الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

ثلاثية "العشائر والنقابات المهنية والإخوان" تفجر أزمات بالأردن

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعانى الأردن من شُحٍ كبير فى موارده الاقتصادية؛ إذ تعتمد موازنة الدولة العامة بشكلٍ كبير على المساعدات الخارجية من الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض دول الخليج، والمنظمات الدولية المهتمة بشئون اللاجئين، ويواجه الأردن حالة من الفقر فى موارده، وجوارٍ غير مستقر فرض عليه مزيدًا من الضغوط السياسية والأمنية والاقتصادية؛ حيث يمثل الأردنيون من ذوى أصول فلسطينية ما نسبته ٦٠٪ من حجم السكان.
وتشير دائرة الإحصاءات العامة فى تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا) إلى أن الإحصاء الذى أُجرى خلال عام ٢٠١٦ أبرز تزايد أعداد اللاجئين السوريين إلى ١.٣ مليون لاجئ، كما تراجعت أعداد اللاجئين العراقيين إلى ١٣٠ ألفًا.
وتحتضن الأردن أكثر من ٦٠٠ ألف فلسطينى لا يحملون أرقامًا وطنية أردنية. كان من الطبيعى أن تضغط هذه الأعداد دولة ذات موارد شحيحة مثل الأردن، وهو ما ينعكس دائمًا على طبيعة الاحتجاجات التى يشهده الشارع الأردنى منذ مظاهرات ٢٠١١ التى رافقت أحداث الربيع العربي؛ إذ تكتسى طابع المظالم الاقتصادية.
لذا فقد شهد الأردن أواخر مايو، وأوائل يونيو ٢٠١٨ احتجاجات واسعة اعتراضًا على مشروع قانون رفع ضريبة الدخل، والارتفاع الكبير فى أسعار السلع والخدمات. ونجحت المظاهرات فى تحقيق مطالبها بتعطيل مشروع قانون ضريبة الدخل، وإسقاط حكومة «هانى الملقي». 
أفرزت موجة الاحتجاجات فاعلين جدد فى العملية السياسية مثل العشائر، والنقابات المهنية، واختفى عن المشهد تيارات تقليدية مثل حركة الإخوان المسلمين التى طالما هيمنت على الاحتجاجات فى الأردن سواءً من خلال الدعوة لها، أو تحديد مطالبها وشعاراتها، أو حتى قيادة عناصرها لها ميدانيًا. وسنحاول فيما يلى البحث فى أسباب غياب الإخوان عن صدارة المشهد فى الأردن، وظاهرة نشاط المجتمع المدنى والعشائرى سياسيًا. 
العشائر فى المشهد السياسى
لفت انتباه المحللين السياسيين المهتمين بالشأن الأردنى مشاركة قبائل وعشائر بارزة فى الاحتجاجات؛ إذ تعد العشائر الأردنية من قوام بنية النظام السياسى، ويظهر ذلك فى التحالفات والدعاية الانتخابية، وبرز ذلك بشكلٍ مُلفت فى نتائج انتخابات ٢٠١٣؛ إذ شهدت انتخابات ٢٠١٣ اكتساح ٣٧ عشيرة ٩١ مقعدًا من مقاعد مجلس النواب البالغ عددها ١٥٠ مقعدًا، وذلك بنسبة ٦٠٪، واستلهم ذلك تفكير المحللين السياسيين، فيما أطلقوا عليه «ديمقراطية العشائر». والأمر نفسه برز فى نتائج انتخابات ٢٠١٦. 
وشهدت الاحتجاجات الأخيرة دعمًا ملفتًا من العشائر الكبرى فى الأردن؛ حيث أصدرت عشيرة «بنى صخر» بيانًا لدعوة الأردنيين للاحتشاد فى الشوارع لإقالة الحكومة، وإلغاء الضريبة. واستجابة لدعوة العشيرة للاحتشاد، قام محتجون تابعون لـ«بنى صخر» بغلق طريق مطار الملكة علياء الدولى، وتكرر الأمر نفسه فى مناطق متفرقة بالأردن. على صعيدٍ آخر، أصدرت قبيلة «بنى حسن» بيانًا شديد اللهجة ضد القرارات الحكومية الأخيرة تحت مسمى «طفح الكيل وبلغ السيل الزبى»، ودعت القبيلة أبناءها للاحتشاد فى الشوارع.
وأشارت بعض التقارير الصحفية إلى اتصالات رسمية جرت مع وجهاء وشيوخ العشائر للضغط على أبنائهم من أجل وقف التصعيد الذى تشهده شوارع الأردن، ولكن رفض الشيوخ التدخل كوسطاء بين الحكومة والمحتجين، وأشارت التقارير نفسها إلى أن هناك شيوخ قبائل أوصلوا رسالات غضب إلى الحكومة نتيجة موقفها من ضريبة الدخل، وأكدوا مساندتهم لمطالب الدَّوّار الرابع. 
النقابات المهنية وتصاعد الاحتجاجات
على صعيد المجتمع المدنى، تصدرت النقابات المشهد الاحتجاجى الأردني؛ حيث دعا اتحاد النقابات المهنية، برئاسة على العيدوس، إلى مواصلة الاحتجاجات حتى تم إسقاط حكومة «الملقي» ومعها مشروع قانون الضريبة على الدخل. وطالب اتحاد النقابات على لسان رئيسه بتشكيل حكومة إنقاذ وطنى للخروج من الأزمة الاقتصادية التى كادت تعصف باستقرار الأردن. 
أكد «العيدوس» فى بداية الأزمة أن جميع الخيارات متاحة للخروج من الأزمة السياسية. إضافة إلى ذلك، رفضت النقابات المهنية فى الأردن الإملاءات الخارجية بما فيها الروشتة التى فرضها صندوق النقد الدولى على الحكومة الأردنية. انتقد اتحاد النقابات الطريقة التى أُخرجت بها مشاريع القوانين والقرارات الاقتصادية الأخيرة دون النقاش معها أو حتى فتح حوار مجتمعى حولها. وفى هذا السياق، تعتبر النقابات نفسها شريكًا استراتيجيًا للحكومة فى صنع السياسات العامة التى تمس معيشة الناس بشكلٍ مباشر.
تُعزى التحليلات السياسية المتابعة للشأن الأردنى المشاركة القوية والفاعلة للنقابات المهنية إلى أسباب تتعلق بمساس مشروع قانون الضرائب الجديد بالطبقة الوسطى التى يشكل أعضاء النقابات المهنية قوامها. لذا اتخذ الاتحاد قرارات حاسمة بشأنها، بدأت بالتهديد بالخطوات التصعيدية قبل أن يتم إقالة حكومة «الملقي»، وتكليف «عمر الرزاز» الذى بدأ ولايته بإلغاء مشروع قانون الضريبة الجديدة وعرضه مرةً أخرى للحوار الوطنى. 
وشهدت ساحة «مجمع النقابات» فى العاصمة عمّان احتشاد محتجون استجابة لدعوة النقابات المهنية، للاحتجاج على مشروع قانون ضريبة الدخل وطالب المشاركون فى الوقفة الاحتجاجية، بالإصلاح الاقتصادى، ورفض النهج الاقتصادى المعمول به حاليًا.
حراك الأردن.. لماذا غاب الإخوان؟
أثار غياب الإخوان المسلمين عن تركيبة المشهد الاحتجاجى فى الأردن تساؤلات عديدة خاصة أن الإخوان اعتادوا تصدر المشهد السياسى هناك، وعكست الاحتجاجات الأخيرة تراجع دور المعارضة الإسلامية التقليدية لصالح قوى غير إسلامية نقابية ومهنية، وعشائرية غير منظمة سياسيًا، وهو ما ظهر فى مشهد الدَّوّار الرابع وساحة «مجمع النقابات»؛ إذ قادت القوى المهنية والعشائرية فضلًا عن الشبابية هذا الحراك. واكتفى التنظيم بإصدار البيانات التى تهاجم الحكومة، وتحملها ما آلت له الأوضاع، وطالب الإخوان فى بياناتهم بتشكيل حكومة إنقاذ وطنى، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة. 
جدير بالذكر، أن الشعارات المرفوعة فى الإحتجاجات،إقتصرت على المطالب الإقتصادية دون غيرها، وأختفت شعارات الأحزاب والحركات 
ويُعزى غياب الإخوان عن مشهد الاحتجاجات فى الدَّوّار الرابع إلى العديد من الأسباب مثل طبيعة الظروف الإقليمية، والاقتصادية، وكذلك التفاعلات السياسية داخل الحركة.:
عن طبيعة الظروف التى يمر بها التنظيم الدولى للإخوان؛ نجد أن تيار الإسلام السياسى يعانى من أفولٍ فى الحركة، نتيجة حظر نشاطه فى مصر، والإمارات العربية المتحدة، والسعودية.
اما العلاقة الخاصة التى تربط النظام السياسى الأردنى بقوى المعارضة بمن فيهم الإخوان؛ فيسمح لهم بالمشاركة السياسية. بالإضافة إلى ذلك، واجه الملك عبدالله بن الحسين الاحتجاجات بحكمة كبيرة بدت فى التعامل الأمنى مع المحتجين، وكذلك القرارات المبكرة التى اتخذها مثل قرارات إقالة الحكومة التى اتخذت قراراتها سريعًا بإزالة أسباب الاحتقان. منعت هذه السياسة حركة الإخوان من استغلال تطور الأحداث السياسية لصالحهم.
أيضا تغير المزاج الشعبى الأردنى تجاه الإخوان، وهو ما قد يبرر غيابهم عن المشهد. ويؤكد ذلك الخسارة التاريخية التى مُنى بها التنظيم فى الانتخابات النيابية ٢٠١٦؛ حيث حصد ١٦ مقعدًا من أصل ١٣٠ مقعدًا، إضافة إلى خسارته الأكبر؛ إذ خسر انتخابات نقابة المهندسين لأول مرة منذ عام ١٩٩٢. 
وعن طبيعة الفئة التى استهدفتها التعديلات الضريبية، نجدها الطبقة الوسطى، فيما تتمثل القاعدة الشعبية للإخوان فى المخيمات والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وهم من الطبقة التى لن يؤثر عليها قانون ضريبة الدخل بشكل كبير لأنها غير مشمولة).
ورغم أن احتجاجات الدَّوّار الرابع جاءت سريعة ودرامية، فإنها ستنعكس على جوهر التفاعلات السياسية داخل النظام السياسى الأردني؛ إذ أفرزت الاحتجاجات فواعل جديدة لم تكن لتمارس هذا الدور من قبل مثل القوى العشائرية واتحاد النقابات.
من ناحيةٍ أخرى، مثَّل غياب الإخوان عن المشاركة فرصة أمام قوى الحراك المدنى لعدم تسييس الاحتجاج وإخراجه عن جوهر مطالبه الاقتصادية.