الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

الإسلاموفوبيا في روسيا.. الحاجة إلى مزيد من الحوار بين الحضارات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تُعد الإسلاموفوبيا فى روسيا أخف وطأة فى وجودها من غالبية المجتمعات الأوروبية، ويبقى المجتمع الروسى بشكل عام غير معادٍ للإسلام؛ ولا تزال الاختلافات الثقافية تُركز على التمييز العرقى وليس على الدوافع الدينية، رغم الاحتمالات بأن تتزايد فى العقود القادمة الخطوط الفاصلة بين الروس العرقيين والمسلمين فى شمال القوقاز وبعض سكان الفولجا والأورال، فإن هذا التقسيم لن يؤدى بالضرورة إلى أى نوع من العنف، بقدر ما كونه يعكس الاتجاهات العالمية الحالية المؤثرة فى المجتمعات الأوروبية وعلاقتها بالمسلمين الذين يعيشون بها، بحسب دراسة بعنوان «الإسلاموفوبيا فى روسيا: الاتجاهات والسياق المجتمعي»، فى فصل من التقرير الصادر عن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بعنوان «الدين والعنف فى روسيا» فى يونيو ٢٠١٨.
وتأتى أهمية هذه الدراسة فى ضوء العديد من العوامل وأهمها تزايد حدة التهديدات من التنظيمات الإرهابية العاملة فى منطقة آسيا الوسطى، خاصة بعد انحسار تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» فى سوريا والعراق، وعودة بعض المجاهدين إلى دول المنطقة، وفى ضوء ما صدر عنه من تصريحات بعزمه القيام بهجمات فى روسيا أثناء تنظيم بطولة كأس العالم.
المسلمون فى روسيا 
يوجد نحو ١٥ مليون مسلم فى روسيا التى يبلغ عدد سكانها حوالى ١٤٦ مليون نسمة، بالإضافة إلى ٥ ملايين مهاجر مسلم يأتون من البلاد السوفيتية سابقًا «أوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان وأذربيجان» يعملون فى روسيا، وبشكل عام يتنامى عدد المسلمين فى روسيا مقارنة بدول أوروبا.
توضح البيانات المتعلقة بالعنف ضد المسلمين، أن العنف العرقى ضد الأشخاص ذوى الخلفية الإسلامية يُمثل جزءًا كبيرًا من جميع الإحصائيات المتعلقة بالعنف العرقي، ومع ذلك فإن النسبة المئوية للعنف الدينى المعلن صغيرة، فما بين عامى ٢٠١٣ و٢٠١٦ حدثت خمس هجمات صريحة ضد المسلمين، أربع منها فى العاصمة موسكو، وفى ثلاث حالات منها كانت الضحايا من النساء المسلمات اللواتى يرتدين الملابس الإسلامية التقليدية. وتبقى القضية الأكثر شهرة على هذا المنوال هى اغتيال فاليى ياكوبوف، نائب مفتى تارارستان عام ٢٠١٢، تلك الجريمة التى لا يزال مرتكبوها مجهولين حتى الآن.
ويُعد العنف الجسدى أو اللفظى الذى ترتكبه السلطات هو الأقل فى هذا الصدد، وطلبت الشرطة من المنظمات الدينية الإسلامية تزويدها بمعلومات عن أعضائها وعدد الأشخاص الذين تحولوا من المسيحية، رغم أن ذلك غير مسموح به قانونًا.
روسيا فى مواجهة التطرف
تذهب الدراسة إلى أن تعامل الدولة الروسية مع الجماعات الإرهابية من منطلق رؤيتها للتطرف بأنه مصطلح واسع يضم الأعمال الجهادية ودعوات العنف باسم الإسلام، إلى جانب مساعى إنشاء الخلافة.
ومن الجدير بالذكر أن فى الولايات المتحدة وأوروبا، ينتشر الخلط بين الإسلام والتطرف، بينما فى روسيا تميل أجهزة الدولة ووسائل الإعلام إلى أن تكون أكثر حذرًا فى ربطهما ببعضهما البعض، وتستخدم مصطلح التطرف على نطاق واسع دون ربطه بالإسلام، وتُدرج تحته اليمين المتطرف وأقصى اليسار، بجانب المشاعر الدينية «المسيئة» أو تحدى شرعية الدولة.
وتُظهر تحليلات مركز بيو الأمريكى للأبحاث أن الرأى العام الروسى أقل اهتمامًا بالتطرف مقارنة بالجمهور الأوروبي، وتُفسر الكاتبتان هذا بالنظر إلى أن الأعمال الإرهابية الرئيسية التى تمت فى روسيا فى التسعينيات والعقد الأول من القرن العشرين كانت مرتبطة بالقضية الشيشانية، وبالتالى عزاها الرأى العام إلى الانفصال الشيشانى وليس إلى التطرف على نطاق أوسع.
وتؤكد نفس النتائج الاستطلاعات التى أجراها مركز ليفادا بين عامى ٢٠٠٨ و٢٠١٢، والتى أظهرت أن الإسلاميين أقل مرتبة من الشيشان والولايات المتحدة وحلف الناتو فى قوائم أعداء روسيا.
وتُثير التشريعات التى تحظر الدعوات إلى العنف باسم الإسلام جدلية ما إذا كانت تُعبر عن الإسلاموفوبيا أم أنها مجرد مبرر لحماية المواطنين، فرسميًا لا تتم مقاضاة الجماعات ومؤيديها بسبب آرائهم الدينية فى حد ذاتها، ولكن للعنف بدوافع دينية، والتهديد لأمن الدولة.
وفى هذا السياق، تذكر الدراسة أن التشريع الروسى فى مجال مناهضة التطرف نجح فى صقل أدواته القانونية ضد تلك الجماعات، ومن بين ٢٧ منظمة مُدرجة فى القائمة الروسية الأولى للجماعات الإرهابية، والتى نشرها جهاز الأمن الفيدرالى عام ٢٠٠٦، كان هناك ٢٣ حركة إسلامية، بما فى ذلك المنظمات الدولية كتنظيم القاعدة وحزب التحرير.
وبين عامى ٢٠١١ و٢٠١٦ تم الحكم على ٤٧ شخصًا معظمهم بسبب الدعوات للجهاد، وارتفع عددهم فى ٢٠١٥ و٢٠١٦ بسبب الحرب فى سوريا، ولا تتابع السلطات الروسية المنظمات والأفراد فحسب، بل تُراقب أيضًا الكتب والمقالات ومقاطع الفيديو التابعة لهم عبر الإنترنت، فيحاكم القانون الأفراد الذين ينشرون مواد تعتبر متطرفة.
الرأى العام والإعلام
توضح الدراسة أن دراسة الإسلاموفوبيا كمسألة رأى عام هو أمر فى غاية التعقيد؛ حيث تندر الدراسات الاستقصائية الاجتماعية العميقة، وتعتمد على الدراسات المتعلقة بوسائل الإعلام، وقام مركز بيو بعمل دراسة عن اتجاهات النظرة إلى الإسلام فى بداية العقد الأول من القرن الحالي، وأظهرت النتائج أن ثلث السكان الروس لديهم بعض المشاعر السلبية تجاه المسلمين، وكانت الإجابات عن سؤال حول دور الإسلام فى التاريخ الروسى وتاريخ العالم مستقطبة إلى حد كبير، وقدم استطلاع أجراه مركز ليفادا تصورات أكثر سلبية، فهبطت نسبة المشاركين الذين شعروا بالإيجابية تجاه الإسلام من ١٤٪ عام ٢٠٠٨ إلى ٨٪ عام ٢٠١٥.
وتعمل المؤسسات السياسية على إعادة إنتاج الرواية الرسمية على جانبين، أولهما تُدعم الخطاب الموروث من النظام السوفيتي، والذى يُنادى بالصداقة بين الشعوب وأن روسيا بلد متعدد الجنسيات والأديان، وثانيهما صياغة رواية عن الإسلام الراديكالي، وأنه يجب مواجهة كل من يدعى العنف باسم الإسلام، وتوجد بعض الاستثناءات من هذا الموقف بين الزعماء الوطنيين والشخصيات الأرثوذكسية، فنجد أن القائد ديمترى سميرنوف رئيس لجنة الأسرة والطفولة فى بطريركية موسكو، أدان ما يرى أنه «تهديد إسلامي»، وصرح بأن أوروبا مُعرضة لأن تصبح مسلمة فى غضون بضعة عقود.
وعلى صعيد آخر، تلعب التغطية الإعلامية دورًا حاسمًا فى تشكيل الرأى العام، وتتسم فى نظرتها للإسلام بالتناقض، فتسعى من جانب إلى أن تأخذ وجهة نظر قرائها المسلمين بعين الاعتبار، وتحرص من جانب آخر على ألا تتم محاكمتها بسبب مخالفة قانون «الإساءة إلى الشعور الديني»، ومع ذلك يمكن تحديد بعض الروايات عن الإسلاموفوبيا فى الإعلام، منها على سبيل المثال ما عرضته القناة الروسية الأولى من فيلمين وثائقيين، وُصف فى كلاهما المسلمين بأنهم متطرفون، وأثار هذان الفيلمان مخاوف بين المشاهدين المسلمين، وتقدم أمين المظالم فى الشيشان نوردى نوخارييف بشكوى ضد الفيلم الأول باعتباره يحتوى على تحريض مفتوح على الكراهية.
رسوم كاريكاتيرية
ووصلت أصداء المناقشات الأوروبية حول الرسوم الكاريكاتيرية المُسيئة للإسلام والرسول فى الصحافة الدنماركية إلى روسيا، ونظمت السلطات الشيشانية والإنجوش احتجاجات ضدها، وتبنت الدولة الروسية وجهة النظر الأنجلو ساكسونية وليست الفرنسية والدنماركية، وحرصت على عدم الإساءة للمشاعر الدينية، وطالبت وسائل الإعلام بتجنب إعادة نشر الرسوم الكاريكاتيرية من «تشارلى إبدو»، وكان هدفها الأساسى وقف أعمال الشغب، كما رفضت بلدية موسكو السماح للجمعيات الإسلامية بالتظاهر فى الشوارع ضد المجلة الساخرة الفرنسية من أجل تجنب «الاستفزازات».
وتوضح الدراسة أنه برغم التزام وسائل الإعلام الرسمية التى تُسيطر عليها الدولة بالمعايير السياسية المعمول بها، فإن الإسلاموفوبيا تتزايد على وسائل التواصل الاجتماعي، والتى توفر مساحة مجانية ومفتوحة للتعبير.