الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

واحة الخميس عيد الجلاء "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مر الإثنين الماضى الموافق الثامن عشر من يونيو دون أن ينتبه أحدنا لهذا التاريخ وما كان يمثله بالنسبة لنا، فلم نقرأ حرفًا واحدًا فى صحيفة أو فى موقع إليكتروني، باستثناء «البوابة» فى حدود ما أطلعت عليه، ولم يغرد أحد النشطاء أو يدون كلمة تذكرنا بقصة ذلك اليوم الذى كان يمثل عيدًا للمصريين، ولا أدرى سبب هذا التجاهل وهل تم عن عمد أم دون قصد، وإن كان فى الحالتين جريمة لا تغتفر فى حق تاريخ مصرنا الحبيبة.
ففى مثل هذا اليوم ياسادة وتحديدا فى عام 1956 غادر آخر جندى إنجليزى أرض الوطن بعد احتلال دام لأكثر من سبعين سنة، ففى 15 سبتمبر 1882 دخل الإنجليز مصر بدعوة من الخديوى توفيق الذى طلب منهم التدخل لحماية عرشه من عرابى ولضمان استمرار مصر فى دفع ديونها الثقيلة التى كان إسماعيل قد اقترضها، وكذلك لحماية الأقليات الأوروبية التى تعرضت للقتل إبان فتنة الإسكندرية، وهى فتنة مفتعلة بدأت برجل من مالطا استأجر حمارًا من مصرى ثم رفض دفع الأجرة وانتهى الأمر بشجار بينهما أدى إلى قتل المالطى للمصرى، فانتفض السكندريون ثأرًا لأخيهم، فقتلوا عددا من الأجانب، فرد الأجانب بقتل بعض أهالى الإسكندرية، وعجزت الشرطة ثم الجيش فى القضاء على هذه الفتنة وإعادة الأمور إلى نصابها، فى الوقت الذى كان فيه الأسطول البريطانى قبالة السواحل المصرية منذ وقف عرابى فى وجه توفيق مطالبًا إياه بالإصلاح السياسى والعسكرى والاجتماعى، فلم تكن طلبات عرابى تخص الجيش وحده بل تعدت ذلك إلى ضرورة إقامة حياة ديمقراطية بإنشاء مجلس للنواب وبوضع دستور للبلاد، وانتهزت بريطانيا الفرصة لتحقيق حلمها القديم باحتلال مصر والسيطرة على قناة السويس بغية استخدامها فى نقل الجند والتجارة من وإلى الهند التى كانت مستعمرة بريطانية آن ذاك، وأعلن الإنجليز يوم دخولهم مصر أنهم لن يمكثوا فيها إلا عدة أشهر قليلة وأنهم سيرحلون عنها بمجرد عودة الأمور إلى طبيعتها وتحقيق الاستقرار، ومن المؤسف أن بعض من نسميهم النخبة قد رحبوا بالإنجليز ولم نسمع عن تنديد بالاحتلال أو حركة وطنية رافضة له إلا بظهور مصطفى كامل بعد سنوات طويلة من الاحتلال، وظل الإنجليز يسيطرون على كل شيء فى مصر، فهم يغيرون الحكومات وبأمر جلالة ملك بريطانيا العظمى يتم خلع حاكم مصر وتنصيب غيره، وليس بمقدور أحد أن يعترض، وفى 18 ديسمبر 1914 أعلنت بريطانيا الحماية على مصر وكان نص الإعلان كالآتى: «يعلن ناظر الخارجية لدى جلالة ملك بريطانيا العظمى أنه بالنظر إلى حالة الحرب التى سببها عمل تركيا فقد وضعت مصر تحت حماية جلالته، وأصبحت من الآن فصاعدا من البلاد المشمولة بالحماية البريطانية وبذلك قد زالت سيادة تركيا على مصر».. وبعد يوم واحد من إعلان الحماية البريطانية على مصر صدر القرار الثانى بعزل عباس حلمى وكان نصه: «يعلن ناظر الخارجية لدى جلالة ملك بريطانيا العظمى أنه بالنظر لإقدام سمو عباس حلمى باشا خديو مصر إلى الانضمام لأعداء الملك فقد رأت حكومة جلالته خلعه من منصب الخديوية، وقد عرض هذا المنصب السامى مع لقب سلطان مصر على سمو الأمير حسين كامل باشا أكبر الأمراء الموجودين من سلالة محمد على فقبله».
وكان عباس آنذاك فى زيارة لتركيا فبقى فيها بعدما تلقى خبر إقالته من وكالات الأنباء العالمية، بينما تولى حسين كامل الحكم، وكان يميل إلى الإنجليز ويدافع عن وجودهم فى مصر، وعندما ولوه الحكم لقبوه بالسلطان وذلك كيادة فى السلطان العثمانى حيث كان هذا اللقب يختص به، وكان ذلك كله إبان الحرب العالمية الأولى والتى نشبت على إثر مقتل ولى عهد النمسا على يد واحد من الصرب وذلك أثناء زيارته لصربيا فى يونيه 1914 فأعلنت النمسا الحرب على صربيا التى لم تحم ضيفها الكبير فهبت روسيا لنجدة الصرب، فقررت ألمانيا الوقوف إلى جانب النمسا باعتبارها الحليفة الدائمة لها، وعندئذ قررت فرنسا الوقوف إلى جانب روسيا ولحقت بها بريطانيا لتقع مصر فى حيص بيص، فهى تابعة للسلطنة العثمانية التركية وإن كانت هذه التبعية شكلية فقط، لكن يكفى القول بأن شيوخ المنابر كانوا يدعون لخليفة المسلمين التركى فى نهاية خطبة الجمعة، ورغم ذلك كانت مصر واقعة تحت نير الاحتلال الانجليزى، وانتظر الشعب المصرى الموقف الرسمى للدولة من الحرب العالمية التى اجتاحت أوروبا وعصفت بها فإذا بعباس حلمى يذهب إلى تركيا وإذ بالإنجليز يستغلون ذلك بخلعه وإعلان الحماية على مصر والتى تحولت إلى قاعدة عسكرية بريطانية حيث تدفقت القوات الإنجليزية على مصر وتم اتخاذ إجراءات أمنية صارمة مع الوطنيين الذين تم اعتقالهم عشية إعلان الأحكام العرفية فى مصر، ومن الغريب أن بعض المصريين قد استغلوا فرصة الحرب العالمية وراحوا يبيعون لمعسكرات الاحتلال كل ما يلزمهم من مواد غذائية وخضراوات وملابس وقطع غيار وزجاجات فارغة، وما إلى ذلك حتى امتلأت جيوبهم بأموال الاحتلال فأطلق الناس على هؤلاء لفظ «أغنياء حرب».
ومن المؤلم حقًا أن وزيرًا واحدًا فى وزارة حسين رشدى لم يحتج ولم يقدم استقالته حين أعلنت بريطانيا الحماية على مصر، ولم يندد أحد المثقفين بهذا، بل صمت الجميع، وفى 1917 اشتد المرض بالسلطان حسين حتى وافاه الأجل، ليرتقى أحمد فؤاد العرش فى أكتوبر1917 والذى بدأ عهده كما انتهاه بميل كامل للإنجليز، ومن المؤسف أنه بعد شهر واحد من توليه العرش أعلن بلفور وزير خارجية بريطانيا وعده الشهير والمعروف بوعد بلفور الذى يؤكد أن بريطانيا ستعمل جاهدة على إنشاء وطن لليهود فى فلسطين ومع ذلك لم يعلن فؤاد أو غيره من الساسة استنكارهم لهذا الوعد، أما زعماء الحركة الوطنية فقد كانوا يفكرون فى أمر آخر وهو مصير مصر بعد الحرب، فلقد وضعت الحرب العالمية أوزارها فى عام 1918 وأصبح للمنتصرين الحق فى إعادة تقسيم البلاد التى ظلت لقرون طويلة تحت السيادة العثمانية فوضعت إنجلترا وفرنسا خريطة جديدة للشرق الأوسط.. وللحديث بقية