الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

مَجِيءُ السَّيِّدِ المَسِيحِ إِلىَ أَرْضِ مِصْرَ بقلم| القمص أثناسيوس جورج

القمص أثناسيوس جورج
القمص أثناسيوس جورج
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في عيد مجيء السيد المسيح إلى أرض مصر يفرح أقباطها وكل بنيها بالبركة الإلهية؛ لحضور محب البشر الكائن قبل الدهور إلى تخومها. إن اختياره لمصر البلد الوحيد لقدومه إليها أمر إلهي مملوء بالأسرار؛ سبق الله وأعده منذ الأزل وتنبأ عنه الأنبياء. فلم يكن قدوم المسيح إلى مصر مصادفة؛ لكنه وفق تدبير الخلاص.
استضافته مصر وهو مُطارَد من رؤساء هذا العالم.. قَبِلتْه ضيفًا؛ فباركها وافتقدها بالمراحم الإلهية؛ حتى ذاب قلبها فيها. وأعد له فيها شعبًا مباركًا. محققًا نبوءة إشعياء التي تنبأ بها قبل ميلاده بما يزيد عن ٧٠٠ سنة.
لقد كان هروب المسيح إلى أرض مصر حلقة من حلقات آلامه. أتى إليها كي يخلصها. أتى إليها لا ليملك مُلكًا أرضيًا؛ لأن مملكته ليست من هذا العالم. ولم يكن أيضًا يطلب مجدًا من هذا العالم. جاء ليؤسس ملكوتًا لا ينقرض ولا يتزعزع. ملكوت محبته وخلاصه وفدائه. ولازال الشيطان يقاوم كنيسته بكل عُنف وضراوة؛ لكنه يرتد خائبًا مهزومًا أمام الذين غلبوه بكلمة شهادتهم؛ وأمام الذين أذاقوه الهزائم مُحتمين بحماية الحمل؛ ولم يحبوا حياتهم حتى الموت.. هروبه كان من وجه الشر، وليحقق مقاصده الخلاصية كالتدبير، وهو حمل صليبه منذ البشارة به ومنذ ميلاده غرببا فقيرا في مزود، وفي كونه لم يجد اين يسند رأسه، هاربا من شر هيرودس وكل هيرودس.
إن طاعة العائلة المقدسة بالهروب إلى مصر كانت طاعة فورية. وهي دائمًا حاضرة؛ فلم يضعف يوسف النجار ولم يتشكك أو يتباطأ في حمل المسئولية؛ بل خضع لساعته، يري رؤي في الليل ثم يستيقظ ليتممها فوريا، متحملًا مشقة السفر ومخاطره مع الصبي وأمه.. احتمل بفرح كل المِحَن؛ و"قام ليلًا وأخذ الصبي وأمه"؛ فالصبي وُلد ليكون أولًا وأول الكل. لذا ذُكر الصبي أولًا قبل أمه. إن الصبي يتقدم الجميع ويأتي ذكره قبل أمه التي ولدته وانتسب إليها لأن أباه هو الآب السماوي.
هرب المسيح إلى مصر بينما هو مُخلِص الجميع ومخلص كل أحد؛ وهو الذي يحمل الرئاسة على كتفيه (صليبه)؛ فهروبه إلى مصر أكد حقيقة تجسده. وقد تم به ما قيل في النبوات (من مصر دعوتُ ابني) (مبارك شعبي مصر).. هروبه كان في تدبيره قبل الأزمنة.. لم يقاوم الشر بالشر؛ بل أتى إلى مصر ليعلن خلاصه لنا ولجميع الأمم؛ وليكشف لنا عظمة محبته ومسرته.. قدس أرض مصر في طول البلاد وعرضها؛ وأقام في مصر؛ وبقدومه إليها ارتجفت الأوثان؛ وأسس مذبحَهُ في وسط أرضها وعامود عند تخومها؛ لن يتزعزع ولن تقْوَى عليه كل بوابات الجحيم مجتمعة.. وقد عُرف الرب في مصر وعَرَف المصريون الربَ؛ فمهما طال الزمان واشتدت ساعات الظلمة؛ نثق أن أحْلَكَ الساعات تأتي بعدها إشراقةُ الفجر؛ حيث أن بداية الرحلة الإلهية إلينا كانت "هيرودس يطلب الصبي ليهلكه أما نهايتها مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي". هكذا الله محب البشر دائمًا يمزج الأتعاب الشاقة في حياتنا بحلاوة التعزية والرجاء. لا يشاء أن نَشْقَى؛ ولا أن نكون في استرخاء دائم؛ حتى نتزكَّىَ ونَعبُر بسلام. اضطربت المدينة وغضب الملك وذَبَحَ أطفال بيت لحم؛ ونُفي يسوع وأمه والنجار البار..