يتحدث المفكر الجزائري مالك بن نبي، في كتابه "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي"، الصادر عام 1970، عن موقف الإنسان المنعزل عن العالم عندما ينتابه شعور بالفراغ، فهو يرى أن طريقته في ملء هذا الفراغ هي التي تحدد نوع ونمط ثقافته وحضارته، وأن هناك طريقتان لملء ذلك الفراغ، إما أن ينظر إلي الأرض ويخفف من وحدته بالأشياء عبر السعي للسيطرة عليها لاستهلاكها وامتلاكها، أو يرفع بصره نحو السماء ليقلص من وحدته من خلال الغرق في عالم الأفكار والبحث عن الحقيقة.
لذا هناك نموذجان من الثقافة من وجهة نظر مالك بن نبي، إحداهما ثقافة سيطرة ذات جذور تقنية وهي تتمثل في أوروبا (الثقافة الغربية)، وثقافة ذات جذور أخلاقية وغيبية (الحضارة الإسلامية في أوج نشاطها).
والفكر الغربي، في رؤيته، يجنح إلي الدوران حول الوزن والكم، وينتهي إلي المادية عند الانحراف والمغالاة، بينما يدور الفكر الإسلامي في فلكه الأصلي، وذلك منذ أعطاه القرآن اندفاعته الأولى، حول حب الخير وكره الشر، ولكنه حين يُصاب بالأفول، فإن المغالاة تدفعه إلي التقليد الأعمي والافتتان بقيم الغرب.
وأكّد "بن نبي" أن المجتمع الإسلامي يعاني من انتقام نماذجه المثالية لعالمه الثقافي الخاص به من ناحية، ومن ناحية أخري من انتقام رهيب تصبه الأفكار التي استعارها من أوروبا، دون أن تتم مراعاة الشروط التي تحفظ قيمتها الاجتماعية، وأورث ذلك تدهورا في قيمة الأفكار الأصيلة والمكتسبة، بالإضافة إلى ضرر فادح ألم بالمجتمع الإسلامي من الناحية المادية والأخلاقية على حد سواء.
إن هذه هي النتائج الاجتماعية لذلك التدهور والتي نصادفها يوميا في صورة غياب فاعلية وقصور في مختلف أنشطتنا الاجتماعية. فنحن اليوم نقاسي هذا التدهور المزدوج، فالأفكار المخذولة في هذا الجانب أو ذاك لها انتقام رهيب. وأن انتقامها المحتوم هو ما نعاني منه اليوم.
