الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

صلاح فضل.. عقود من النقد

الناقد الدكتور صلاح
الناقد الدكتور صلاح فضل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بالتزامن مع احتفاله بإتمام العقد الثامن من عمره، جاء اختيار الناقد الدكتور صلاح فضل، للفوز بجائزة النيل في فرع الآداب، كتكريم جديد للرجل الذي أفنى عقودًا في العمل النقدي والأدبي، وصار له مئات التلاميذ من النقاد والكتاب.. ليتوّج الرجل الذي تم تكريمه مؤخرًا بالمجلس الأعلى للثقافة بمناسبه بلوغه عامه الثمانين، مسيرته النقدية الحافلة بأرفع الجوائز الأدبية التي تمنحها الدولة المصرية.
"القرآن الكريم هو بداية علاقتي بعالم الكتب، حيث كان أول كتاب تلمسه يدي وأنا في السابعة من عمري عندما شرعت في حفظ القرآن الكريم، وذلك على يد مشايخ الأزهر، فجدي كان من علمائه لكنه توفي وهو في السنة النهائية بتخصصه في القضاء الشرعي. وهي كانت علاقة قوية وقاسية ومرهقة أيضًا لأنني كنت أحفظه بالفطرة دون الوعي والفهم، لكنها كانت قراءة مهمة لعبت دورها في زرع الهياكل العميقة للغة العربية وإيقاعاتها وبلاغاتها العالية في نفسي".
هكذا يروي الناقد الكبير، المولود في قرية شباس الشهداء بوسط الدلتا في 21 مارس عام 1938؛ فقد كان القرآن يمثل قدرا من المثل الأعلى في الإيجاز والقوة والتركيز، وهو ما أدركه بالحس وليس بالفهم، ليتأصل لديه قدر من الوعي اللغوي والتحكم البلاغي والقدرة على البيان بما لا يضاهيها أي كتب أخرى.
اجتاز فضل المراحل التعليمية الأولى الابتدائية والثانوية بالمعاهد الأزهرية؛ وعندما تخرج في المرحلة الابتدائية، كان يقرأ الصحف وبعض المجلات الأدبية؛ وبدأت علاقته بالشعر عندما عثر على دواوين شعرية في مكتبة جده، وحفظ الشوقيات وبعض القصائد الشعرية بالتوازي مع حفظ القرآن الكريم، بالإضافة إلى حفظ آلاف الأبيات الشعرية كـ"ألفية بن مالك"، أو شواهد القواعد النحوية بحكم دراسته الأزهرية، فالتحمت الذاكرة الطفولية بالأبيات الشعرية وكان حفظ الشعر أيسر بكثير؛ بعدها حصل على ليسانس كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عام 1962، ثم عمل معيدًا بالكلية ذاتها منذ تخرجه حتى عام 1965.
كانت مجلة «الرسالة» التي كان يرأس تحريرها أحمد حسن الزيات، المدرسة الأساسية الذي دخل من خلالها صلاح فضل عالم الكتابة النثرية، فقرأ فيها لمصطفى صادق الرافعي وطه حسين وإبراهيم المازني وأنور المعداوي وغيرهم من عشرات الكتاب الذين كانوا يمثلون السلالم الأولى لصعوده في منطقة الاطلاع على جوانب الفكر والمقالات والترجمات والكتابات التحليلية، فكانت «الرسالة» بأعدادها القديمة. يحكي "في تلك المرحلة، تطلعت إلى قراءة طه حسين، وشغفت شغفا عظيما بكتابات توفيق الحكيم وتشويقه الجاذب الأكبر، وقرأت أيضًا للمنفلوطي الذي كان يمثل ذروة الرومانسية لنا في فترة الأربعينيات، كما قرأت له مقالات مهمة في مرحلة لاحقة.. وفي سن الشباب الجامعي، اتسعت دائرة القراءة لتشمل جيل يحيى حقي وسعيد العريان قبل أن أنتقل إلى المدرسة الروائية الحقيقية وروادها نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وعبد الحليم عبد الله ويوسف غراب، وغيرهم من عشرات الروائيين الذين كانوا يمثلون ازدهارا حقيقيا للجيل الأول من الروائيين المصريين".
أوفد صلاح فضل في بعثة للدراسات العليا بإسبانيا وحصل على دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة مدريد المركزية عام 1972، وعمل في أثناء بعثته مدرسًا للأدب العربي والترجمة بكلية الفلسفة والآداب بجامعة مدريد منذ عام 1968 حتى عام 1972، وتعاقد خلال الفترة نفسها مع المجلس الأعلى للبحث العلمي في إسبانيا للمساهمة في إحياء تراث ابن رشد الفلسفي ونشره. عمل بعد عودته أستاذًا للأدب والنقد بكُلِّيتي اللغة العربية والبنات بجامعة الأزهر، وعمل أستاذًا زائرًا بكلية المكسيك للدراسات العليا منذ عام 1974 حتى عام 1977.. أنشأ خلال وجوده بالمكسيك قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة المكسيك المستقلة عام 1975.
تحولت المسيرة الإبداعية للناقد الكبير من قراءة الكتب إلى المساهمة في الكتابة على عدة مراحل؛ يقول عن نفسه "بدأت بكتابة الشعر، ولكن لم يعجبني الشعر الذي كتبته فتوقفت عنه، متوجها لكتابة القصة القصيرة، لكن ما كتبته لم يرضني فمزقته! لأكتشف نفسي بعد ذلك بتوجهي نحو الكتابة النقدية.. فعندما أقام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية مسابقة لكتابة الأبحاث على مستوى مصر، تقدمت لها وظللت أحصل على المركز الأول سنويا، فأدركت أن مستقبلي يرتبط بالبحث، واستشعرت أن البحث في الأدب تحديدًا هو الذي يمكن أن أكتب فيه والمعروف عليه اصطلاحا بالنقد الأدبي.. وأذكر أنني في سن السادسة عشرة قدمت بحثًا تحليليًا لمجموعة شعرية اسمها المفضليات في الشعر وفزت بالجائزة الأولى".
قراءات فضل في الأدب كانت هي مدخله لعالم الثقافة كله، لأن القراءة في الأدب لا تقتصر على مجال محدود وإنما تتسع لتكون خير رؤية للحياة. فرغم القوة الأدبية للغة العربية "كنت أستشعر أن هذا جانبا واحدا فقط من المعرفة وأنه لا بد من استكماله بجوانب أخرى، فتوسعت في قراءة القانون والاقتصاد والفلسفة، خاصة فلسفة العلوم بجانب الفنون المحدثة كالسينما والموسيقى والفنون التشكيلية".
انتقل فضل للعمل أستاذًا للنقد الأدبي والأدب المقارن بكلية الآداب بجامعة عين شمس منذ عام 1979؛ وانتدب مستشارًا ثقافيًّا لمصر ومديرًا للمعهد المصري للدراسات الإسلامية بمدريد بإسبانيا منذ عام 1980 حتى عام 1985.. رأس في هذه الأثناء تحرير مجلة المعهد المصري للدراسات الإسلامية بمدريد. اختير أستاذًا شرفيًّا للدراسات العليا بجامعة مدريد المستقلة؛ وانتدب بعد عودته إلى مصر عميدًا للمعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون بمصر منذ عام 1985 حتى عام 1988؛ وعمل أستاذًا زائرًا بجامعات صنعاء باليمن والبحرين حتى عام 1994؛ كما عمل أستاذًا للنقد الأدبي والأدب المقارن بكلية الآداب بجامعة عين شمس ورئيسًا لقسم اللغة العربية.