الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كل عيد وأنتم بخير.. الدلالة الاجتماعية للضحك

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عرَّف الفلاسفة الإنسان بأنه «كائن ناطق» أى عاقل قادر على إدراك العالم من حوله، فلا شك- كذلك- أنه «كائن ضاحك» أو «كائن يعرف كيف يضحك» و«يُضحك الآخرين»، بمعنى أنه الكائن الوحيد الذى يحول الهم والقلق والحيرة واليأس والتشاؤم والضعف والتناهى إلى «فكاهة» و«ضحك»، و«هزل» لكى يبدد تلك الهواجس الكئيبة؛ باعثًا فيما حوله جوًا انطلاقيًا ملؤه اللهو والهزل والعبث واللاواقعية. الإنسان هو الكائن الوحيد الذى يعرف «النكتة» ويستخدم الفكاهة، ويفنن فى خلق أسباب الضحك؛ ويستعين بسلاح الدعابة والسخرية فى تعامله مع الآخرين. إذن، الضحك ظاهرة إنسانية بمعنى أنها من أخص خصائص الموجود البشري، أو هى فضيلة قد اختص بها البشر.
وقد جذبت ظاهرة «الضحك» من قديم الزمان اهتمام الفلاسفة وعلماء النفس، وعنى بدراستها كل من «أفلاطون» و«أرسطو» و«ديكارت» و«هيجل» و«شوبنهاور» و«سبنسر» و«نيتشه»، الذى رأى أن الإنسان هو أعمق الموجودات شعورًا بالألم، ولذلك فقد كان لا بد له من أن يخترع الضحك. ومن الفلاسفة من انخرط فى دوامة البحث عما إذا كان «الضحك» ظاهرة فردية أم جماعية، نجد الفيلسوف الفرنسى الشهير «هنرى برجسون» صاحب كتاب «الضحك»، الذى يُعد من أهم المؤلفات التى تناولت موضوع الضحك- من منظور فلسفى- بوصفه شيئًا حيًا، لذلك يؤكد ضرورة معالجته بالاهتمام ذاته الذى نعطيه للحياة؛ أى البحث عن طبيعة الضحك فى ثنايا «الحياة» التى تدب فى أنحاء الكون.
لقد ذهب «برجسون» إلى أن الإنسان لا يمكنه أن يقدر الكوميديا أو يتذوق النكته، لو أنه كان يشعر بأنه وحيد يحيا فى عزلة عن الناس. وهذا يعنى أن «الضحك» ظاهرة اجتماعية فى المقام الأول، بمعنى أن الإنسان لا يضحك- فى حقيقة الأمر- إلا بوجود الآخر، والضحك إنما هو رد فعل ضد كل ما يبدو لنا فى الحياة الآلية الميكانيكية التى نحياها، أى الإيقاع الآلى الرتيب الذى تسير عليه حياتنا اليومية. ومن هنا يستنتج «برجسون» أن «الضحك» نوع من السلوك الاجتماعي، أو هو استجابة لبعض مطالب الحياة الجمعية؛ بمعنى أنه لا بد من يكون للضحك دلالة اجتماعية.
إن الضحك وسيلة فعالة لتصحيح تلك الآليات الضارة التى تنطوى عليها حياتنا الاجتماعية العادية بإظهارنا على ما فيها من سخف وعبث وتفاهة. ففى الحياة الإنسانية- كما يرى «برجسون»- مجموعة من النقائص التى يعمل الضحك على تصحيحها، فهو يصحح التصلب بالمرونة، والثبات بالتغير، والآلية بالحيوية، والانعزال بالاجتماع. بمعنى أن الضحك يقوم بدور المقوم الاجتماعى الذى يتطلب من كل فرد منا نوعًا من المرونة، والتكيف مع الحياة، والانصراف عن الآليات الضارة على نحو ما تتمثل فى العادات الرتيبة والانفعالات المتأصلة. وهذا ما أطلق عليه «برجسون» «المقاربة السوسيولوجية»، ليؤكد العلاقة القائمة بين الضحك والآخر فى بعده الجمعي؛ فإننا نضحك فى الجماعة عادة، ولا نضحك إلا وسيلة لتثبيت قيم دينية أو اجتماعية أو سياسية أو محاولة هدمها.
إذن الضحك فى جوهره العام ظاهرة اجتماعية، وأخصب ألوان الضحك ما يكون مصدره عقليًا اجتماعيًا- على حد قول برجسون- حيث أكد أن الضحك يتوجه فى الأغلب إلى ما هو شاذ من التصرفات والغرائب فى الحركات، والاختلاف فى المسلمات أى الابتعاد عن كل ما هو خارج الأعراف الاجتماعية. يقول: «المجموعة هى التى تنشط عملية الإضحاك، وعلى هذا الأساس يكون الضحك أداة إرسالية وتواصلية للتخاطب الاجتماعي؛ لذلك فإن صاحب النكتة يعمل على المشاركة مع الآخرين لتحقيق هذا التفاعل».
إن برجسون حين يكتب عن «الضحك» وعلاقته بالسهو والتكرار والآلية، إنما يفعل ذلك بعقل المفكر الحزين الذى يرى أن ساعة الصفاء أو الأنس- إن صح التعبير- ليست خالية من نكهة مرارة تفرضها تراجيدية الحياة، ويتساوى فى الشعور بهذه المرارة «الفيلسوف»، والشخص «اللا مبالي» من الناس، وكذلك «الممثل» و«المشاهد». لذلك خصص القسم الثالث من كتابه «الضحك» لدراسة الفرق الأساسى بين الكوميديا (الهزل) والمأساة (الدراما)، وأعطى أمثلة غاية فى الأهمية مستقاة من فن المسرح؛ أى المكان الذى يُظهر فيه الهزلى شكلًا من أشكال الفن الذى يقترب من الواقعية ليثبت الدلالة الاجتماعية للضحك.