق مصالحها، ففي الوقت الذي تقوم فيه بعمل تحالف دولي لضرب «داعش» في العراق، تعترض على ضرب مصر لـ«داعش» في ليبيا.
ولا شك أيضًا بضلوع الموساد الإسرائيلي في تلك المؤامرة، وزعزعة الاستقرار في سيناء، بإمداد الجماعات الإرهابية بالسلاح والمعلومات، كما أن إيران - بعد تدخل مصر بشكل مباشر في «عاصفة الحزم»- تريد أن تشغل مصر بنفسها لتنفرد هي بدول الخليج.