السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

مواقف الحكام العرب من "كامب ديفيد" رفض علني وقبول في الجلسات المغلقة

 «كامب ديفيد»
«كامب ديفيد»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«برقية سرية» كشفت لقاء موشيه دايان مع «قادة فلسطينيين» فى سبتمبر 1978 للخروج بأقصى قدر من المكاسب 
«العاهل الأردنى الراحل» يؤيد المفاوضات رغم الرفض العربى ويؤكد تشجيعه «الفلسطينيين» بقبولها

كشفت «الوثائق السرية» التى أفرجت عنها وزارة الخارجية الأمريكية، بشأن معاهدة كامب ديفيد، ومفاوضات السلام بين مصر ودولة «الاحتلال الإسرائيلي» عن وجود تردد من بعض القوى العربية فى دعم المفاوضات علانية وقتها، لذا اتجهت لدعمها سرا، خلافا لموقفها المعلن، حفاظا على صورتها الداخلية أمام شعوبها، خاصة أن هذه المرحلة كانت تشهد حالة رفض شعبي، لأى مفاوضات سلام مع «دولة الاحتلال» لا يشمل باقى الأراضى العربية.
وكشفت الوثائق عن أن وجود أطراف فلسطينية مقتنعة بالتوجه المصري، وأنه من الأفضل التفاوض والحصول على أقصى قدر ممكن من التنازلات والخروج بأقل الخسائر، وأكد هذا التوجه إحدى البرقيات الصادرة فى 7 سبتمبر 1978، وجاء فيها أن موشيه دايان وزير خارجية الاحتلال، التقى بعض القادة الفلسطينيين المؤيدين لإجراءات مفاوضات مع الإسرائيليين، وأشار إلى هذا الأمر أيضا وزير الخارجية الأمريكى سايروس فانس، الذى قال إنه ناقش النقطة ذاتها مع نظيره وزير الخارجية المصرى محمد إبراهيم كامل، الذى أكد أنه إذا خرجت كامب ديفيد باتفاق جيد؛ فإن فلسطين والعرب سينضمون إلى المفاوضات.
ومنذ ذلك الوقت عملت الولايات المتحدة على محاولة جذب الفلسطينيين إليها، وهو ما تحقق بالفعل بتوقيع اتفاق أسلو «إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتى الانتقالى» فى سبتمبر 1993، بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال، برعاية أمريكية، تلاها اتفاق «غزة أريحا» الموقع فى مايو 1994، وما زالت المفاوضات مستمرة إلى اليوم وسط تعنت إسرائيلى واضح، ودعم أمريكى لا محدود من قبل إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذى اعترف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الكيان.

وبخلاف سعى واشنطن إلى ضمان تأييد أهم الأطراف الإقليمية لاتفاق كامب ديفيد، أرادت أيضا جذب الأردن وسوريا إلى هذا الأمر، فمثلا أشارت «الوثائق» إلى تردد العاهل الأردنى الراحل الملك حسين، فى تحديد موقفه من المفاوضات، وتضمنت الوثائق الصادرة عن الخارجية الأمريكية خطابًا من القنصلية العامة لأمريكا فى القدس إلى وزارة الخارجية بواشنطن، قال فيها هارولد ساندرز، مساعد وزير الخارجية الأمريكي، إن العاهل الأردنى على استعداد للمشاركة فى مفاوضات السلام، لكنه يشعر أنه لا يملك أى دعم عربي، ورغم ذلك أكد للولايات المتحدة أنه سيشجع أصدقاءه ومؤيديه بالضفة الغربية على دعم المفاوضات، وأنه سيركز بشكل أساسى على الجزء المتعلق بالضفة الغربية فى اتفاقيات كامب ديفيد.
ولإدراك واشنطن أهمية دعم الأردن للمفاوضات، كشفت الوثائق الجديدة عن إرسال الرئيس جيمى كارتر، خطابا فى ١٩ سبتمبر ١٩٧٨ بعد انتهاء قمة كامب ديفيد، إلى ملك الأردن، يدعوه فيه إلى دعم وتأييد مفاوضات كامب ديفيد التى قد تفشل بسبب عدم دعم القادة المعتدلين بالدول العربية لها، مما سيؤدى إلى تعزيز العناصر غير المسئولة والراديكالية بجانب زيادة النفوذ السوفياتى فى الشرق الأوسط.
وقد جعل هذا الأمر الأردن، تميل إلى المفاوضات سرا رغم موقفها المعلن، وفى النهاية وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل «وادى عربة»، فى ٢٦ أكتوبر ١٩٩٤، وطبعت المعاهدة العلاقات بين البلدين، وذلك بعد توقيع منظمة التحرير لاتفاق أسلو.
وانتقالا إلى سوريا التى تعتبر إحدى الدول الأساسية فى الصراع العربى الإسرائيلي، أرادت واشنطن ضمها للمفاوضات أو على الأقل تأييدها للقاء «بيجن- السادات» أرسل، كارتر فى ١٩ سبتمبر ١٩٧٨، خطابًا إلى الرئيس السورى حافظ الأسد، يؤكد له أن التزام «كامب ديفيد» بقرارات مجلس الأمن الدولى بشأن الصراع العربى الإسرائيلى، خاصة القرار رقم ٢٤٢، وأن هذا الاتفاق سيوفر قاعدة لحل المشكلة الفلسطينية، على مرحلتين، تتضمن الأولى إنهاء الاحتلال العسكرى الإسرائيلى للضفة الغربية وغزة، وسحب جزء كبير من قوات الاحتلال، وإقامة شرطة فلسطينية، وكذلك إنشاء سلطة فلسطينية ذاتية الحكم، يتم انتخابها بحرية بجانب تجميد المستوطنات.
إلا أن دمشق رفضت هذا الأمر وما زالت حتى الآن تعتبر فى حالة حرب مع إسرائيل، ولم تدخل فى مفاوضات لاستعادة الجولان المحتل، واليوم طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى الاعتراف بسيادتها رسميا على الجولان، مستغلة الأوضاع التى تمر بها سوريا والمنطقة العربية بشكل عام.
تعد هذه الوثائق من أهم الرسائل المتبادلة التى تم الكشف عنها مؤخرًا لكى تجيب عن كثير من التساؤلات المثارة، حول ماهية عملية السلام التى قادها الرئيس الراحل «أنور السادات» وموقف الإدارة الأمريكية منها، وكيف دعمت فكرة السلام الشامل فى المنطقة، كما أنها ساهمت فى تمهيد الطريق أمام مسارات السلام مع باقى الدول العربية، وطرحت أساسًا تفاوضيًا للقضية الفلسطينية، كما أشار بوضوح إلى التفسير الخطأ لمسألة المستوطنات وأن الجانب الإسرائيلى تعامل معه فى إطار المفاوضات حول سيناء بدلًا من الضفة وغزة، وفى حقيقة الأمر استطاعت القيادة المصرية تحقيق أهدافها فى استعادة أراضيها وإبرام السلام فى حين لم تستطع باقى الدول العربية إحراز أى تقدم على نحو مماثل. 

وتثبت الوثائق أيضا أن القوى العربية الأساسية فى الصراع العربى الإسرائيلي، اتجهت نحو التوجهات المصرية، وإن كان بشكل متأخر وهو ما جعلها تحظى بقدر أقل من المكاسب، بخلاف سوريا التى رفضت الدخول فى اتفاق سلام مع دولة الاحتلال حتى اليوم.
أما الأردنيون والفلسطينيون فقد اقتنعوا بضرورة التفاوض والخروج بأقل قدر من الخسائر، وما كان مرفوضا أمس أصبح يطالب به اليوم، وذلك فى مباردة السلام العربية التى قدمتها السعودية عام ٢٠٠٢، وتهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧، وعودة اللاجئين، وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان السورية، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع دولة الكيان.
ويكشف نشر هذه الوثائق فى هذا التوقيت، عن سعى الولايات المتحدة إلى الإسراع فى تطبيق «صفقة القرن» التى أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب، رغم سوء الأوضاع حاليا بالنسبة للعرب مقارنة بأوضاع كامب ديفيد، ومن بين الدول المؤيدة للموقف المصري المملكة العربية السعودية، التى كانت تتبع فى العلن موقفا، يبدو غير مؤيد لخطوات الرئيس الراحل أنور السادات؛ لأن اتفاقية كامب ديفيد التى تم التوصل إليها، لم تطالب إسرائيل بالانسحاب من كل الأراضى المحتلة، وبخاصة القدس، ولم تشمل كذلك حق تقرير المصير للفلسطينيين، بما فيه حقهم فى إقامة دولتهم الخاصة، لهذا دعمت علانية دول «جبهة الصمود والتصدي» فى موقفها ضد مصر، وتأييد مقررات قمة بغداد، التى عقدتها الجامعة العربية فى نوفمبر ١٩٧٨، بخلاف قطع السعودية فى أبريل ١٩٧٩ العلاقات الدبلوماسية مع مصر، والتى لم تعد إلا عام ١٩٨٧.
أما خلف الكواليس فقد كشفت إحدى «البرقيات» التى أفرجت عنها الخارجية الأمريكية، ومؤرخة بتاريخ ١٠ أغسطس ١٩٧٨، عن عقد جلسة بين السفير الأمريكى لدى السعودية، جون سى ويست، مع سعود الفيصل وزير الخارجية السعودى وقتها.
البرقية عبارة عن رسالة من سفارة واشنطن فى الرياض، إلى الخارجية الأمريكية، أشار فيها «ويست» لدعم «الفيصل» الكامل لدعوة الرئيس الأمريكى جيمى كارتر، كلا من «السادات» و«مناحم بيجن» لإجراء مفاوضات سلام، بل إن «الفيصل» تبرأ من الموقف الظاهر، وهو رفض بلاده للمفاوضات، قائلا: «إن موقف السعودية من المفاوضات تمَّ تحريفه، ونفى كذلك وجود ضغط سعودى حقيقى على السادات».
وكانت الرياض منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، أحد حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، الداعم لرؤيتها، خلافا لمصر خلال فترة الرئيس جمال عبدالناصر، كانت مؤيدة للمعسكر الشرقى بقيادة الاتحاد السوفيتي، وبالتالى نجاح المفاوضات يعنى اقتراب مصر من المحور الغربى الأمريكي.