الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

باهور لبيب.. قبطي كتب "الفن الإسلامي في مصر"

الدكتور باهور لبيب
الدكتور باهور لبيب عالم الآثار القبطية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى مايو من كل عام تمر ذكرى عالم المصريات والآثار الدكتور باهور لبيب (١٩٠٥- ١٩٩٤)، الذى يعد أيضا واحدا من أشهر علماء القبطيات فى مصر والعالم، وورث عشق القبطيات والآثار عن والده العالم أقلاديوس لبيب (١٨٦٨-١٩١٨).
وسجل الباحث الكبير ماجد كامل، بأسقفية الشباب، سردا عن السيرة الذاتية لـ «باهور»، جاء فيها «ولد باهور فى يوم ١٩ سبتمبر ١٩٠٥ فى ضاحية عين شمس، ولقد تشرب عشق اللغة القبطية منذ طفولته، فلقد كان من تقاليد الأسرة منع التحدث بغير اللغة القبطية داخل المنزل حتى يتدربوا جيدا على إتقانها، درس فى مدرسة الأقباط الكبرى التى أنشأها البابا كيرلس الرابع، ثم ألتحق بالمدرسة الخديوية فى المرحلة الثانوية، حتى حصل على شهادة البكالوريا عام ١٩٢٥، والتحق بعدها بكلية الحقوق، وكان قد تم افتتاح قسم جديد لدراسة الآثار حديثا، فقابل باهور لبيب الأستاذ الكبير لطفى السيد، والملقب بأستاذ الجيل، وأبدى له رغبته فى دراسة الآثار بجانب دراسته للحقوق، فوافق أستاذ الجيل، حيث إنه كان يرغب فى تشجيع الدراسة بقسم الآثار.
ولكن فى يوم امتحان الليسانس تصادف أن جاء موعد الامتحانين فى الوقت نفسه، فاضطر باهور لطلب تأجيل امتحان الحقوق، وامتحن فى الآثار حتى حصل على الليسانس عام ١٩٣٠. وكان من بين أساتذته الذين درسوا له فى هذه الفترة، نذكر العالم الروسى جولنشيف (١٨٥٦- ١٩٤٧ ) أستاذ فقه اللغة المصرية القديمة، هرمان يونكر ( ١٨٧٧- ١٩٦٢ ) وله حفائر مهمة فى منطقة الأهرامات بالجيزة اكتشف خلالها مقابر ترجع إلى عصر الدولة القديمة، والسير بيرسى نيوبرى (١٨٦٨- ١٩٤٩) أستاذ التاريخ والآثار بالجامعة المصرية. 
ثم سافر فى بعثة إلى ألمانيا خلال عامى ١٩٣٠- ١٩٣١ لنيل درجة الدكتوراه، وكانت بعثة كبيرة مكونة من مجموعة كبيرة من العلماء قدر لها قيادة الجامعة المصرية فى العديد من التخصصات فيما بعد، نذكر منهم فى مجال الآثار: عبد المنعم يوسف أبو بكر وأحمد محمد بدوي، كذلك سافر فى نفس البعثة الدكتور مراد كامل لدراسة اللغات السامية، كما سافر إلى فرنسا يوسف مراد لدراسة الدكتوراه فى علم النفس «وهو رائد دراسات علم النفس التكاملى فى مصر»، وعثمان أمين لدراسة الدكتوراه فى الفلسفة من فرنسا أيضا، «وهو رائد الفلسفة الجوانية فى مصر».
وفى ألمانيا تتلمذ باهور لبيب على يد مجموعة كبيرة من أساطين علم المصريات، مثل هرمان جرابو أكبر عالم للغة الهيروغليفية فى العالم، كذلك العالم الألمانى كورت زيته، رئيس قسم الآثار الفرعونية بمتحف برلين، كذلك تتلمذ على يد عميد الأثريين الألمان أدولف إيرمان، وكان موضوع رسالة الدكتوراه هو «الملك أحمس الأول طارد الهكسوس من أرض مصر ومؤسس الأسرة الثامنة عشرة»، وبالفعل تمكن من إنجاز رسالة الدكتوراه خلال أربعة سنوات، وكانت بتاريخ ٢٩ نوفمبر ١٩٣٤، وكان بذلك أول مصرى يحصل على درجة الدكتوراه فى الآثار المصرية. 
ثم عاد إلى مصر وعمل أستاذا للغة القبطية وعلاقتها بالمصرية القديمة، ثم قام بتدريس اللهجات القبطية المختلفة. ولكنه تعرض للظلم والغبن ففصل من الجامعة نتيجة مواجهة مع شخصية ذات نفوذ، وخلال زيارة الملك فاروق للمتحف المصرى فى أبريل ١٩٤٥، وكان باهور لبيب بين صفوف التشريفة التى قامت باستقباله، فعرض عليه الظلم الذى تعرض له، فـأصدر الملك أمرا بإرجاع باهور لبيب للعمل كأمين فى المتحف المصري، ثم مديرا للمتاحف الإقليمية.
ولكن النقلة الكبرى فى حياته جاءت بقرار تعيينه مديرا للمتحف القبطى خلال الفترة من (١٩٥١- ١٩٦٥) وهو بذلك يعتبر ثالث مدير له بعد مرقس باشا سميكة (١٨٦٤- ١٩٤٤)، الدكتور توجو مينا (١٩٠٦- ١٩٤٨ )، ولقد زار المتحف خلال مدة رئاسته العديد من رؤساء الدول والشخصيات الرسمية، نذكر منهم الإمبراطور هيلاسلاسى إمبراطور إثيوبيا السابق فى يوم ٢٨ يونيو ١٩٥٨، وزارته ولية عهد الدنمارك فى نوفمبر ١٩٦٢، ورئيس غانا الراحل نكروما. 
كما تقلد العديد من المناصب الأخرى المهمة مثل «عضو بالمجلس القومى للثقافة، ومقرر لجنة الآثار بالمجالس القومية المتخصصة، عضو بالمجمع العلمى المصرى منذ عام ١٩٦٠، عضو بمعهد الآثار الألمانى ببرلين، عضو الجمعية الجغرافية الأمريكية، عضو لجنة المتاحف باليونسكو».
كما حصل على العديد من النياشين والأوسمة، نذكر منها ميدالية ذهبية من الإمبراطور هيلاسلاسي، كما حصل على وسام العالم من الدنمارك، ووسام الاستحقاق من درجة الصليب الكبير من ألمانيا الغربية، كما حصل أيضا على مفتاح مدينة ميونخ، وشهادت تقدير متنوعة من ألمانيا وإيطاليا وتشيكوسلوفاكيا. 
كما نشرت له العديد من الكتب والأبحاث والمقالات فى مجال المصريات والقبطيات والإسلاميات باللغات العربية والألمانية والفرنسية، نذكر منها كتيب صغير عن الفن القبطى فى سلسلة كتابك التى تصدر عن دار المعارف عام ١٩٧٨ (الكتاب رقم ١١٨)، الفن الإسلامى فى مصر (باللغة الإنجليزية وصدر عام ١٩٦٠). 
كما كتب مقدمة العديد من الكتب نذكر منها كتاب «التربية فى العصر القبطى «للدكتور سليمان نسيم، موسوعة تاريخ الأقباط» للأستاذ زكى شنودة الجزء الثالث وصدر عام ١٩٦٦، وأخيرا كتاب «التصوير فى التراث المصرى القديم» للدكتور مهندس محمد حماد. 
كما قام بنشر وتحقيق مكتبة نجع حمادي، وهى عبارة عن مجموعة برديات اكتشفت فى صعيد مصر، وتحديدا فى نجع حمادى عام ١٩٤٥، بينما كان أحد الفلاحين يبحث عن السماد بمنطقة جبل الطريفي، فعثر على قنينة من الفخار، فظن فى البداية أن بداخلها كنز كبير، فقام بكسرها فوجد بداخلها مجموعة من أوراق البردي، وأخذت تنتقل من يد إلى يد حتى وصلت إلى تاجر آثار بلجيكى يدعى «ألبرت أيد» فقام بشرائها وبيعها لأحد المعاهد السويسرية، وعندما كان الدكتور توجو مينا مديرا للمتحف القبط، قام بإقناع المسئولين بضرورة شراء هذه المخطوطات التى خرجت من مصر، ولكن نتيجة وفاة الدكتور توجو مينا المفاجئة فى عام ١٩٤٩، تعثرت الإجراءات قليلا، إلى أن جاء عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، وكان وقتها وزيرا للمعارف، فاهتم بهذا الاكتشاف كثيرا، فكون لجنة لإصدار قانون خاص لحماية الآثار، نتج عنه احتفاظ الحكومة المصرية بهذه المخطوطات، فانتقلت ملكيتها للمتحف القبطى عام ١٩٥٢، وكان الدكتور باهور لبيب وقتها يعمل مديرا للمتحف، فقام بنشر صور لمخطوطات هذه المكتبة عام ١٩٥٦، ثم تأسست لجنة تحت رئاسة اليونيسكو لفحص ودراسة هذه المخطوطات من مجموعة من كبار علماء القبطيات فى العالم، نذكر منهم مارتن كراوس، بويك، جويسبل، روبنسون. حتى خرجت ترجمتها الكاملة إلى اللغات الحية المختلفة عام ١٩٧٦ خلال مؤتمر القبطيات الأول، والذى عقد فى مدينة القاهرة خلال فترة وزارة الدكتور جمال العطيفى للثقافة، وكان رئيس هيئة الآثار وقتها الدكتور جمال الدين مختار، وفيه تأسست الجمعية الدولية للدراسات القبطية International Association for Coptic Studies ويعرف اختصارا بـــ ( IACS ). واختير الدكتور باهور لبيب رئسا فخريا Honorary President لها.
ومن الأعمال الأخرى التى قام بها الدكتور باهور لبيب أنه كان عضوا فى لجنة تقصى الحقائق حول الحفريات الإسرائيلية التى قام بها الإسرائيليون فى منطقة دير سانت كاترين عقب عدوان ١٩٥٦، وكانت اللجنة مكونة من الدكتور باهور مندوبا عن مصلحة الآثار، الأستاذ فؤاد السيد مندوبا عن دار الكتب (وهو بالمناسبة والد الدكتور أيمن فؤاد سيد عالم المخطوطات الإسلامية) والمهندس نجيب سلامة والمصور بولس فرج من موظفى المتحف القبطي. 
وتوجهت البعثة إلى دير سانت كاترين بتاريخ ١٧ يونيو ١٩٥٧. وأثبتت أن الأثريين الإسرائيليين قد قاموا بعمل حفائر خارج أسوار الدير. كما شارك فى القيام بحفائر فى منطقة أبو مينا الأثرية بصحراء مريوط فى عام ١٩٥١. كما كان رئيس لجنة التنقيب عن آثار كنيسة السيدة العذراء بأتريب بمدينة بنها محافظة القليوبية وكان ذلك عام ١٩٦٩. 
كما كان عضو اللجنة الباباوية التى شكلها قداسة البابا شنودة الثالث- لتقصى الحقائق حول صحة نبأ اكتشاف رفات يوحنا المعمدان (المعروف فى القرآن باسم سيدنا يحيى) بدير القديس أبو مقار بوادى النطرون، وكان ذلك خلال عام ١٩٧٨. وأخيرا وبعد رحلة حافلة بالعطاء والإنجاز رحل العالم الكبير الدكتور باهور لبيب عن عالمنا يوم ٧ مايو ١٩٩٤ عن عمر يناهز ٨٩ عاما تقريبا، ودفن فى مقابر الأسرة فى الجبل الأحمر. 
ولقد اهتم بتسجيل سيرة حياته نجله الدكتور أحمس لبيب باهور لبيب فى كتاب رائع مدعم بعشرات الصور والوثائق، فضلا عن الذكريات الشخصية التى سردها المؤلف عن والده.