الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

مفاجأة "أبي عبيدة" تربك حركة "الشباب" الصومالية

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم تصعيد حركة "الشباب" المتطرفة، المحسوبة على تنظيم القاعدة، لهجماتها، في الأسابيع الأخيرة في أنحاء الصومال، إلا أن هناك تسريبات حول أن صراعا محتدما بدأ يشق طريقه في صفوف الحركة، وقد يدخلها في مرحلة من الارتباك والضعف.


ففي 17 يونيو، كشفت جريدة "دا إستار" الكينية، أن زعيم حركة "الشباب" أحمد ديري المعروف بأبي عبيدة يعاني من سرطان المعدة، الذي وصل إلى مراحل متقدمة، وأن صراعا بدأ على خلافته.
وأشارت الجريدة إلى نشوب صراع بين أعضاء مجلس شورى الحركة المنحدرين من قبيلتي "الهوية" و"الدارود" في جنوب الصومال على خلافة أبي عبيدة، حيث قام أعضاء من "الهوية" على عجل بتعيين أحدهم، وهو حسن فيدو، كزعيم محتمل للحركة بعد موت ديري، ما أدى إلى تصدعات داخل المجلس.
وكان أحمد ديري تولى رئاسة حركة الشباب بعد اغتيال زعيمها السابق أحمد عبدي غودني "أبو زبير"، في غارة أمريكية في سبتمبر 2014.
ولم يكن ديري يتمتع بشعبية كبيرة في صفوف الحركة، ويتردد أن مقاتليها يصفون ولايته بأنها الأسوأ على الإطلاق، بسبب استفراده بالقرارات وإقصائه لرموز الحركة.
ولعل ما يرجح صحة ما سبق، أن مختار روبو أحد مؤسسي الحركة والناطق الرسمي السابق باسمها أعلن في منتصف أغسطس 2017 انشقاقه عنها، ووقوفه إلى جانب الحكومة الصومالية، التي تقاتل هذه الحركة منذ سنوات.
وكشف روبو، الذي يعرف بأبي منصور، رسميا انشقاقه خلال مؤتمر صحفي عقده في مقديشيو، بعد يومين من تسليم نفسه للحكومة الصومالية، إثر مفاوضات بين الجانبين لم يكشف عن تفاصيلها.
ووصف مراقبون حينها انشقاق روبو بأنه أقوى ضربة لحركة الشباب في السنوات الأخيرة، لأنه أحد مؤسسيها، وكان نائبا لزعيمها السابق أحمد عبدي غودني الذي قتل عام 2014، ثم ناطقا باسمها إلى حين نشوب خلافات بينه وبين أحمد ديري.
ورغم اعتقاد البعض أن الحركة تجاوزت انشقاق روبو، في ظل تصاعد هجماتها منذ بداية العام الحالي، إلا أن مفاجأة "دا إستار"، تكشف أن الحركة سعت من خلال تكثيف عملياتها للتغطية على التصدعات بداخلها، أكثر من كونها تطورا في عملياتها القتالية.
ويبدو أن الحكومة الصومالية على دراية بالأزمة داخل الحركة، حيث زار قائد الجيش الصومالي الجنرال عبد الولي جامع غورود، جنوب البلاد، معقل الحركة، في 14 يونيو، وتعهد بتحرير كافة المناطق، التي لا تزال تحت سيطرتها.
جاء ذلك خلال زيارة مفاجئة قام بها غورود إلى منطقة "بار سنغوني" في إقليم جوبا السفلى بولاية جوبالاند في جنوب الصومال، التي تم استعادتها في الأيام الأخيرة من سيطرة حركة "الشباب".
ونقل موقع "الصومال الجديد"، عن غورود، قوله، إن الحرب ضد حركة "الشباب" ستستمر حتى يتم تحرير كافة المناطق التي يسيطر عليها مقاتلوها.
وأشار إلى أنه وصل إلى "بار سنغوني" للاطلاع على الإنجازات التي حققها الجيش، وكذلك احتياجاته، وأضاف أن الحكومة الفيدرالية ستحرص على سد احتياجات أفراد الجيش.
وكانت منطقة "بار سنغوني"، التي تقع على بعد 50 كم من مدينة كيسمايو عاصمة ولاية جوبالاند في جنوب الصومال، شهدت منذ 8 يونيو مواجهات عنيفة بين القوات الصومالية والقوات الأمريكية والإفريقية الداعمة لها، وبين حركة الشباب.
وأعلن الجيش الأمريكي، في بيان، أن قوات خاصة أمريكية، تقاتل إلى جانب نحو 800 جندي من الجيش الصومالي، وقوات الدفاع الكينية، تعرضت لهجوم في 8 يونيو في "بار سنغوني" بقذائف المورتر، ونيران الأسلحة الصغيرة،، أسفر عن مصرع جندي أمريكي وإصابة أربعة آخرين.
وبعد يومين من الهجوم السابق، قام انتحاريان من حركة الشباب يقودان حافلة ركاب صغيرة، الأحد الموافق 10 يونيو، بمهاجمة معسكر في "بار سنغوني"، ما أسفر عن جرح جندي صومالي أطلق الرصاص، على السيارة المفخخة، قبل تمكنها من اقتحام المعسكر، فيما زعمت حركة الشباب، أن الهجوم أسفر عن مصرع 50 من جنود المعسكر.
وفي 13 يونيو، استعادت القوات الحكومية السيطرة على المعسكر، الذي تم اقتحامه، من قبل مقاتلي الشباب، مما عرقل مخططات الحركة للتوسع في جنوب البلاد، بعد أن زادت في الأسابيع الأخيرة من وتيرة هجماتها في مناطق بولايات هيرشبيلي وجوبالاند "جنوبا".
وكانت القوات الحكومية المدعومة بقوات تابعة لبعثة الاتحاد الإفريقي "أميصوم"، استعادت أيضا في 7 يونيو السيطرة على مدينة "عيل واق"، في إقليم جدو، بولاية "جوبالاند" جنوب البلاد، بعد سيطرة حركة "الشباب" المتشددة عليها.
وقالت إذاعة "كلميه" المحلية في إقليم جدو، حينها، إن حركة الشباب المتشددة سيطرت على المدينة لفترة وجيزة، قبل اندلاع اشتباكات بينها وبين القوات الحكومية المدعومة بالقوات الكينية التابعة لبعثة الاتحاد الإفريقي، أسفرت عن طردها منها.
وتشن حركة "الشباب"، هجمات متكررة للإطاحة بالحكومة المركزية الصومالية، وإقامة حكمها الخاص القائم على تفسير متشدد للشريعة الإسلامية.
وتنفذ الحركة أيضا هجمات في كينيا، معظمها في منطقة تقع على الحدود مع الصومال للضغط على الحكومة الكينية، لسحب قوات حفظ السلام التابعة لها من الصومال.
وبعد طردها من مقديشيو، عام 2011، فقدت حركة الشباب سيطرتها على معظم مدن وبلدات البلاد، إلا أنها لا تزال تحتفظ بتواجد عسكري في الريف الصومالي، خاصة في جنوب ووسط البلاد.
وفي حال لم يتم سريعا وضع حد لهجمات هذه الحركة، فإن الصومال قد يدخل في فوضى عارمة، بعد أن تنفس هذه البلد الصعداء مؤخرا باستعادة بعض معالم الدولة، التي انهارت بشكل شبه كامل عقب سقوط نظام سياد بري في يناير 1991.
فداعش أيضا ظهر في الصومال، فيما يسعى تنظيم القاعدة من خلال حركة "الشباب"، لفرض سيطرته، واحتكار ما يسميه "الجهاد العالمي"، وهو ما قد يعرض البلاد لصراع لا ينتهي بين الإرهابيين، خاصة أنه تتوفر في الصومال، كافة العوامل، التي تساعد على ظهور الإرهاب، وانتشاره، وهي ثالوث "الفقر والجهل والمرض"، بالإضافة إلى الصراعات والحروب الداخلية، وانعدام الاستقرار.
كما أن موقع الصومالي الجغرافي يغري بشكل كبير التنظيمات الإرهابية، إذ يقع فى منطقة استراتيجية تربطه بشكل كبير بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهو ممر محورى فى حركة التجارة العالمية، بالإضافة إلى قربه من اليمن الحاضن الأول لتنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية.
وكشفت دراسة صومالية بعنوان "دخول القاعدة فى الصومال النشأة والتطور"، نشرها مركز مقديشو للبحوث والدراسات، للباحث الصومالى فى شئون الحركات الإسلامية، نور عبدالرحمن، أهمية هذا البلد في استراتيجية تنظيم القاعدة.
وقال الباحث في دراسته، إن أسامة بن لادن زعيم القاعدة الراحل سعى إلى تأسيس مراكز تدريب لعناصر تنظيم القاعدة في الصومال، فتم التواصل بين "بن لادن" والزعيم الدينى الشيخ حسن تركي، والذى يعد أهم شخصية صومالية تواصلت مع بن لادن، وقت إقامة الأخير فى السودان.
وتابعت الدراسة أن تنظيم القاعدة، وجد فى الصومال أرضا خصبة للتمدد، نظرا لحالة الفقر، والوضع المعيشى الصعب، والغياب الأمنى فى البلاد.
وبدوره، قال سامح عيد، الإخوانى المنشق والباحث فى شئون الحركات الإسلامية، إن تنظيم القاعدة تغلغل في الصومال، مستغلا انتشار الفقر والبطالة، وضعف الحكومة المركزية.
وأضاف عيد في تصريحات لـ"البوابة نيوز"، أن تغلغل القاعدة في الصومال سيساهم فى وصول الإرهاب إلى عدة دول عربية، من أبرزها السودان واليمن.
وتابع "تنظيم القاعدة، اختار منذ البداية الصومال ليكون ملاذا ثانيا بعد أفغانستان، بسبب موقعه الجغرافي الاستراتيجي".
واستطرد " تنظيم القاعدة اهتم بالصومال في بداية فترة التسعينيات، وهي الفترة، التي كان فيها زعيمه أسامة بن لادن، متواجد في السودان".
وأضاف عيد، أن السودان قريب من الصومال، وأن بن لادن أثناء تواجده في السودان، حدثت بينه، وبين إسلاميين في الصومال، الكثير من المباحثات لتأسيس فرع للقاعدة هناك.
وتابع "من أهم الأسباب، التي ساعدت القاعدة على الانتشار والتغلغل، في الصومال، سقوط الحكومة المركزية وضعف الأجهزة الأمنية".
وفي السياق ذاته، قال خالد الزعفراني، الخبير في شئون الحركات الإسلامية والإخواني المنشق، إن تنظيم القاعدة الإرهابي، تواجد في الصومال عقب سقوط الحكومة المركزية الصومالية عام 1991.
وأضاف الزعفراني في تصريحات لـ"البوابة نيوز"، أن فترة التسعينيات شهدت أزمات سياسية واقتصادية كبرى كان لها تأثير سلبي علي الصومال، وأعطت الفرصة كاملة أمام القاعدة ليتواجد هناك.
وأشار إلى أن العوامل الاقتصادية المتدهورة جعلت عددا كبيرا من أبناء الصومال ينخرطون في العمل الإرهابي، وكانوا طعما سهل لأسامة بن لادن، وبعد ذلك، أيمن الظواهري الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة.
وتابع " الحركات الصومالية التي قاتلت القوات الأمريكية التي كانت متواجدة في الصومال في التسعينيات، حدث تعاون كبير بينهم وبين عناصر تنظيم القاعدة ".
وأوضح الزعفراني، أن "من أهم أسباب التواجد المكثف لتنظيم القاعدة في الصومال في التسعينات، أنه كانت تتواجد به قوات أمريكية، وعناصر القاعدة هدفهم الأساسي هو محاربة أمريكا، وبالفعل استطاع التنظيم القيام بالعديد من العمليات الإرهابية خلال فترة منتصف التسعينيات، منها معركة مقديشيو، التي شن من خلالها مجموعة هجمات إرهابية علي القوات الأمريكية المتواجدة هناك حينها، والولايات المتحدة لم تستطيع أن تفعل شيء مع عناصر القاعدة، فتركت الصومال".
ولفت الزعفراني إلى أن من أسباب اختيار أسامة بن لادن وأيمن الظواهري الصومال لتكون معقلا أساسيا لتنظيمهم الإرهابي، هو أن الصومال قريب من اليمن، التي تعتبر من أكبر المعاقل للتنظيمات المتشددة، إضافة إلى وجود طرق تجارية كبيرة بين الصومال واليمن، وهذا ساعد تنظيم القاعدة ليمارس مهامه الإرهابية، من حيث الاتجار بالأسلحة.
ومن ضمن الأمور التي أشار إليها الزعفران" أيضا، أن الصومال لديه فكر إسلامي خاطئ، لأن أغلب المفاهيم التي تعتمد عليها الحركات الإسلامية الصومالية مفاهيم سيد قطب وجماعة الإخوان الإرهابية، وجميعها أفكار سيئة أتاحت الفرصة لتنظيم القاعدة الإرهابي أن يتغلغل في الصومال.
والخلاصة أن الصومال في مفترق طرق بين استعادة معالم الدولة بشكل كامل، أو وقوعه مجددا في الفوضى وتحوله لساحة صراع بين التنظيمات الإرهابية.