الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"لائحة المنع".. وسيلة أوروبا للهروب من عقوبات "ترامب" على إيران

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تشريع أوروبى لحماية الشركات من الخضوع للقوانين الأجنبية عام ١٩٩٦ باريس تقترح هيئة جديدة لاحترام القرارات الأوروبية.. ووزير المالية الفرنسى: لا نقبل لعب واشنطن دور «الشرطى الاقتصادى العالمى» وزير الاقتصاد الألمانى: مستعدون لتقليل عواقب الانسحاب الأمريكى.
شكل انسحاب واشنطن من الاتفاقية النووية الإيرانية، بداية جديدة لفرض العقوبات الأمريكية على الشركات الأوروبية، وهو ما يمكن أن يدفع القادة الأوروبيون للانتقام من هذه الإجراءات عن طريق إعادة إحياء قائمة المنع؛ التى أدخلها الاتحاد الأوروبى لمواجهة العقوبات المفروضة على الشركات الأوروبية من دول أجنبية، واستخدمت بنجاح من قبل الاتحاد الأوروبى فى 1990. وتعمل الولايات المتحدة، عقب خروج الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووى المبرم فى 2015، استخدام العقوبات الاقتصادية لإجبار حلفائها الأوروبيين على إغلاق أبوابهم الاقتصادية أمام إيران، فلم يكتف «ترامب» بالخروج من اتفاقية دولية متعددة الأطراف، بل تسعى الإدارة الأمريكية إلى عرقلة علاقات الأعمال الأوروبية مع إيران، بالإضافة إلى ذلك، تعهدت الولايات المتحدة بفرض تعريفات تجارية ضارة على الحلفاء الأوروبيين.

وأوروبا اليوم مضطرة للتعامل مع العقوبات الأمريكية، مما يجعلها فى معضلة الاختيار بين ممارسة حقها السيادي، وعدم الإضرار بالتحالف عبر الأطلنطي.
وأوضحت وزارة الخارجية الأمريكية، وتصريحات وزارة الخزانة، أن واشنطن تعتزم إعادة فرض العقوبات بموجب الاتفاقية النووية مع إيران ضد الشركات العالمية التى تتعامل مع إيران.
وعليه وجه السفير الأمريكى فى ألمانيا والمعين حديثًا، تحذير غير دبلوماسى إلى الشركات الألمانية لإيقاف العمليات فى إيران فورًا.
وعلى الجانب الآخر، صرح وزير الاقتصاد الألماني، بيتر ألتماير، بأن حكومته مستعدة للتحدث مع جميع الشركات المعنية حول ما يمكن القيام به لتقليل العواقب السلبية للانسحاب الأمريكي.

فى حين لخص وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، الشعور الأوروبي، قائلًا إن الامتداد الدولى للعقوبات الأمريكية، يجعل الولايات المتحدة الشرطى الاقتصادى للكرة الأرضية وهذا غير مقبول.
والجدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبى وإيران يعملان على خطة من تسع نقاط تهدف إلى مساعدة إيران على الحفاظ على قدرتها على بيع النفط والغاز، وحماية الشركات الأوروبية، وتطوير قنوات مالية خاصة، لكن تجاوز مثل هذه التصريحات العامة وإيجاد حلول عملية سوف يتطلب إرادة سياسية من جانب الاتحاد الأوروبي.
ومع دخول أوروبا والولايات المتحدة مرحلة جديدة من المحادثات حول كيفية الذهاب كل فى طريقه منفصلًا بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووى الإيراني، وأحد المسارات المحتملة أن أوروبا ستحقق انفصالًا وديًا مع خروج الولايات المتحدة من الاتفاق دون عرقلة الشركات الأوروبية بلا مبرر، وهذا يتطلب ضمانات ضد التنفيذ الصارم للعقوبات الأمريكية وإنشاء إعفاءات قانونية واسعة النطاق تغطى شركات محددة أو قطاعات بأكملها؛ حيث يمكن السماح للشركات الأوروبية العاملة ضمن هذه الإعفاءات بالاستمرار فى ممارسة الأعمال التجارية فى إيران دون مواجهة عقوبات أمريكية، أو على الأقل يمكنها بناء عملياتها فى إيران لتجنب أى اتصال مع الكيانات الأمريكية والأشخاص والمعاملات بالدولار الأمريكي.
ويذكر أن أوروبا اضطرت لتجاوز العقوبات الأمريكية فى ١٩٩٦، عندما وقعت إدارة الرئيس بيل كلينتون قانون العقوبات الإيرانى والليبي، وقانون الحرية والتضامن الديمقراطى الكوبي، والذى يعكس الإجماع السياسى فى أوروبا فى ذلك الوقت، مثله مثل اليوم.
هذه الحالة تشبه ما هى عليه العلاقات اليوم؛ حيث الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ترغم أوروبا بشكل غير شرعى على قبول قرار السياسة الخارجية على خلاف مع مصالحها الأمنية والاقتصادية.
رد الفعل الأوروبى
على الجانب الأوروبي، أدخلت الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى بالإجماع، لائحة المجلس رقم ٢٢٧١، فى عام ١٩٩٦، التى كان الهدف منها حماية الشركات من آثار تطبيق التشريع خارج حدود الدولة التى يعتمدها بلد ثالث.
وتعمل اللوائح التنظيمية على إجراء شيء غير عادى - فهى تحظر خضوع كيانات ومحاكم الاتحاد الأوروبى للامتثال لقوانين العقوبات الأجنبية الواردة فى ملحقها وإنفاذها، مما يزيد من احتمال فرض عقوبات مالية على الشركات التى تتقيد به.
ولا شك أن القانون الأمريكى يضع الشركات فى موقف حرج، مما يجعلها تختار بين إجراءات التنفيذ فى الولايات المتحدة (لعدم الامتثال للعقوبات الأمريكية) والغرامات فى أوروبا (للامتثال للقانون الأمريكي).
وعليه فإن معظم الشركات التى تواجه هذه المعضلة القانونية ستختار ببساطة عدم دخول السوق الإيراني، وعلاوة على ذلك، فإن الغرامات الأوروبية المحتملة قد تتضاءل من تلك التى تفرضها عادةً وزارة الخزانة الأمريكية، فعلى سبيل المثال، بموجب القانون الألمانى يمكن معاقبة الشركات التى تنتهك لائحة المنع بحد أقصى قدره ٥٠٠.٠٠٠ يورو (حوالى ٦٠٠.٠٠٠ دولار)؛ فى حين غرمت وزارة الخزانة الأمريكية مؤخرًا البنك الفرنسى «بى إن بى باريبا» حوالى ٩ مليارات دولار.
لكن التركيز على الآلية القانونية يفتقد إلى نقطة أكبر من تنظيم الحظر، بالعودة إلى عام ١٩٩٦، تم إدخال التنظيم كجزء من حملة أوروبية أوسع، شملت أيضًا عملية نزاع ضد الولايات المتحدة فى منظمة التجارة العالمية؛ حيث تم إدخال التنظيم كجزء من حملة أوروبية أوسع، شملت عملية نزاع ضد الولايات المتحدة فى منظمة التجارة العالمية.
وقد أدت هذه الإجراءات مجتمعةً إلى تعزيز نفوذ أوروبا فى المفاوضات مع إدارة «كلينتون»، وفى نهاية المطاف، توصل الطرفان إلى حل سياسى لم تقم السلطات الأمريكية بموجبه بفرض عقوبات خارجية على الشركات الأوروبية.
واللجوء إلى لائحة المنع اليوم سيكون فى المقام الأول حول النفوذ السياسي، ومع ذلك، فإن هذا بالضبط هو السبب فى أن التنظيم الذى تم تحديثه ومقارنته بالتدابير المضادة، لا يزال خيارًا مرغوبًا بالنسبة لأوروبا فى الوقت الذى تواجه فيه إساءة استخدام ترامب لقوى العقوبات.

صدام أمريكى أوروبى
وفى حال موافقة قادة الاتحاد الأوروبى على إحياء وتعديل ملحق لائحة المنع لتشمل العقوبات الثانوية الأمريكية المعلقة التى تستهدف إيران، فإن هذا سيبعث بإشارة سياسية واضحة إلى إدارة ترامب بأن أوروبا مستعدة للدفاع عن مصالحها وتعتزم التأثير على كيفية قيام الولايات المتحدة الدول تنفذ جزاءاتها الذى قد يؤدى إلى إجراء مفاوضات أكثر جدية مع المحاورين الأمريكيين، الذين لديهم تفويض واضح لإعادة فرض العقوبات ولكنهم يحتفظون بسلسلة من التفصيل فى تفاصيل التنفيذ.
على المستوى العملي، يمكن لقانون المنع أن يحدث فرقًا ملموسًا لبعض الشركات الأوروبية عندما تقرر ما إذا كانت ستقلل من شأن أعمالها فى إيران. وفى دراسة استقصائية شملت ٦٠ مسئولًا تنفيذيًا متعدد الجنسيات، أُجريت فى يناير الماضي، أشار التقرير إلى أن أكثر من نصف كبار المسئولين التنفيذيين أكدوا أنه فى حال إصرار إيران على التزامها بالاتفاق النووي، فإن هذا سيؤثر على قرار الاستثمار فى إيران.
وعلى مدار العام الماضي، سعى التنفيذيون الأوروبيون إلى التخفيف من حالة عدم اليقين السياسى المحيطة بموقف ترامب بشأن الاتفاقية من خلال تأمين خطابات الراحة أو الرخص الرمزية التى يمكن أن تساعد الشركات على إثبات الجواز المستمر لأنشطتها فى إيران.
بالنسبة إلى بعض الشركات الأوروبية، قد يكون إحياء التنظيم بمثابة التعبير القانونى عن الدعم الأوروبى للمشاركة التجارية مع إيران؛ وعليه يمكن للمسئولين التنفيذيين أيضا أن يشيروا إلى التنظيم ليبرهنوا على أعضاء مجلس الإدارة القلقين، والمساهمين، والموردين، والعملاء، أن الالتزام الأوروبى تجاه إيران دائم. 
وهذا من شأنه أن يقلب الميزان لصالح استمرار العمل مع إيران بالنسبة للشركات الأوروبية الأصغر التى لا تتعرض إلا لسوق الولايات المتحدة.
فيما تعمل اللائحة أيضًا على تقوية قبضة الشركات متعددة الجنسيات الكبرى، التى تعرض كل من الولايات المتحدة ومصالحها فى إيران، حيث تتصارع فى مفاوضاتها مع مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة لصياغة تراخيص تعفى هذه الشركات من العقوبات الثانوية الأمريكية. 
ومن بين الشركات التى تمكنت من مواصلة عملياتها فى إيران فى فترة العقوبات التى سبقت عام ٢٠١٥، شركة «هينكل» العملاقة للسلع الاستهلاكية الألمانية، والشاحنات السويدية «سكانيا»، وشركة «نوفارتيس» السويسرية للأدوية.
وستوفر اللائحة تدبيرًا قانونيًا ملموسًا لهذه الشركات وغيرها من الشركات الأوروبية للإشارة إليها عند إجراء مفاوضات مع مكتب مراقبة الممتلكات الأجنبية للاحتجاج بأن مثل هذه الإعفاءات ضرورية لهم للامتثال لكل من قانون الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ حيث لا ينبغى أن يكون الهدف لتدابير الحماية الأوروبية السعى وراء الحماية التى ترضى جميع الشركات، وهو أمر مستحيل، بل لضمان أن الشركات الأكثر التزامًا يمكنها الحفاظ على عملياتها فى إيران.
والخلافات بين الولايات المتحدة وأوروبا اليوم، أكثر أهمية من خلافاتهما خلال التسعينيات بشأن العقوبات المفروضة على كوبا وليبيا وإيران والتى أدت إلى إنشاء لائحة المنع. للاستجابة بفاعلية لترامب حول إيران؛ حيث يجب على أوروبا أولًا أن توضح أن السعى إلى فرض العقوبات الأمريكية ضد شركات الاتحاد الأوروبى هو إساءة غير مقبولة، من أجل الرد بفاعلية على ترامب حول إيران، وتوفر «لائحة المنع» طريقة حاسمة لإشراك الهيئات التشريعية والمحاكم وسلطات الإنفاذ الأوروبية (الاتحاد الأوروبى وحكومات الدول الأعضاء) فى تأكيد الامتيازات القانونية الأوروبية، بدلًا من الحد من مناقشة إيران والإجراءات المضادة للسلك الدبلوماسى والتجارة الأوروبية والهيئات وحدها.
بالإضافة إلى ذلك، أبدت فرنسا رغبتها النظر فى المزيد من التدابير المضادة ضد العقوبات الثانوية الأمريكية بما فى ذلك إنشاء هيئة تنظيمية جديدة تابعة للاتحاد الأوروبى قادرة على متابعة أنشطة الشركات الأجنبية، والتحقق مما إذا كانت تحترم القرارات الأوروبية التى لا تزال افتراضية، ويشير الاقتراح الفرنسى إلى قلق متزايد من أنه بدون الآليات القانونية الصحيحة، لن تكون أوروبا قادرة على ممارسة التأثير فى الاقتصاد المعولم اليوم.
إن الاقتراح الفرنسى يشير إلى مستقبل يمكن أن يعاقب فيه الاتحاد الأوروبى الشركات الأمريكية على انتهاك العقوبات الأوروبية - والذى لم يكن واردًا قبل إبطال ترامب للاتفاق النووى الإيراني.

فرص الاستجابة
على الجانب الأمريكي، يعتقد «ترامب» بوضوح أن التصعيد ضرورى للوصول إلى اتفاق بأى حال، ومع ذلك، فإن تغريدة الأخير الذى أعلن عن رغبته فى العمل مع الرئيس الصينى «شى جين بينج» لتخفيف القيود على شركة «زد تى إي»، وهى شركة اتصالات صينية كانت قد تعرضت لعقوبات قاسية بسبب تكرار المبيعات إلى إيران وكوريا الشمالية، يشير إلى أنه قد يكون هناك بعض الاستعداد فى البيت الأبيض لتهدئة التصادم والتنازل، كما يلمح إلى إمكانية التوصل إلى حل وسط مع أوروبا بشأن فرض العقوبات.
وعليه، فإنه يجب على الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبي، والتى يعادل إجمالى ناتجها المحلى الإجمالى المحلى للولايات المتحدة، أن تثبت أولًا أنها على استعداد لاتخاذ إجراءات لحماية مصالحها، وإذا لزم الأمر فرض تكاليف مباشرة على الولايات المتحدة عندما تتجاوز واشنطن حدودها، كما هو الحال فى تسعينيات القرن الماضي، فإن هذا الموقف المتشدد من أوروبا من المرجح أن يردع إدارة «ترامب» عن فرض العقوبات الأمريكية التى تلوح فى الأفق ضد أقرب حلفاء أمريكا.
ومع ذلك، فإن السيناريو الأكثر احتمالًا، نظرًا لشرط إعلان ترامب، سيجبر أوروبا على التعامل مع الجهد الأمريكى لتسليح العقوبات الثانوية ومعاقبة الشركات الأوروبية من أجل الإضرار بالاقتصاد الإيراني.
وفى مواجهة السيناريو الثاني، سيكون على أوروبا أن تضيف مخالب إلى موقفها التفاوضى من أجل تخفيف الضرر الذى يلحق بالمصالح الأوروبية مع ضمان استمرار إيران فى الالتزام بالاتفاق النووي. وهذا يعنى وضع آليات قانونية يمكن أن تساعد فى الحد من تأثير العقوبات الأمريكية، وتهدد بفرض تدابير مضادة تفرض تكلفة سياسية وقانونية واقتصادية على الولايات المتحدة.